Share
  • Link copied

الممثل المغربي بين سلطة الرأسمال ومزالق الاشهار 

عبر المشاهدون المغاربة  من جديد ، وعلى غرار السنوات السابقة ،عن استيائهم وامتعاضهم من الطبق الفكاهي الرمضاني الذي عرض في هذا العام  وبالأخص النسخة الثانية من مسلسل أولاد يزة الذي عكس كل مظاهر التهريج الفني والاستخفاف بالمشاهد المغربي من خلال إظهار وجه عجوز بدون تجاعيد، الشيء الذي جعلهم يشعرون  بأن كل احتجاجاتهم وسخطهم لا تلاقي أية استجابة من طرف المسؤولين عن الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بقناتيها الأولى والثانية . فقد أصبحت الضغوط التي تمارسها شركات الإشهار لفرض بعض الوجوه الفكاهية هي التي تتحكم في البرمجة الرمضانية مما جعل رأي المشاهد المغربي لا يؤخذ بعين الاعتبار رغم أن هو الذي يدفع شهريا ضريبة تمويل هاتين القناتين . فالآلة الإشهارية أصبحت أقوى من كل الاحتجاجات الشعبية والآراءالفردية خاصة بعدما دجنت الفنان المغربي سواء كان مطربا أو منشطا أو ممثلا  لكي يصبح أداة طيعة لتسويق منتجاتها والإعلان عن سلعها.

سلطة الرأسمال 

       لقد خضع المغرب كغيره من البلدان العربية  والافريقية ، وقبلها الاوربية والأمريكية والآسيوية لاكتساح المنطق التجاري في مختلف مكونات تركيبته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . حيث تجلى ذلك بالخصوص من خلال اكتساح الإعلانات الإشهارية لمختلف المجالات العمومية من شوارع وساحات عمومية ومرافق خدماتية كالمطارات و محطات القطار ، و الحافلات ،  وعربات الترمواي وسيارات الأجرة  بالإضافة إلى أماكن الترفيه من مقاهي وفوق أسطح العمارات والأبراج . ولم يقتصر الأمر على الفضاءات العمومية ، بل تسربت الإعلانات الإشهارية إلى البيوت الخاصة عبر القنوات التلفزية والإذاعية ، حيث أصبحت الإعلانات الإشهارية تتخلل معظم البرامج الإذاعية كيفما كانت اجتماعية أو تربوية أو ترفيهية أو طبية أو علمية في حين أصبح المشاهد المغربي يواجه يوميا  عشرات الوصلات الإشهارية التي تصاحب كل البرامج والأشرطة السينمائية والمسلسلات التلفزيونية. فباستثناء الخطب الملكية ونشرات الأخبار ، فكل هذه البرامج و الأفلام التي تقدم للمشاهد أصبح من المألوف توقيفها وتقطيعها بوصلات إشهارية متواصلة لماركات تجارية ومنتوجات استهلاكية ومشروبات غازية أو مساحيق و مطهرات تنظيفية أو أسرة للنوم والراحة أو شفرات للحلاقة ….مما جعل البيوت الخاصة تتحول إلى أسواق ومحلات لعرض هذه المنتجات  ولعل مما فاقم هذه الوضعية هو توظيف الفنان بمختلف أطيافه في مثل هذه الوصلات الاشهارية  والكبسولات الاعلانية.

حصانة الالتزام  

  شهدت فترة الستينيات من القرن 20 بداية ولوج التلفاز إلى بعض البيوت المغربية  و تأسيس ما سمي بالمصلحة المستقلة للإشهار التي كلفت ببث العديد من الإعلانات والوصلات  الإشهارية للكثير من المنتجات والسلع الاستهلاكية كبعض المشتقات الحليبية مثل دانون والمشروبات الغازية ككروش وبيبسي وملينات الشعر مثل شامبوان وفلبي فلاب .. . لكن هذه الإعلانات لم تكن تتعدى مجالا محدودا ، ولم تكن توقف أو تقطع برامج أو أشرطة في حين كان الممثل المغربي يتحرج كثيرا في الظهور في مثل هذه الإعلانات رغم ظروفه المادية الصعبة  وحتى عندما كانت تضطره هذه الظروف  ، فقد كان يشارك بصوته فقط في مثل هذه الإعلانات الإشهارية بل كثيرا ما كان يتحايل على تغيير صوته  حتى لا يتم التعرف عليه حيث أن الكل يتذكر كيف كان الممثل صلاح الدين بنموسى يغير من صوته في إعلان إشهاري للبنك الشعبي.. فقد كان الممثل المغربي الذي ولج هذه المهنة عن قناعات سياسية وإيديولوجية خاصة ، وكذا عن اقتناعه بأن التمثيل هو فن نبيل ينبغي أن يعبر عن أحاسيس ومشاعر وأوضاع اجتماعية وليس أداة للتسويق الإعلاني والإشهاري  ، قليلا ما  كان يشارك في أداء الإعلانات الإشهارية خاصة في ستنييات وسبعينيات القرن الماضي . لكن في بداية الثمانيات  من القرن الماضي ،والتي شكلت عقد تغيير الكثير من سلوكيات وقناعات الفئات الاجتماعية بما فيها الطبقات الوسطى بالمغرب بسبب التقويم الهيكلي و سياسة الإفقار والتقشف ، بدأ الممثل المغربي يتخلى عن بعض تحفظه فيما يتعلق بالمشاركة في أداء الإعلانات الإشهارية ، حيث بدأ المشاهد المغربي يتابع وصلات إشهارية تؤدى من طرف ممثلين وممثلات مغاربة كان لا يراهم إلا في المسلسلات و الأشرطة المقدمة من طرف التلفزيون أو في العروض المسرحية التي كانت تؤدى على خشبات المسرح البلدي بالدارالبيضاء ، قبل أن يتم هدمه ، أو المسرح الوطني بالرباط أو المسرح البلدي بالجديدة  ، أو في قاعات العرض العمومية . وهكذا تتبع الوصلة الإشهارية التي كان يظهر فيها كل من الممثلين محمد مفتاح وثريا جبران وهما يشاركان في إعلان إشهاري للتعريف بنوع من البوطاكاز ، كما كانت هناك وصلة إشهارية شوهد فيها الممثل الراحل محمد بلقاس وهو يعلن عن نوع من الغاسول ، ليتتابع الممثلون من هذا الجيل  لتقديم مختلف الوصلات الإشهارية ، ويعبدوا الطريق أمام الجيل الجديد من الممثلين الشباب المتخرج من المعهد العالي للتنشيط المسرحي بالرباط ، أو الذي تكون ضمن بعض الفرق الجهوية . وهكذا شوهد كل من رشيد الوالي ، و فاطمة خير ، و منى فتو ، وباقي الممثلين الأقل نجومية وهم يدمنون على أداء وصلات إشهارية لمختلف المنتوجات الاستهلاكية  ، في حين شوهد مثل الممثل محمد الجم وهو يؤدي مجموعة من الوصلات الإشهارية خاصة بتسويق بعض الماركات الهاتفية . ولعل سبب إقبال هؤلاء الممثلين على تقديم الوصلات الإشهارية هو ظهور عدة شركات للإشهار أكثر تنظيما تتنافس على التحكم في هذا القطاع ، وصرف مبالغ مالية على مثل هذه الإعلانات الإشهارية ، بما في ذلك استقدام ممثلين أكثر نجومية وشعبية لتمرير إشهاراتها و دفع أجور مغرية لاستقطابهم . كما أن تغلغل شركات متعددة الجنسيات ضمن النسيج الاقتصادي المغربي مثل كوكا كولا ، وتايد، وماكدونالد… والتي تخصص مبالغ مالية كبيرة في استراتيجية تسويق منتجاتها ، و لجوء بعض شركات الهاتف ، كميديتل  واتصالات المغرب وباين ، إلى الوصلات والإعلانات الإشهارية   لتحقيق أكبر الأرباح في هذا القطاع  ، والتنافس الحاد بين الأبناك  لاستقطاب أكبر عدد من الزبائن ، ، والتنافس بين المتاجر الكبرى كمرجان على التعريف بسلعهم ومنتجاتهم واستقطاب المستهلكين من خلال تخفيضاتهم الإشهارية إلى جانب والتنافس بين القنوات التلفزية والإذاعية وحتى الصحف والمجلات للاستئثار بأكبر المداخيل والعائدات التي يحققها الإشهار، حيث درجت بعض القنوات على تقديم برامج ترفيهية تتحكم فيها الوصلات الإشهارية للمستشهرين …كل ذلك أدى إلى الإقبال على طلب خدمات الممثلين والممثلات والمطربين والمطربات بمختلف أطيافهم لإنجاح الوصلات  الإشهارية التي يتم تقديمها . فشركات الإشهار عادة ما تحاول توظيف شهرة بعض الممثلين والإقبال الجماهيري الذي حققوه من خلال بعض الأعمال المسرحية أو السينمائية والتلفزية التي شاركوا فيها للمناداة عليهم قصد العمل كنقط جذب تشد المشاهدين لوصلاتها الإشهارية ، مستغلة في ذلك حاجة الممثلين للمال وحبهم في الظهور لتعزيز تواجدهم وترسيخ شهرتهم .

لكن إلى جانب كل هذه الأسباب وغيرها ، فإن أهم عامل يدفع بالممثل المغربي إلى الاشتغال في مثل هذه الأعمال ، هو الفكرة التي ترسخت لدى العديد من الممثلين ، خاصة الشباب منهم ، هو أن الممثل ينبغي أن يمثل في كل شيء بدون أي تحفظات ، فهو يشبه في هذا ممثل الشركات التجارية الذي ينحصر همه في الاشتغال وتحقيق أعلى عمولة . كما أن ما رسخ هذه الفكرة لدى الفنان  المغربي  بما فيهم الممثلين والممثلات هو قلة الأعمال الفنية وفرص الاشتغال فيها ، مما يجعله يقبل على المشاركة في أي عمل مؤدى عنه سواء كان عملا سينمائيا أو إشهاريا . ولعل مشاركة بعض الممثلين في أعمال سينمائية أجنبية ، وبأدوار ثانوية ، لتؤكد بجلاء هذا التوجه الفكري لدى الممثل الذي يرى أن احتراف هذه المهنة تفرض التمثيل بدون إثارة كثرة الأسئلة ، أو البحث عن التمييز بين طبيعة أي عمل . فالمهم هو الاشتغال وقبض الثمن .لكن ما يتناساه الممثل  هو أن طبيعة المهنة التي يزاولها تفرض عليه قبل احترافها استيعاب أن التمثيل كفن يفرض عليه الالتزام  بنبل هذه المهنة وخصوصيتها ، فالممثل كالمثقف له التزامات اتجاه مهنته واتجاه جمهوره واتجاه الرسالة والدور الذي يريد أن يؤديه . وأكثر من هذا وذااك ، فالممثل ينبغي أن يعي أن مشاركته في مثل هذه الإعلانات الإشهارية تكرس نمطا استهلاكيا يقوم بالأساس على تشييء الإنسان سواء كان طفلا أو امرأة أو رجلا لتسويق منتوجات تجارية ، حيث يستخدم الممثل بحمولته الفكرية ورصيده الفني وشعبيته الجماهيرية كأداة في التسويق التجاري واختزاله في مجرد وسيلة إعلانية تسوق نوعا من المشروب أو مادة  مطهرة أو أي منتوج استهلاكي آخر للتأثير على رغبة المشاهد لتفضيل منتوج على آخر مستغلا في ذلك الثقة التي يكنها هذا المشاهد لممثليه المفضلين وتجاوبه النفسي معهم .

           وبالتالي ، فينبغي  لأي فنان سواء كان مطربا وخاصة إذا كان ممثلا أراد الإقدام على المشاركة في أي عمل إشهاري أن يتمحص طبيعة أي إشهار وطبيعة الدور الذي يقوم به . فأي منتوج يتم الإعلان عنه يكون قابلا للاستهلاك الفوري ، لكن باستهلاك هذا المنتوج يتم اهتلاك جزء من رصيد الممثل الذي شارك في الترويج لهذا المنتوج من هذا الرصيد الفني الذي كونه من عرق الوقوف الطويل فوق الخشبة وأمام الكاميرا ، والسهر على حفظ الأدوار وتقمص الشخصيات ، والمعاناة النفسية الشاقة في تركيز المشاعر والأحاسيس التي هي القوة التي يتميز ويختص بها أي ممثل موهوب . وبالتالي ، فهل يحق لأي ممثل أن يضحي بكل هذا لقاء المشاركة في الترويج لمنتوج استهلاكي عابر يجبره على أداء أدوار جاهزة  لا تتطلب إلا ابتسامات بلهاء وحركات بهلوانية بدون معنى لتمرير بعض الوصلات الإشهارية التي تدور بها الطاحونة الرأسمالية التي تطحن كل شيء في طريقها بما في ذلك الجانب الفني بحرارته الإنسانية الدافقة .

 لكن هذا بالطبع ، لا يمنع الممثل من المشاركة في إشهارات ذات أبعاد تربوية   وتحسيسية  هادفة مثل تلك التي تحذر من حوادث السير ، أو حملات التبرع بالدم ، أو تكريس روح المواطنة … و الحصول على مقابل مادي على أداء مثل هذه الوصلات الإشهارية التحسيسية ، بل إن ذلك سيزيد من تحصين رصيده الفني وتكريس دوره في تطوير المجتمع المدني و المساهمة في تكوين المجتمع العصري والحداثي الذي يكرس الحقوق الإنسانية بعيدا عن أي استيلاب فكري أو تشيئ مادي .  بالإضافة إلى ذلك فقد آن الأوان لتتحرك الجمعيات الحقوقية بمختلف أشكالها بما فيها الجمعيات التي تتولى الدفاع عن المرأة بالمطالبة بضرورة احترام خصوية الاسر المغربية التي كفلها لها الدستور وعلى رأسها حرمة المسكن والتي تقتحمها شركات الاشهار بتواطوء مع القنوات التلفزية لتفرض إشهاراتها لمنتجات استهلاكية وتختطف من المشاهد لحظات من استمتاعه إما بمشاهدة شريط سينمائي  أو مسلسل  تلفزيوني أو متابعة مباراة في كرة القدم …ومن الذي يمنحها هذه السلطة لانتهاك حق من الحقوق الأساسية  التي أكدت عليها  كل دساتير المغرب بما فيها دستور فاتح يوليوز 2011  الذي نص على أن ” لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة. لا تنتهك حرمة المنزل. ولا يمكن القيام بأي تفتيش إلا وفق الشروط والإجراءات، التي ينص عليها القانون. ” 

Share
  • Link copied
المقال التالي