مما لا شك فيه أن ظهور وباء كورونا في الصين أواخر سنة 2019 وانتشاره في مختلف دول العالم، قد خلق حالة من الهلع والفزع لدى المجتمعات التي تعرضت لموجة حادة من هذا الفيروس، مما دفعها إلى القيام بالعديد من الإجراءات والتدابير كإعلان حالة الطوارئ الصحية، بغية الحد من انتشاره والتقليص عن كل المخاطر الناجمة عنه في أفق إيجاد لقاح له.
فتوالي الإجراءات والتدابير لمكافحة فيروس كورونا، جعل العديد من الباحثين والخبراء يناقشون ويحللون انعكاسات هذه الأزمة على مختلف المجالات سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وقد أخذ الشق الاقتصادي حيزا كبيرا في النقاشات والتحليلات التي تناولت أزمة كورونا وتأثيراتها، لا سيما على النظام الاقتصادي العالمي، كونه يمثل مجموعة من القواعد الرامية إلى ضبط العلاقات الاقتصادية الدولية، قصد ترتيب الأوضاع الاقتصادية على نحو معين، فما مدى تأثير أزمة كورونا على النظام الاقتصادي العالمي؟
ساهمت الأزمة الوبائية المتمثلة في انتشار فيروس كورونا في تزايد حدة التداعيات الناجمة عنه لا سيما على المستوى الاقتصادي، لما سببه هذا الوباء من إضطرابات مفاجئة حيث تأثرت عدد من القطاعات الحيوية في مختلف الدول، كالسياحة العالمية التي تراجعت بنسب كبيرة في أكثر الدول استقبالا للسياح، مما نتج عنه فقدان عدد كبير من الأشخاص لوظائفهم، وهو مؤشر على ارتفاع عدد العاطلين وبذلك انخفاض مؤشر النمو الاقتصادي، وهذا ما أكده تقرير منظمة العمل الدولية الصادر في 29 أبريل 2020 بعنوان covid 19 and the world of work، أضف إلى ذلك أن واقع هذه الأزمة الوبائية أثرت حتى على أسعار النفط التي شهدت بدورها انخفاضا غير مسبوق.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة فتتوقع أن يتعرض الاقتصاد العالمي لخسائر ستبلغ أكثر من 8 تريليون دولار في 2020، وذلك وفق التقرير الصادر عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة لها، حيث ترجح هذه الأخيرة أنه وبدون تحقيق تقدم سريع في تطوير لقاح لهذا الوباء، فعالم ما بعد كورونا سيكون مختلفا إلى حد كبير.
وفي نفس السياق عبرت غيتا غوبينات Gita Gopinath المستشارة الاقتصادية ومديرة إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي، أن حجم الاغلاق الذي شهده العالم لاحتواء فيروس كورونا، ينذر بانهيار في النشاط الاقتصادي العالمي، مؤكدة على أن الاغلاق العظيم أسوأ تراجع منذ الكساد العظيم وأسوأ بكثير من الأزمة المالية العالمية، وفي تقرير لصندوف النقد الدولي بعنوان آفاق الاقتصاد العالميWorld Economic Outlook الصادر في أبريل 2020 فقد توقع أن يشهد الاقتصاد العالمي انكماش حاد بواقع 3% سنة 2020 وهو أسوأ بكثير مما ترتب على الأزمة المالية العالمية في 2008- 2009، وتضمن التقرير كذلك أن السياسات الفعالة أمر ضروري لمنع الوصول إلى نتائج أسوأ وأن النشاظ الاقتصادي بحسب التقرير المذكور، سيتأثر على المدى القصير بما يتخذ من إجراءات ضرورية للحد من العدوى وحماية الأرواح، أضف إلى ذلك أن التعاون المتعدد الأطراف مطلب ضروري للحد من آثار أزمة كورونا، بما في ذلك مساعدة الدول التي تفتقد إلى الموارد المالية لمواجهة الصدمات الصحية حسب مضامين التقرير المذكور.
وسبق للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش Antonio Guterres أن صرح بأن الركود الاقتصادي العالمي في ظل تفشي فيروس كورونا أصبح شبه مؤكد، ونضيف أيضا أن المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو Roberto Azevedo أكد أن أزمة كورونا قد قلبت الاقتصاد العالمي كليا ومعه التجارة الدولية، وحذر من أن الانخفاض الحتمي في التجارة والانتاج ستكون له عواقب أليمة على العائلات والأنشطة التجارية، علاوة على المعاناة الانسانية الناجمة عن هذا الوباء.
يتضح بأن كل المؤشرات تؤكد على تأثر الاقتصاد العالمي من هذه الجائحة، وقد ظهر هذا التأثر بشكل واضح وجلي على مناحي مختلفة من الحياة الاقتصادية لعدد من الدول، فالإجراءات المرتبطة بتوقيف الرحلات الجوية وإغلاق المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي، ترتب عنها تأثير كبير على الاقتصاد وأدت إلى تهاوي أسواق المال، مما أثار مخاوف من أن العالم قد اقترب من ركود اقتصادي، الناجم عن انخفاض النشاط الاقتصادي الذي ينتج عنه فشل في تحقيق الأرباح، وبالتالي تقليص عدد الموظفين مما يؤدي إلى نتيجة مباشرة تتعلق بارتفاع معدلات البطالة، وبطبيعة الحال هذا الوقع يترتب عنه انخفاض دخل الأفراد وانخفاض نفقاتهم.
إذن يمكن القول بأن فيروس كورونا أثار مخاوف كثيرة حول مستقبل الاقتصاد العالمي، جراء الإجراءات التي اتخذتها الحكومات لمنع تفشي هذا الفيروس المستجد، ولكن هذا التخوف من حدوث ركود اقتصادي يواكبه آمل في حدوث انتعاش اقتصادي سنة 2021، حيث وإن كانت الأرقام الاقتصادية قد أظهرت تأثير هذه الأزمة الوبائية على الاقتصاد العالمي خلال فترة الاغلاق الذي شهده العالم، إلا أن ما ستظهره النتائج والاحصائيات مستقبلا غير واضح ودقيق، فكل الاحتمالات تظل واردة بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، فالتنبؤ بناء على أرقام وإحصائيات يظل نسبيا وغير مطلق، فقد يكون للإجراءات التي تم اتخاذها بشأن العودة التدريجية للحياة الطبيعية خطوة إيجابية في تجنب الاقتصاد العالمي خسائر غير تلك المتوقعة في مختلف التقارير والأبحاث.
* باحث في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية المعاصرة جامعة سيدي محمد بن عبدالله فاس
تعليقات الزوار ( 0 )