Share
  • Link copied

النزعة الشعبوية بالمشهد السياسي بالمغرب

هاجم رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، خلال جلسة الأسئلة الشهرية الموجهة لرئيس الحكومة حول السياسة العامة بعض مكونات المعارضة بمجلس النواب، منتقدا ما وصفه بخطابها الشعبوي، الذي قال إنه “لا يصلح البلاد”، مؤكدًا ضرورة النظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، والافتخار بالإنجازات التي حققتها البلاد تحت قيادة الملك محمد السادس منذ توليه العرش.مضيفا خلال تعقيبه على مداخلات الفرق والمجموعات البرلمانية بمجلس النواب أنه يتفق مع القول: “لا تنمية بدون ديمقراطية”، لكنه شدد على أن من يوزع الدروس في هذا المجال عليه مراجعة خطابه، في إشارة إلى بعض فرق المعارضة.متسائلا  “هل هذا فعلاً خطاب سياسي يرقى إلى تطلعات مغرب اليوم؟ هل خطاب التشاؤم والتضليل هو الذي سيمنح الشباب الثقة والأمل في بلادهم؟ وهل من يدفع بالرأي العام نحو المجهول بخطاب شعبوي لا معنى له هو من سيصلح البلاد؟ ليؤكد على

ضرورة إجراء مراجعة عميقة للممارسة السياسية في المغرب، مشددًا على الحاجة إلى “ممارسة سياسية تعتمد سياسة القرب، وتفكر مع المواطنين في الحلول الفعلية”. وعلى الرغم مما يمكن أن يثيره هذا التدخل من جدل واختلاف حول مدى صدقيته  و أسباب صححته ،  فإنه مع ذلك يظهر أن النزعة الشعبوية قد تزايدت في المشهد السياسي بالمغرب  لتشمل مختلف مكوناته الحزبية والبرلمانية والمؤسساتية .

     -الشعبوية البرلمانية

ما زال المشهد السياسي بالمغرب  يعاني من تفشي النزعة الشعبوية التي لم تؤد  فقط إلى تفشي ميوعة الخطاب السياسي وتنابز بعض زعماء الأحزاب بالألقاب والنعوت القدحية  وتهجم بعض القيادات الحزبية على بعض المؤسسات الدستورية، بل شملت أيضا الممارسة البرلمانية . فبعدما دعا حزب العدالة والتنمية، على لسان رئيس مجموعته النيابية عبد الله بوانو إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، لجأت المعارضة البرلمانية إلى الانسحاب الجماعي من أشغال جلسة الأسئلة الشفهية لمجلس النواب، مساء يوم الإثنين8 يوليوز 2024 احتجاجا على رفض الحكومة التفاعل مع طلبات التحدث في موضوع طارئ وعام يتعلق بمستجدات امتحانات كليات الطب والصيدلة .إذ يبدو أن تحكم النزعة الشعبوية قد دفع  بالمعارضة البرلمانية  إلى الانسحاب من جلسة لمجلس النواب بدعوى عدم استجابة وزير لحضور جلسة مناقشة قضية إضراب الطلبة في لي صارخ لبنود النظام الداخلي للبرلمان مما جعل بعض نواب الأغلبية ينعت هذا التصرف بالمزايدة الشعبوية. مؤكدين بأنه لا وجود لآلية الانسحاب في النظام الداخلي لمجلس النواب.  فهذا النظام ينص على السؤال الكتابي والسؤال الشفهي ضمن الآليات الرقابية، بينما أخذ الكلمة يتطلب موافقة الحكومة. وعن استمرار انعقاد الجلسة في غياب فرق والمجموعة النيابية للمعارضة، تمت الإشارة إلى  أن أي رفع للجلسة فيه خرق للدستور والنظام الداخلي، وستكون حينها سابقة، نظرا لعدم توفر ما يدعو إلى رفع الجلسة.أما حضور الوزير أو غيابه فيبقى ضمن حقوقه المكفولة، لأن النظام الداخلي الذي يعطي البرلمان حق المساءلة هو نفسه الذي يخول الحكومة حق الرفض أو القبول.

وبالتالي ، فبالاضافة إلى هذه الممارسة الشعبوية داخل البرلمان ، فقد تجلت هذه النزعة الشعبوية  في الجدل الذي أثارته البرلمانية عن حزب “الاشتراكي الموحد” المعارض، ذي المرجعية الماركسية ، خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الأوقاف في لجنة الشؤون الخارجية، والذي تمحور حول دور الخطاب الديني في دعم القضية الفلسطينية، وتحديداً في مسألة الدعوة إلى الجهاد. حيث انتقدت النائبة منيب بشدة ما اعتبرته تقييداً لحرية الأئمة في الحديث عن القضية الفلسطينية، لا سيما فيما يتعلق بالدعوة إلى الجهاد، مؤكدة أن الخطباء الذين كانوا في السابق يدعون للجهاد في فلسطين، أصبحوا اليوم عاجزين عن تناول هذا الموضوع في خطبهم، مشيرة إلى أن هذا التراجع في الخطاب الديني يشكل خطراً على هوية الأمة الإسلامية. ومؤكدة أن المغرب يمتلك من العلماء وحفظة القرآن الكريم ما يكفي لتوجيه رسالة قوية لدعم فلسطين. ليعقب وزير الأوقاف أحمد التوفيق على هذا “التدخل الدعوي” بأن الجهاد لا ينبغي أن يكون موضوعًا للخطبة الدينية، مشيرًا إلى أن دعوة الأئمة إلى الجهاد قد تضر بالسياسة المغربية، خاصة في ظل الوضع الدولي الراهن. مضيفا أن الجهاد يتطلب شروطًا خاصة ويجب أن يكون من اختصاص القيادة السياسية، لا الأئمة. ليشدد على ضرورة أن يقتصر دور الأئمة على نشر المبادئ الأساسية للإسلام، مع استنكار الظلم والهمجية، دون التورط في مسائل سياسية.

من هنا يظهر أن رقابة البرلمان كممثل للشعب على أعمال الحكومة التي تعتبروظيفة أساسية لضمان التوازن الدستوري والسياسي وحماية حقوق المواطنين، قد تتحول إلى نوع من الخطاب الشعبوي الذي لا يحترم قبة البرلمان، ويستخف بالمنصب الدستوري لحاملي الصفة البرلمانية.

-الشعبوية الحزبية

  سبق للكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن لوح بملتمس الرقابة ليعقبه بعث الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية برسالة مفتوحة لرئيس الحكومة يسائله عن حصيلة حكومته في نصف ولايتها بعدما أسهب هذا الأخير في طرحها أمام أنظار الفرق النيابية تحت قبة البرلمان وتمت تغطيتها من طرف وسائل الاعلام الرسمية

-القيادة الاتحادية ونهج الاثارة الدستورية

     دعا المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في اجتماعه ليوم الثلاثاء 5 شتنبر 2023، إلى ضرورة إجراء تعديل حكومي يمكنه من الانضمام إلى حكومة أخنوش وهي في منتصف ولايتها بعدما طالب بالانضمام إليها وهي في بداية تشكلها .ليقوم في اجتماع مجلسه الوطني المنعقد في27 يناير2024 بالمطالبة بإسقاط  نفس الحكومة التي كان يرغب في الانضمام إليها من خلال التلويح بملتمس رقابة؟؟؟ !! .الشيء الذي يفضي إلى التساؤل عن الدواعي التي دفعت بقيادة هذا الحزب إلى نهج هذا التحول في الموقف السياسي من النقيض إلى النقيض . وبالتالي فتلويح قيادة الحزب بملتمس الرقابة لإحداث رجة داخل المشهد السياسي، يمكن تأويله من جهتين :

       -الأولى اعتبار هذا التلويح آخر محاولة تقوم بها القيادة الاتحادية للضغط على رئيس الحكومة لضم هذا الحزب إلى حكومته تفاديا لأي إزعاج سياسي  مقبل وذلك من خلال تعيين بعض قيادييه  في  بعض القطاعات الوزارية

       – الثانية اعتبار هذا التلويح بمثابة  شعرة معاوية التي قطعها الحزب مع الحكومة ، وإشارة سياسية على دخول  الحزب في تنافس انتخابي محموم في أفق الاستحقاقات القادمة التي  ستجرى بعد سنتين الشيء الذي قد يتماشى مع رغبة صانع الخرائط السياسية المقبلة التي تتطلب إيجاد بديل سياسي يمكن أن يؤثث المشهد السياسي المقبل

-القيادة التقدمية والبحث عن البوز السياسي

بالرغم من تدخل الفريق البرلماني لحزب التقدم والاشتراكية في شخص رئيسه ليسجل موقفه من الحصيلة التي قدمها رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان. واستخدام حقه الدستوري كاملا وباسهاب في تسجيل انتقاداته اللاذعة والقوية لحصيلة الحكومة في نصف ولايتها التي قدمها رئيس الحكومة ودافع عنها ، بعث المكتب السياسي للحزب برئاسة أمينه العام رسالة مفتوحة لنفس الرئيس الذي سبق أن قدم هذه الحصيلة أمام البرلمان  مبررا ذلك بتمادي الحكومة، “بإصرارٍ واستعلاءٍ، أثناء مناقشة هذه الحصيلة، في الادعاءِ بتحقيق كل انتظارات المغاربة، وفي اعتمادِ خطاب مفرط في التعبير عن الارتياح والرضى عن الذات، خطابٍ غابت عنه، بشكلٍ مُقلق، الموضوعيةُ، وافتقَدَ إلى التواضع والنقد الذاتي.” ليعدد أبرز عشرةٍ أسباب تبرهن بالدليل الملموس على فشل الحكومة في النصف الأول من الولاية التشريعية. مما يظهر بأن الغاية من هذه الرسالة هو خلق نوع من “البوز السياسي” ومحاولة التشويش على الحكومة وإحراجها أمام الرأي العام.

– قيادة حزب العدالة والتنمية واستدرار الثقة الشعبية

خلال الاجتماع العادي للجنة الوطنية لحزب  العدالة والتنمية مساء يوم أمس الأحد، 7 يوليوز  2024 ، وصف بنكيران، وزير التعليم العالي السابق الميراوي بالوزير “المشغول بالشيخات” “الذي يريد أن يدخل الشيخات إلى الجامعات”.  في حين وصف وزير العدل عبد اللطيف وهبي بالصكع مضيفا هذا النعت إلى قاموسه السياسي الحافل بمصطلحات العفاريت والتماسيح .كما استغل تصريح وزير الأوقاف تحت قبة البرلمان حول العلمانية ، ليؤكد بأن المغرب لم يكن أبدا دولة علمانية، و أن المغاربة عبر العصور تمسكوا بقيمهم الدينية، مسجلا أن الدولة المغربية، كانت ولا تزال تحتفظ بتقاليدها الدينية التي أسس لها الأسلاف، ومنهم السلطان محمد بن عبد الله الذي كان له دور محوري في تعزيز التعليم الديني في البلاد . مما اضطر وزير الأوقاف للرد على هذه الانتقادات برسالة علنية جعلت بن كيران يقدم اعتذارا للوزير معتبرا بأنه ليس هو المقصود بذلك .

وعلى نفس المنوال الشعبوي ، دعا عبد الله  بوانو في الاجتماع الأسبوعي للمجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية المنعقد يوم الاثنين 08 يوليوز 2024، ” لانتخابات سابقة لأوانها” مبررا ذلك بما يلي :

         -ممارسة ديمقراطية، تعلي من قيمة المواطنين، ومن أهمية ثقتهم في الأحزاب والحياة السياسية”.

         – الرفع من قيمة ثقة الشعب، التي جعلت بريطانيا وفرنسا، تعرفان انتخابات برلمانية مبكرة، خلال الأيام الماضية” معتبرا أن “قيمة ثقة الشعب هي التي جعلت بريطانيا وفرنسا، تعرفان انتخابات برلمانية مبكرة، خلال الأيام الماضية، مبرزا أن حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا، رجع إلى الشعب بعدما فقد ثقته في الانتخابات المحلية، وكذا حزب الرئيس ماكرون في فرنسا، رجع إلى الشعب بعدما مني بهزيمة في انتخابات برلمان أوروبا، ولم يجدا أي حرج في العودة للشعب”.

         – فقدان حكومة أخنوش ل”ثقة المواطنين”نظرا لانها”ارتكبت أخطاء كبيرة، نتج عنها أزمات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، في جميع القطاعات”، “.فالحكومة الحالية، في نظره تسيّر الشأن العام الوطني بدون ثقة المواطنين، وارتكبت أخطاء كبيرة، نتج عنها أزمات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، في جميع القطاعات”إذ “لم يخلُ أي قطاع من الاحتجاجات والاضرابات، ولم تقم بأي إجراءات ناجعة خاصة في مجال دعم القدرة الشرائية التي انهارت بسبب ارتفاع التضخم، بالإضافة إلى تفاقم مؤشرات الفساد وتضارب المصالح، وتزايد نسبة البطالة، وتراجع المؤشرات الاقتصادية، خلال النصف الأول من ولايتها”.

وعلى الرغم من  محاولة بوانوا أن ينفي  عن هذه الدعوة  أي طابع سياسي، حيث أشار بأنه لا يحكمها أي منطق حزبي، أو محاولة لإرباك الحكومة، فهي تعتبر بالإضافة إلى كونها تكرارا ، لدعوة سبق للأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن وجهها للملك محمد السادس في فبراير 2022 ل”تنظيم انتخابات مبكرة كما حدث في عام 2011″ ، دعوة شعبوية بالأساس مادام أنها لا تعتمد على أية مقاربة سياسية تأخذ بعين الاعتبار شروط الظرفية السياسية التي تتميز لحد الآن بانسجام الأغلبية الحكومية ومواصلتها العمل بتوافق على إنجاز وعودها الانتخابية ومضامين برنامجها الحكومي. في الوقت الذي ما زال فيه الحزب الذي تصدر الانتخابات لولايتين لم يتعافى من نكسته الانتخابية ومازال لا يتوفر حتى على فريق برلماني عادي .

  3-النزعة الشعبوية وانتهاك المؤسسات الدستورية بالمغرب    

    يعاني المشهد السياسي بالمغرب من تطور النزعة الشعبوية التي لا تقتصر على تفشي ميوعة الخطاب السياسي وتنابز بعض زعماء الأحزاب بالألقاب والنعوت القدحية ، بل تعداه إلى تهجم بعض القيادات الحزبية على بعض المؤسسات الدستورية . إذ لم يتورع بعض رؤساء أحزاب وطنية كبرى في مهاجمة مؤسسات دستورية ،تمثلت في انتقاد عبد الإلاه بن كيران  لمقترحات المجلس الوطني لحقوق الانسان بشأن تعديل مدونة الأسرة ، ومهاجمة الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر لتقرير المجلس الأعلى للحسابات

             *مهاجمة بن كيران للمجلس الوطني لحقوق الانسان

   في إطار إصلاح اختلالات مدونة الأسرة وفي إطار النقاش السياسي الدائر حول مدونة تعديل مدونة الأسرة التي عينت لها لجنة من طرف الملك لاستقبال مقترحات كافة الفرقاء السياسيين ومختلف الفعاليات الاجتماعية ، هاجم بنكيران خلال الجلسة الافتتاحية للدورة العادية للمجلس الوطني لحزبه، بمدينة بوزنيقة في 13 يناير 2024 رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان أمينة بوعياش، ووصف مذكرة المجلس بـ”المارقة” التي ” لم تراع المرجعية الإسلامية للأمة ولا التأطير الملكي ولا التأطير الدستوري ولا مصلحة الأسرة” وتابع أن “بوعياش ومن ينتمي لتيارها، الداعين إلى المساواة الميكانيكية بين الرجل والمرأة”، انطلقوا مهزومين بعدما نظموا لقاء في مدينة الدار البيضاء للحديث عن المساواة في الإرث فلم يحضره أحد”. مطالبا رئيسة المجلس  إلى مراجعة مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قائلا إن ما تضمنته ” لا يهدد الأسرة فقط بل المجتمع”. وردا على هذا التهجم الشعبوي . اعتبر المصطفى المريزق الفاعل الحقوقي وعضو المجلس الوطني لحقوق الإنسان تصريحات عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ومهاجمته للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيسته آمنة بوعياش، بسبب المذكرة المقدمة حول تعديل مدونة الأسرة تشويشا على عمل الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، رافضا “ابتزاز الدولة باسم الدعوة الدينية”، مؤكدا أنه لا يمكن نعت مذكرة المجلس بعدم الانضباط إلى المرجعية الإسلامية، لأن الملك محمد السادس هو الفيصل الذي سترجع له كلمة الفصل، باعتباره أمير المؤمنين. وبالتالي فتصريحات “زعيم البيجيدي” تحريض على العصيان، منتقدا مهاجمة المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمس بمصداقية المؤسسة، وتشويه وتبخيس للدولة المغربية ولمكانتها الحقوقية، خاصة وأنها ترأس المجلس الأممي لحقوق الإنسان.

*مهاجمة ادريس لشكر لتقرير المجلس الأعلى للحسابات

    طبقا للاختصاصات المخولة للمجلس الأعلى للحسابات دستوريا في افتحاص مالية المؤسسات العمومية  سنويا ، قدم هذا الأخير تقريرا مطولا ومفصلا عن الحسابات المالية التي قامت بها جميع الاحزاب السياسية خلال سنة 2022، تضمن ملاحظات ومؤاخذات بالجملة في حق أغلب الأحزاب السياسية المُتصدرة للمراتب الأولى في الانتخابات التشريعية الأخيرة، أبرزها عدم إرجاع مبالغ دعم لم تُستعمل لخزينة الدولة، وعدم تبرير صرف الدعم العمومي بالوثائق القانونية اللازمة، وتشغيل مستخدمين بمقرات وإدارة الأحزاب دون عقود عمل، وعدم احترام المساطر المنصوص عليها في القيام بدراسات وأبحاث حزبية ممولة من المال العام. وبهذا الصدد كشف التقرير أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد تعاقد مع مكتب دراسات، بمبلغ 1.83 مليون درهم، لإنجاز 23 دراسة في المجال الاقتصادي والإصلاح الجبائي، والمقاولات الصغرى والمتوسطة ، وقطاع النقل واللوجستيك والقطاعات المنتجة ونجاعة الاقتصاد الوطني والاجتماعي والمؤسساتي والبيئي. غير أن الحزب، يقول التقرير، اقتصر على الإدلاء بـ21 وثيقة عبارة عن عروض أو مذكرات موجزة تتضمن معلومات واقتراحات عامة متوفرة للعموم، لا تستند إلى منهجية علمية واضحة، كما هو معهود عند إنجاز الدراسات.وقد دفعت هذه الملاحظات إلى شن الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، لهجوم عنيف على المجلس الأعلى للحسابات، حيث حذر في كلمة  ألقاها خلال المؤتمر الإقليمي لحزبه بسيدي البرنوصي- سيدي مومن بالدار البيضاء المنعقد يوم الأحد 3 مارس 2024، من أن تتحول هيئات الحكامة إلى هيئات للتحكم، واصفا ما ورد في تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول حزبه بأنه “محاولة للاصطياد في الماء العكر”.منبها بأن أي “محاولة للاصطياد في الماء العكر نجيب عنها بأننا في دولة القانون والمؤسسات: لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.. والقانون فوق الجميع، يرتب وسائل المتابعة والاتهام”. ودون اعتبار لأي حرمة سياسية للمجلس أو أخذ بأدنى اعتبار لمكانة المجلس الدستورية ، خاطب المجلس الأعلى للحسابات قائلا: أن “الميزانية التي تعطى للأحزاب مجتمعة لا ترقى إلى ميزانية المجلس الأعلى للحسابات، وأن ميزانية هيئات الحكامة كلها دون استثناء تتجاوز بأضعاف ميزانية الأحزاب السياسية، ومع ذلك لا تقدم تقارير حولها ودراسات”. محذرا من “إلهاء الرأي العام عن قضاياه الحقيقية بخلق هذا العبث” منتقدا ما اعتبره تبخيسا للأحزاب، “إذا أردتم التبخيس يصل لهذا المستوى أعلنوا أن البلاد يمكن أن تسير بلا ديمقراطية”معتبرا أن “التقارير المنشورة حول التخليق في الآونة الأخيرة، اصطياد في الماء العكر” محذرا من تحول ”هيئات الحكامة لهيئات للتحكم”. وقد بلغ تهجم لشكر إلى حد التشكيك في طريقة عمل قضاة المجلس ومؤاخذات مجلس زينب العدوي كون الدراسات التي قام بها “الاتحاد من المال العام تفتقد لمناهج وأدبيات البحث العلمي، حيث تساءل لشكر في هذا الصدد عن “الجهة التي أوكل لها البحث في علمية الدراسات من عدمها؟ وكيف توصلت بأنها غير علمية؟”.

من هنا ، يلاحظ أن النزعة الشعبوية قد تكرست داخل المشهد السياسي بالمغرب  حيث انعكست من خلال التهجمات الشعبوية الصادرة عن بعض القيادات الحزبية كبن كيران ولشكر… والتي أصبحت لا تقتصر فقط على تمييع الخطاب السياسي والتنابز الشخصي بين القيادات الحزبية  وإطلاق نعوت غير لائقة على وزراء  كالوزير الصكع  أو وزير الشيخات…  ، بل تعدت ذلك إلى التشكيك في عمل مجالس دستورية لها حرمتها السياسية ووضعها الاعتباري ، من خلال استخدام  هذه القيادات لعبارات تخلو من اللباقة السياسية ، وتفتقد إلى أدبيات التوقير السياسي التي ينبغي أن تتمتع بها هذه المؤسسات الدستورية ، حيث تم المس بشخص رؤسائها ، وهن للمصادفة سيدتان لهما تجربة طويلة في مجال اشتغالهما وتخصصهما ، و التهجم على تقاريرها  في ملتقيات حزبية تصيدا لعنتريات سياسية وبحثا عن تموقعات شخصية في الوقت الذي كان يجب أن يتم ذلك من خلال تعامل مؤسساتي يتم فيه إرسال ملاحظات كلا الحزبين للمجلسين للنظر بشكل يتوافق مع قواعد صرح مؤسساتي طموح ضمن ملكية دستورية واجتماعية تقوم على التعدد والاختلاف.

Share
  • Link copied
المقال التالي