نورالدين لشهب
قبل أربع سنوات ونيف، التحقت طائفة من السلفيين الجهاديين “التائبين” بحزب الحركة الديمقراطية الشعبية، وبعد سنوات من السجن وما قاسه هؤلاء من تعب وسهاد جراء الاعتقال على خلفية الأحداث الإرهابية، التي شهدتها الدار البيضاء يوم 16 ماي عام 2013، جلس هؤلاء تحت ظلال “نخلة” عرشان، إذ قال لهم كبيرهم عبد الكريم الشاذلي: “تعالوا بنا إلى دار أبي عبد الصمد عرشان نهز جذع هذه النخلة لعلها تساقط علينا رطبا جنيا”.
وعلى هذا الأساس أعلن أكثر من 400 من المعتقلين السلفيين رغبتهم في الانضمام إلى حزب عرشان، حسب تقديرات عبد الكريم الشاذلي في تصريحاته لعدد من المنابر الإعلامية حينذاك، حيث توصل المجلس الوطني للحزب يومئذ برسائل من مجموعة كبيرة من معتقلي السلفية الجهادية داخل وخارج السجون، يعلنون فيها رغبتهم في الانضمام إلى الحزب الذي يتخذ من النخلة شعارا له.
أما محمود عرشان، مؤسس حزب الحركة الديمقراطية والاجتماعية، فقد ذهب في أحد تصريحاته إلى أن التحاق هؤلاء بالحزب لن يغير مبادئه، فيما ثار السؤال عن طبيعة هذا الاستقطاب السياسي لمحسوبين على الفكر السلفي الجهادي من قبيل حزب يعتبر أبعد ما يكون عن هوى و”قناعة السلفيين الجهاديين”، لا سيما مع وجود أحزاب ذات مرجعية محافظة كحزب الاستقلال، أو مرجعية إسلامية كحزب الفضيلة وحزب العدالة والتنمية.
في حين صرح عبد الصمد عرشان، الأمين الحالي للحزب الذي أسسه والده محمود عرشان، بأن عملية الاستقطاب التي باشرها الحزب كانت بشرط رئيس يتعلق بقبول السلفيين الجهاديين بالمراجعة الفكرية المطلوبة، والمتمثلة في إمارة المؤمنين والملكية والوحدة الترابية، وهو ما تم الإعلان عنه بشكل عام، وبذلك “قرر هؤلاء الرجوع إلى طريق الصواب والانخراط في العمل السياسي”.
مقابل ذلك، اعتبر الشاذلي أن محمود عرشان هو من طرح عليه الالتحاق بالحزب، “وبعد الاستشارة حصلت في الحقيقة وقفات، حيث وجدت بأن راهنية الحدث الآن والظرفية الوطنية والإقليمية تحتم علي الدخول إلى المجال السياسي العام”، يقول الشاذلي.
غير أنه بعد التحاق عبد الكريم الشاذلي وإخوانه السلفيين بحزب “النخلة”، ثار نقاش حول جمعية تم تأسيسها تابعة للحزب، وتُعنى بقضية السلفيين الجهاديين، والبحث عن سبل للإدماج، وفتح قنوات للتواصل مع السلطات الأمنية والمؤسسات المعنية من أجل إطلاق باقي المعتقلين السلفيين كي يعززوا صفوف رهط حزب عرشان في الانتخابات.
الجمعية.. ذلك المجهول الذي عجل بفشل التجربة
وهكذا ذهبت بعض التكهنات إلى أن عبد الكريم الشاذلي دفع في اتجاه تأسيس جناح دعوي تأسيا بحزب العدالة والتنمية، ولكن بنكهة سلفية معتدلة حتى يكون نصيرا للحزب خلال الاستحقاقات الانتخابية.
في حين يرى جواد المشلك أن مجموعة من السلفيين التحقوا بالحزب من أجل مساعدتهم على تأسيس جمعية تعنى بإدماج السلفيين الذين قضوا سنوات وراء القضبان، وفتح قنوات للتواصل مع المؤسسات الرسمية من أجل إطلاق باقي السجناء المحسوبين على التيار السلفي الجهادي، والذين قدموا أطروحات في المصالحة والمراجعة لأفكارهم السابقة.
وقال، في اتصال خاص، “نحن لم يسبق لنا أن انتمينا إلى حزب عرشان، ولم يكن في نيتنا الانتماء إلى هذا الحزب، بل كان الموضوع يتعلق بتأسيس جمعية دعمها عرشان بـ 10 ملايين سنتيم”.
ويضيف المشلك بأن جماعته بدأت تشتغل، لكن اعترضتها عدة عراقيل، بسبب عدم الحصول على وصل للجمعية، وعدم التوفر على مقر خاص بها. وأوضح في الاتصال ذاته أن “المشكل هو أنه أعطيت لنا وعود توقف العمل بها بعدما وجدنا صعوبات في الحصول على وصل للجمعية وعلى مقر خاص بها وفتح حساب بنكي”.
وأكد أن الجمعية كانت “مستقلة عن الحزب وليست تابعة له. كنا فقط نريد دعما من الحزب، وقد دعمنا بـ10 ملايين سنتيم، وكان الاتفاق على أساس الإدماج، ولكن وجدنا أنفسنا نقوم بعملية جمع الوثائق التي تتعلق بالاعتقال ومدة السجن والمعلومات الخاصة بكل معتقل”.
وعن أهداف الجمعية، يرى المتحدث أنها تتعلق أساسا بما سماه التنوير والتوعية والتوجيه وتنظيم الندوات والمحاضرات من خلال التجربة المريرة للسجن. كما كانت الجمعية تشتغل على شق آخر يتعلق بالبحث عن حلول من أجل “الإفراج عن باقي المعتقلين، الذين قدموا أطروحات في الإصلاح وهي أهداف رائعة ومغرية”.
وأضاف “حققنا بعض النتائج مع بداية الاشتغال، حيث فتحنا التواصل مع الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة المعنية بالموضوع، والتقينا بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكانت الاستجابة لكثير من اللقاءات، وراسلنا المجلس العلمي والرابطة المحمدية لعلماء المغرب، غير أنه تبين لنا غياب الاهتمام بالجمعية وكساد في النقاش، أضف إلى ذلك أن الرغبة في إيجاد عمل والاندماج في المجتمع جعلنا نبتعد عن هذه التجربة”.
فضل المشلك الابتعاد عن الجمعية وكذا عن حزب “النخلة” الداعم لها، وقال: “كان هناك وعد من عرشان الأب، وبعدما طرقنا جميع الأبواب، ومن بينها مؤسسة محمد السادس، ضيعت 12 سنة من عمري بدون ذنب اقترفته، فلا داعي أن أضيع ما تبقى من العمر في أمور فوق الطاقة وغير ذات جدوى، ولكن ما تعلمته من هذه التجربة، ومن خلال طرق عدد من البواب لإيجاد حل، أن الكثير منهم يطلب منا جمع حشد معين من الناس كي يشتغل بنا، وليس أن يشتغل معنا لإيجاد حل لهذه المعاناة. ولهذا قدمت الاستقالة”.
السر بين الشاذلي وعرشان
“وهكذا بقينا نجهل الحال والمآل، أي وضعيتنا المزرية، ومستقبل هذا النقاش حول الجمعية، وماذا يمكن أن نكسب أو نحقق من أهداف، والأمر بقي سرا بين عرشان الأب والشاذلي” يقول المشلك.
وبخصوص مآل الجمعية، قال عبد الكريم الشاذلي، في تصريح خاص، “عندي وعود خاصة من محمود عرشان، ومن الأجهزة الأمنية أيضا، سنجد حلا للمشكل الذي يتعلق أساسا بما هو قانوني، وليست هناك أي تحفظات بخصوص الإخوة”.
وأكد بأن “مشكل الجمعية هو قانوني بشكل واضح، لأن الإخوة لا يمكنهم رد الاعتبار الذي يتطلب مضي خمس سنوات، وأنا الوحيد الذي رفعت دعوى من أجل رد الاعتبار. والإخوة كلهم لم يحصلوا على رد الاعتبار، فهذا سبب قانوني، ولكن ليست هناك تحفظات من قبل الأجهزة الأمنية ولا من طرف مؤسسات الدولة”.
ونفى الشاذلي أن يكون السلفيون قد غادروا حزب عرشان، واعتبر بأنه بعد اختيار الأمين العام، ستعاد هيكلة الحزب، وسيتم اختيار المكتب السياسي، و”سنباشر هيكلة الحزب على مستوى المنسقين، وبعده ستتم هيكلة الحزب كي تكون الاستمرارية لفتح المستقبل على آفاق جديدة”.
وأوضح الشاذلي أن الأمانة العامة الجديدة ستعمل على تجاوز إكراهات العهد الماضي للحزب، مشيرا إلى أن بعض الوجوه كانت تعرقل العلاقة بين السلفيين والحزب.
وأكد بأن الجمعية لم تحصل على ترخيص لأن الأمر يتعلق بالدولة وليس بالحزب، وأن هناك بعض التحفظات.
وبالنسبة إلى العمل، أوضح أن هناك عملا يجرى في الكواليس، وأنه بعد تغيير الهيكلة سيكون هناك توجه جديد.
صعوبات الاندماج
واعترف الشاذلي بالصعوبات التي اعترضت التحاق السلفيين بالحزب، والمتمثلة في الاعتراض على وجود السلفيين الجهاديين، وكذا الخطاب الذي يحاول عبد الكريم الشاذلي أن يقوم بتسويقه للسلفيين، وكذا للحزب والمؤسسات الرسمية، وهو خطاب يلعب على خطين لا يبدوان متوازيين بالنظر إلى سوء الفهم الكبير الذي يطبع تعاطي المؤسسات الرسمية مع الاتجاه السلفي بشكل عام.
وقال الشاذلي في هذا السياق: “لما التحقنا بالحزب كانت الأمور على وجهها القديم، والآن نراهن على أن نحصل على مواقع متقدمة في الحزب نستطيع من خلالها تحقيق الرهان المتمثل في حفظ الاتجاه السلفي المعتدل في المجتمع من خلال الحزب، ونقصد بالسلفية فكر ومنهج أهل السنة والجماعة الذي يقر بالثوابت الوطنية بعيدا عن الفكر المتطرف الذي طوينا صفحته منذ سنوات”.
وهكذا يتضح بأن هذا الخطاب السياسي البراغماتي الذي يستعمله الشاذلي يبقى مرفوضا من داخل الحزب وخارجه، وهو ما يعقد مهمة الاندماج بالنسبة إلى التيار السلفي الجهادي بشكل عام، وهنا يكمن سر فشل طائفة من السلفيين الجهاديين في الاستظلال بـ”نخلة” محمود عرشان، بله الأكل من ثمارها التي أرادها إخوة الشاذلي رطبا جنيا.
تعليقات الزوار ( 0 )