Share
  • Link copied

بسبب الهجرة القروية.. الواحات المغربية مهددة بالاختفاء ومساعٍ مستمرة لإنقاذها

بات من الطبيعي لزوّار الجنوب الشرقيّ للمغرب، أن يروا قرى مهجورة مليئة بأشجار النخيل اليابسة. كانت في السابق تنتج محاصيل مهمة، إلى جانب أشجار اللوز والجوز. استقرت الآن فوقها رمال الصحراء، وغطّت الأراضي الضئيلة التي كانت تحمي البساتين وحقول القمح في السابق، صارت الآن عبارة عن حثث للواحات.

يتخيل الراغبون في التوجه إلى الجنوب الشرقيّ، واحات جميلة بأشجار خضراء ونخيل مثمر، وقمح يانع، محاطة بالناس البدو. صورة رائعة لكنها تخفي جهداً بشريا جبّاراً نفذ منذ سنين، من أجل الإبقاء على هذه الأماكن، بألوانها الطبيعية، التي تسرّ الناظرين، وجوها العليل الذي ينعشُ الزائرين.

في سفوح جبال الأطلس، أدت المياه التي تجري منها، منذ العصور القديمة، إلى ظهور العديد من هذه الواحات، لكن، في القرن الماضي، اختفت حوالي ثلثيها، لأسباب متنوعة، تبدأ من ندرة المياه وتمر عبر الاستغلال المفرط، وتنتهي عند الهجرة القروية. حاليا مع موجة الجفاف التي تضرب، وما يترتب عنها من تصحر، بات استمرار تضاؤل هذه المساحات وارداً جدا.

منظر طبيعي من صنع الإنسان

جمال الواحة وبهاؤها، يعتمد بدرجة أولى على كيفية إدارة الإنسان للمياه، التي يكون مصدرها في الغالب، بئرا أو وادٍ قريب، وهو ما يسمح بتنويع الأنشطة الفلاحية، وزراعة الحبوب، إلى جانب الاعتناء بالأشجار المثمرة. هذه الأمور تمثل الولادة الحقيقية للواحة، “لاسيما بالنظر إلى أنها نظام بيئي زراعي متوازن بدقة منتج بشكل بارز”، كما يقول شريف حروني، أستاذ من معهد الحسن الثاني للزراعة بالرباط.

وأوضح حروني، في تصريح أوردته صحيفة “elagoradiario” الإسبانية، أن الواحة “مقسمة إلى ثلاثة مستويات من المحاصيل؛ يتكون الجزء العلوي من الأشجار؛ نخيل، لوز، جوز، التي يتم ترتيبها على حواف الأرض كمصدات للرياح وتوفر أيضا الظل، مما يخلق مناخا محليا يسمح بنمو الطبقات السفلية”.

وتابع الباحث المتخصص في الزراعة نفسه، أن “المستوى الأوسط، هو لأشجار الفاكهة والشجيرات، وأخيرا المستوى الأدنى المكون من الحبوب والخضروات والأعشاب، بالإضافة إلى ذلك، هناك دائما الماشية، التي تغلق دورة تستهلك فيها الحيوانات ما لا يفعله الإنسان، ثم تقوم بتخصيب المحاصيل. لا شيء يضيع”، مردفاً: “الواحة هي نظام بيئي زراعي متوازن بدقة ومنتج بشكل بارز”.

الإنسان وظهور الواحات

هذه الدورة، إلى جانب استدامة النظام البيئي بها، فقد دعمت أيضا مجتمعات بأكملها واقتصاداتها لعدة قرون. فعبر التاريخ، كان السكان في الغالب من المزارعين ومربي الماشية الذين يكسبون زرقهم من خلال بيع منتجات للبدو والقوافل التجارية التي أدت إلى ظهور الواحات.

في الوقت الحالي، ما يزال هناك حوالي مليوني مغربي يعيشون حيث الواحات، وهي المناطق الوحيدة الصالحة للسكن في الجنوب الشرقي للبلاد، وجنوبها. إلا أنه، ومع ذلك، أدت الهجرة القروية إلى ما يشبه إخلاء تدريجيا لهذه المناطق عبر عقود من الزمن، لتبقى الواحات بدون عناية مستمرة، الأمر الذي أفسح المجال لتغطيتها بالرمال، التي التي التهمتها متراً بعد متر.

الهجرة القروية واختفاء الواحات

الهجرة تعتبر الخطوة الأخيرة في حلقة من العوامل المتسببة في اختفاء الواحات، فإلى جانب الظروف المناخية، مثل الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، وهو ما أدى إلى الاستغلال المفرط للفرشة المائية، باستعمال مضخات كهربائية، الأمر الذي صعّب من الوصول إلى المياه الجوفية عكس ما كان عليه الوضع قبل 40 عاما، حين كان يتم العثور على الماء بعد الحفر لـ 10 أمتار فقط، المسافة وصلت الآن لـ 40 متراً.

تراكم الضربات بين الطبيعية والبشرية، دفع الأجيال الجديدة إلى البحث عن حياة أفضل في المدن، وهو ما انعكس على صحة الواحات، التي فقدت أيادي مستعدة لرعايتها، حيث يؤكد حروني: “صحيح أن هناك المزيد من الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، ولكن هذه أنظمة بيئية مصممة للبقاء على قيد الحياة في مثل هذه المواقف. ليس الأمر أن الواحات تختفي أو تجف، بل هي مهجورة”.

استراتيجيات بقاء الواحات واستمرارها

دراسة الواحات التي عرفت تزايداً مؤخرا بسبب الظروف المناخية المعاكسة، أسفرت عن استنتاج رئيسي واحد، وهو أن “هذه النظم الإيكولوجية هي مصادر غنية للمعرفة التقليدية حول التكيف مع المناخ”، فـ”استراتيجيات بقاء الواحات موجودة بالفعل، وهي نفسها التي ولدت معها وظلت لقرون طويلة”.

وأشارت الدراسة إلى أن “استبدال التقنيات التقليدية بأساليب أكثر حداثة، من قبيل استخراج المياه الجوفية بمضخات كهربائية أو تعمل بالوقود، أو استعمال الأسمدة الكيماوية بدلاً من الحيوانات، أو إدخال الزراعة الأحادية والزراعة المكثفة، من بين أمور أخرى، أدت إلى عدم التوازن في الدورة الدقيقة لمياه الشرب وجعلت الواحات غير مستدامة”.

وأوضح حروني، أن “هناك ثلاث طرق تقليدية لتعبئة المياه لتزويد الواحة. الأول هو بناء سد في اتجاه المنبع وتوجيه المياه لتوزيعها في اتجاه مجرى النهر. والثاني هو جمع المياه من طبقة المياه الجوفية، على الرغم من أننا نعلم بالفعل أن هذا يمكن أن يؤدي إلى الاستغلال المفرط إذا لم يتم القيام به بشكل معقول”.

الخطارات المائية.. ومجهودات الحفاظ على الواحات

لكن النظام الأكثر إثارة للإعجاب، يقول حروني، هو “شبكة قنوات تحت الأرض عمرها ألف عام تسمى الخطارات في المغرب”، متابعاً أن الأخيرة “تنقل هذه الأنفاق المائلة الكيلومترية المياه من مصدر في الجبال إلى المناطق الخصبة والمتاحة؛ هم أصل العديد من الواحات في الجنوب وحتى سبب وجود مراكش”، حسب قوله.

ما يزال هناك عدد قليل من هذه الخطارات قيد الاستعمال حتى اليوم، بعد أكثر من 2000 سنة من بناء أولاها. وتعمل حاليا الوكالة المغربية للتنمية الزراعية، مع صندوق التكيف، وهو منظمة غير حكومية تابعة للبنك الدولي، على ترميمها في مناطق الواحات، التي كانت تتوفر عليها في السابق، وهو ما سيسمح بالتنويع الإنتاجي، وتوليد نظام بيئي أكثر مرونة.

هذا، وتقوم الحكومة المغربية أيضا، من خلال الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات، بالترويج لبرنامج لتعزيز الواحات المستدامة كجزء من خطتها الوطنية للمياه. في ظل هذه المجهودات، تبقى المشاركة النشطة للسكان المحليين، أمرا بالغ الأهمية، لأنه، حتى وإن كان تعافي الواحات المحتضرة أولوية، فإن الهدف طويل الأمد، يتعلق ببقائها واستمرارها.

Share
  • Link copied
المقال التالي