Share
  • Link copied

المعالم الكبرى للتوجه الأمريكي الحالي في سياسته الخارجية

عرف العالم تغييرات كبيرة على المستوى السياسي, اذ يلاحظ بروز عدة قضايا في الساحة الاعلامية و ملفات أخرى جديدو  وضعت على طاولة المفاوضات. كل هذه الأحداث و الملفات دفعت القوى الكبرى للقيام بمراجعات في سياساتها الخارجية بغية الحفاظ على المراكز الأولى اقتصاديا و بغية ابقاء الهيمنة السياسية و الحفاظ مناطق النفوذ دون المساس بالوضع الاجتماعي الداخلي للبلدان.

الادارة الامريكية بدورها عرفت تقييما و تقويما يراعي التغييرات الحالية التي فرضت نفسها في الساحة الدولية, حيث قام ترامب بعدة خطوات اعتبرها البعض بالتغييرات الجذرية في نهج جديد للسياسة الأمريكية على المستوى الخارجي.

يمكن القول بأن هناك عدة معالم في النهج الجديد تحت قيادة الادارة الحالية حيث يمكن وضع ثلاث منها على رأس القائمة :

  • الحرب بالوكالة

يعتبر التوجه الذي ذهب اليه أحد التيارات المتواجدة في صفوف الادارة الامريكية خلال عهد جورج بوش الابن و الذي كان مؤيد لاستخدام القوة والأداة العسكرية من أجل تحقيق المصالح الأمريكية كأحد أهم الوسائل في فرض الهيمنة و التعامل الخارجي الأمريكي (1).

لكن مع تغيير في السياسات و تقييم ذاتي و موضوعي لهذا الخيار بدى جليا أن تكلفة الحرب العسكرية قد لا تستطيع الولايات المتحدة الامريكية تحمل تبعاتها خصوصا الحروب المفتوحة منها و التي يصعب التنبؤ بوقت نهايتها و تكلفتها. و من جهة أخرى تعتبر الحروب التي خاضتها الادارة الامريكية بمعية حلفائها ليست ناجحة بالشكل الذي كان مخطط له اذ يعتبر انسحاب بعض الدول من الحروب الأمريكية نتيجة لتغيير في المواقف السياسية للبلد أو حدوث أزمة اقتصادية لتلك البلدان اشكالا حقيقيا في من يعوض و يتحمل تبعات هذه المواقف.

فالحرب العسكرية لم تعد الأن خيار واردا و مطروحا و بالتالي كان لابد من البحث عن بديل يضمن بقاء النفوذ بالمنطقة و يحافظ على الهيمنة و المصالح.  و منه, تعتبر الحرب بالوكالة هي الأسلوب الأنسب الذي يضمن عدم تحمل تبعات و خسائر كبيرة.

فاستغلال الخلل البنيوي الذي طال دول الخليج بتكريس الانقسام و تكوين تكتل يعطي للولايات المتحدة الأمريكية صلاحية توجيه هذا التكتل في الاتجاه الذي يخدم أهدافها بالشرق الأوسط و بعض المناطق المجاورة, اذ يعتبر تزكية و رضى الادارة الامريكية لهذه الأنظمة أهم مطلب لهذه الدول خصوصا الغير ديمقراطية منها و التي تعاني من هشاشة في البنية السياسية و المؤسساتية(2) . توجيه هذه الدول لم يقتصر فقط على المستوى السياسي و الديبلوماسي بل تجاوزه الى توجيه هذه الدول لكي تخوض معارك تخدم بنهاية المطاف المصالح الأمريكية.

  • تبادل الأدوار

تعرف منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا عدة أحداث ووقائع تطور العديد منها الى صراعات سياسية و أخرى الى حروب عسكرية مما أدى الى تدخل أجنبي من طرف الدول الطامعة في توسيع دائرة النفوذ و  وأخرى للدفاع عن مصالحها و أيضا تدخل الدول الحليفة قصد ابقاء النظام السياسي القائم باعتباره حليف في المنطقة. هذه الصراعات نتج عنها وجود تكتلات و اختلاف في المواقف بين مؤيد ومعارض, مما يترتب عنه تداعيات على المستوى الديبلوماسي و الاقتصادي لهذه الدول. و بالتالي فمن المجازفة الخطيرة جدا أن تنتمي ادارة ترامب الى أي تكتل لأن هذا سيجعلها تتبنى مواقف قد لا تضمن نتيجتها النهائية, و بالمقابل سيعطي الضوء الأخضر للدول المعارضة لأمريكا من الدخول على الخط و تبني الخيار المعارض للولايات الأمريكية مما سيفتح الباب لكل التخمينات و قد تكون حرب الاستنزاف لحلفاء أمريكا أحد الخيارات المتاحة. و بالتالي كان لابد على أمريكا أن تقوم بتبادل الأدوار و كسب جميع أطراف الصراع للتحكم في كل مجريات الأحداث و توجيهها وفق النهج التكتيكي الذي تريده. و استغلت في هذا الموضوع الصراع الاقليمي بين الدول العربية الذي لم تتدخل لحله لأنها تعلم أن هذا الصراع يخدم مصالحها و بالضبط يسهل لها لعب أي دور حسب ما تمليه الضرورة. كما تعتبر ملفات الفساد و الجرائم الأخلاقية لبعض القادة العرب نقطة ضعف كبيرة تلعب أمريكا على هذا الوتر الحساس قصد توجيه القرار السياسي في تلك الدول. كل هذه الأمور و غيرها ستفتح الباب و تسهله لأمريكا لكي تكون هي المتحكم الخفي في عدة قرارات و بالتالي سيعطيها  و يمكنها من التحكم في كل المتصارعين في المنطقة, و بالتالي تصبح هي المتحكم في اللعبة. 

  • العقوبات الاقتصادية

تمثل المادتان 39 و41 من ميثاق الأمم المتحدة الإطار القانوني الذي تستند إليه الأمم المتحدة ومجلس الأمن تحديداً في فرض عقوبات اقتصادية على دول معينة (3) . اذ تعطي هذه المادتان الحق في وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية.

ان نهج سياسة العقوبات الاقتصادية لا يمكن أن يحدث تأثيرا على البلد المستهدف الا في حالة ما كان لديه خلل على مستوى العلاقات الديبلوماسية و الحلفاء, فاذا كان الهدف من هذه العقوبات اضعاف الاقتصاد الداخلي فلابد من وجود حلفاء و علاقات واسعة وقوية لتخفيف الأزمة ناهيك عن وجود بدائل اقتصادية داخلية.

وقد برز هذا التوجه مع ادارة ترامب حيث تعتبر العقوبات التي طالت كل من ايران و تركيا و الصين وكوريا الشمالية من أهم الأحداث السياسية في المنطقة, و التي كان الغرض منها اعاقة تلك القوى من بسط نفوذها وهيمنتها في الشرق الأوسط و بالتالي تهديد مصالح الادارة الامريكية بالمنطقة(4) .

ويعتبر العديد من المحللين أن سياسة العقوبات الأمريكية هي أحد الأدوات التي أضعفت العديد من الدول و دفعت بعض منها لتقديم تنازلات. حيث يرى ستيفن منوتشين وزير الخزانة الأمريكي أنها البديل المناسب عن الدخول في أي حرب عسكرية (5). اذ تبقى أهم الأهداف التي تسعى لها الادارة الامريكية من خلال فرض هذه العقوبات هي ضرب القدرة الانتاجية لتلك الدول.

ان التغيير الذي حصل على مستوى الديبلوماسي و نهج ادارة ترامب التوجه الحالي سيكون له تداعيات ايجابية على المستوى الحالي للبلد حيث سيجنبه اهدار أموال طائلة في الحروب مما سينعش القطاعات الحيوية للبلد. أما على المستوى المستقبلي فقد يكون هذا الخيار مجازفة كبيرة من طرف الادارة خصوص يبقى اشكالية تعامل الادارة المستقبلية مع هذا التحول الجذري. لكن بالمقابل يبقى ضعف القوة السياسية للخصوم هو الضامن الوحيد لنجاح هذا التوجه الحالي.

المصادر :

1- لورنس فريدمان، التروه في الشئون الاسترانيجية، مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 2008 ، ص 32.
2 – الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بين الثابت والمتغير في عهد ترامب – د. خالد هاشم محمد

3- الفصل السابع, ميثاق الأمم المتحدة.

4 – الإستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط )مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر( – حارث قحطان عبدا لله

– 5  وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوتشين، في تصريحات لقناة “CNBC” الأمريكية

Share
  • Link copied
المقال التالي