التجوّل في أزقتهاَ يخلط مشاعرَ الحاضرِ بالماضي، يسافر بالعقل إلى قرون خلت، يرى دولاً قد مرت، وأجيالاً غادرت وتركت آثراهاَ، المدن المغربية العتيقة، من بينهاَ تطاوينُ، مراكشُ وفاس، هي حواضرٌ لم تغيّب عصرنتها تاريخها العريق.
أزقة ضيقةٌ، بيضاءُ وزرقاءٌ ألوانها، من طينٍ بنيتْ جدرانهاً، تشعُرُ وأنت بين حيطانهاَ، أنك في الماضي.. في القرون الوسطى روحك، وجسدك في “الحادي والعشرينَ”، هي المدينة العتيقة لتطاوين، حمامةُ الشمال المغربيّ، التي تجذب آلاف السياح سنوياً.
رغم أن تطوان قد اتسعت مساحتها، وزاد عمرانهاَ، وتضاعف سكانها، ولم تعد تشكل مدينتها العتيقة، سوى جزء يسير وصغير من حجمها، إلا أن الأخيرة، ما تزالُ، تحتفظ بمؤهلاتها، فهي تكادُ تكونُ مستقلةً عما في الخارج، محلاتٌ لبيع المواد الغذائية، وأخرى للحلويات والملابس، وثالثة للخضر والفواكه، ورابعةٌ للدواجنِ والمجازرِ.
مرافق عموميةٌ، مقاطعاتٌ، شرطة، وغيرها من الأمور التي تجعل سكان حي الملاح مثلاً، في غنىً عن الخروج، عكسَ القاطنين في بقية الأحياء الجديدة، الذين يصعبُ عليهم ألا يأتوا للسوق المتواجد بالمدينة العتيقة، من باب النوادر، إلى باب المقابر، وبين الأزقة المتواجدة في “تطاوين” العتيقة.
يفصل المدينة العتيقة لتطوان، عن الحديثة، سورٌ ما يزال واقفاً، شاهداً على تداول الأيام، وتوالي الأنام، له، سبعةُ أبواب رئيسية، هي باب العقلة، وباب الصعيدة، ويقعان غرب أسوار “تطاوين”، وباب الجياف، وباب المقابر، وهما في شمال المدينة العتيقة، ثم باب النوادر، المتواجد غرب الحصن، وباب التوت، الذي جنوب غرب المدينة، وأخيراً باب الرموز، وهو في الجنوب، وكلها أُسست في القرن الـ 16.
وسُجلت المدينة العتيقة لتطوان، والتي تتميزُ أيضا، بكثرة ينابيعها، حيث لا يصادف المتجول بين أزقتها، “سبالة”، بين كل فترةٍ وحينٍ، _ سجلت _ سنة 1997، كتراثي عالمي، لدى منظمة اليونسكو.
جمالهاَ وتصنيفهاَ كتراثي عالميٍّ، ومقاومة سكانهاَ المستميتة، لعوامل الزمن، من أجل الحفاظ على العبقِ التاريخيِّ في “تطاوين”، لم يمنع العديد من البنايات من التآكل والانهيار، ولولاَ بعض الأخشاب التي استعملت لمنع بعض الأسقف التي تغطي أزقة في المدينة العتيقة للحمامة البيضاء، لسقطت وأغلقت الكثير منها.
وتحاول الجهات المسؤولة على القطاع الثقافة والتراث وباقي السلطات المغربية، إصلاح عدد من المعالم التاريخية المهمة، غير أن وتيرة الأشغال، التي يصفها بعض ساكنة “تطاوين”، بالمتأخرة، من شأنها أن تأتي بعد فوات الأوان، إضافة إلى أن هناك حاجة ماسة إلى ترميم بعض المساكن، التي تعتبر جزءاً لا يتجزءُ من تاريخ المدينة.
وكانت وزارة الداخلية، قد أعلنت، قبل سنتين، عن برنامجٍ لتأهيل وتثمين عدد من المدن العتيقة في المغرب، من بينها المدينة “تطاوين”، من 2019 لـ 2023، ضم مجموعة من المشاريع الهادفة إلى إصلاح وترميم عدد من المعالم الأثرية التي تضمها “تطاوين”، على رأسها إصلاح القنوات المائية و”السقايات”، كما جرى إصلاح سقف السوق، وبعض البنايات المهمة.
ويرى ساكنة “تطاوين”، بأن المشكلة الحقيقية ليست في إرادة إصلاح المدينة العتيقة، لأنها موجودة وسبق وأعرب عنها العديد من المسؤولين، كما وضعوا برامج ورصدوا مبالغ مالية مهمة لهذا الأمر، لكن التأخير الحاصل هو الذي من شأنه أن يعرقل مهمة الحفاظ على الجمالية التاريخية للمكان، سيما وأن المدن العتيقة في المملكة، تدرّ على الدولة ملايير الدراهم سنوياً، بالنظر للسياح الذين تجذبهم.
وإلى جانب “تطاوين”، هناك مدن عتيقة أخرى في المغرب، أبرزها المدينة العتيقة بفاس، والتي سُجلت كتراثي عالميّ سنة 1981، ومراكش التي سجلت في 1985، وقصر آيت بن حدو بورزازات، الذي دخل التراث العالميّ في 1987، والمدينة التاريخية لمكناس، المسجلة في 1996، وموقع وليلي الأثري، المسجل في 1997، والصويرة المسجلة في 2001، والفضاء الثقافي لساحة جامع لفنا المسجل في 2001.
تعليقات الزوار ( 0 )