عن سن تُناهز الستة وتسعين سنة، انتقل إلى الرفيق الأعلى الزعيم السياسي المغربي الأمازيغي، والفنان التشكيلي وكاتب الشعر والرواية، المحجوبي أحرضان، صباح يومه ا(لأحد)، بعد صراع طويل مع المرض (الباركنسون)، ببيته الكائن بمدينة أولماس، وسط أبنائه الستة.
وعاصر الزعيم السياسي المحجوب أحرضان، قيد حياته، ثلاثة ملوك، وجمع بين الفن والسياسة، وشغر عدة وظائف حكومية عديدة، وشارك في الحرب العالمية الثانية لمدة قصيرة مع الجيش الفرنسي، وهو واحد من مؤسسي حزب الحركة الشعبية.
وولد المحجوبي أحرضان، والمعروف شعبيا باسم “الزايغ”، سنة 1924، الذي كان يتحدر من قبيلة الزبا الأمازيغية المقيمة في منطقة والماس في أواسط الأطلس، وحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة قبل أن يلتحق بمدرسة طارق بن زياد في مدينة أزرو الأطلسية.
ونعى محمد مشهوري، عضو اللجنة المركزية للحركة الشعبية، والمقرب من أمينها العام محند العنصر، الفقيد قائلا: “إننا اليوم، كمغاربة، وقبل أي انتماء، نعيش مرارة فقدان شخصية سياسية كبيرة، حيث أن المحجوب أحرضان، قيد حياته، دافع باستماتة على الحرية والتعددية الحزبية، وكان من السباقين للدفاع عنها منذ السنوات الأولى للإستقلال”.
وأضاف مشهوري في تصريح لموقع “بناصا” الإلكتروني، “أنه من صعب جدا على الإنسان أن يذكر كل مناقب الراحل، وأن يستحضر كل المراحل والمواقف النضالية والسياسية للزعيم أحرضان، ومسيرته في تاريخ المغرب حبلى بالإنجازات والعطاءات وفي بناء الدولة المستقلة”.
وأردف المتحدث ذاته، “حيث أن الراحل تقلد عدد من المناصب السامية في الحكومات، وكان وفيا ومخلصا للعرش، وكانت له مواقف شجاعة، وفي أحلك الفترات كان من الأوائل والمتقدمين في الدفاع عن استقلال المغرب وعلى المؤسسة الملكية، وكذلك على الاختيارات الشعبية، لاسيما في ما يخص الحرية والدمقراطية، وكان دائما يرفض آراء الهيمنة أو ما يعرف بـنظام “الحزب الوحيد”.
وأشار عضو اللجنة المركزية للحركة الشعبية، إلى “أن الراحل عرف بدفاعه المستميت عن اللغة والثقافة الأمازيغية، باعتبارها مكونا أساسيا للهوية المغربية، وبصم تاريخ المغرب المعاصر، وترك آثاره في كل بيت، وفي كل أسرة مغربية بشخصيته الموسوعية، فهو الشاعر، والراوي، والكاتب، والسياسي، والفنان التشكيلي”.
الوظائف الحكومية
وتقلد المحجوبي أحرضان، وظائف حكومية عديدة، حيث عين واليا على الرباط بعد الاستقلال مباشرة. وأصبح الكاتب العام للحركة الشعبية في مؤتمرها الثاني بمراكش عام 1962.
وشارك في ثمانية حكومات مغربية ومن بين الوزارات التي تقلد: وزير الدفاع في أول حكومة يشكلها الملك الحسن الثاني وشغل في المنصب بين 1961 – 1964، وفي شهر غشت 1964، عين وزيرا للفلاحة ثم وزيرا للفلاحة والإصلاح الزراعي في يونيو 1965.
في الفاتح من شهر مارس سنة 1977، عين وزير دولة وفي 10 أكتوبر من نفس السنة، عين وزير دولة مكلف بالبريد والمواصلات في حكومة أحمد عصمان عام 1977. وعين وزيرا للتعاون في حكومة المعطي بوعبيد عام 1979، كما عين وزير دولة في حكومة محمد كريم العمراني عام 1983 بصفته زعيم أحد الأحزاب الستة الكبيرة في المغرب.
وخلال المؤتمر الاستثنائي لحزب الحركة الشعبية المنعقد يومي 4 و5 أكتوبر 1986، أعفي من مهامه كأمين عام للحركة الشعبية. فأسس في يونيو 1991 حزبا جديدا أسماه “الحركة الوطنية الشعبية” الذي تقلد به منصب الأمين العام.
وفي يونيو 1997، فاز أحرضان في الانتخابات البلدية. وفي مارس 2006 عملت قيادات “الحركة الشعبية” وكل الحركات المنشقة منها، بما فيها “الحركة الوطنية الشعبية” و”الاتحاد الديمقراطي”، على توحيد صفوفها في حزب واحد هو “الحركة الشعبية”، وتم اختيار المحجوبي أحرضان رئيسا للحزب وامحمد لعنصر أمينا عاما.
التوجه السياسي والفكري
عرف المحجوبي أحرضان بدفاعه المستميت وحزبه الأول “الحركة الشعبية” عن القرية والبوادي والمداشر المغربية “البادية”، وحرصه على أن تمتد جذور التنمية إلى هاته المناطق، وكان الراحل وفيا لكل الملوك الثلاثة الذين عاصرهم، وعرف بولائه وطاعته، كما حظي بمكانات سياسية مهمة
واهتم أحرضان بشكل خاص بالثقافة الأمازيغية وبالرسم، لاسيما الرواية والشعر، ومن أهم ما كتبه مذكراته (1942–1962) التي اختار لها اسما أمازيغيا هو “ماسترا”، وتعني “وليكن ما يكون”، كدلالة على استباقه للأصداء التي يمكن أن تكون لشهاداته في حق شخصيات سياسية وأحداث تاريخية.
وكان الراحل وفيا لكل الملوك الثلاثة الذين عاصرهم، وعرف بولائه وطاعته، كما حظي بمكانات سياسية مهمة
التجربة الحزبية
شارك المحجوبي أحرضان في بداية نشاطه السياسي في مقاومة الاستعمار، فأصبح عضوا في المجلس الوطني للمقاومة ومسؤولا في جيش التحرير، وبعد وصول حزب الاستقلال للسلطة غداة استقلال المغرب، زجّ بأحرضان في السجن مع الدكتور عبد الكريم الخطيب، وما لبثا أن خرجا بعد مدة وجيزة.
ولمنافسة حزب الاستقلال ومواجهة هيمنته على النخبة وعلى الشارع بالمغرب، أسس المرحوم تنظيم الحركة الشعبية مع الدكتور الخطيب وحصلت الحركة على الاعتراف القانوني في فبراير سنة 1959، وانعقد مؤتمرها الأول في يونيو 1959.
وعرفت الحركة الشعبية انشقاقات عديدة كان أولَها خلاف على الزعامة بين المحجوبي والدكتور عبد الكريم الخطيب عام 1966، فانقسمت الحركة على نفسها واحتفظ أحرضان باسم الحزب وخرج الخطيب وأسس “الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية” عام 1967.
وتمت إقالة المحجوبي أحرضان من منصبه، في أكتوبر عام 1986، ليصبح محمد العنصر الكاتب العام للحركة الشعبية، فيما أسس أحرضان حزبا جديدا هو الحركة الوطنية الشعبية عام 1991.
وانشقت عنه مجموعة أسست الحركة الديمقراطية الاجتماعية بقيادة محمود عرشان، بعد أربع سنوات على تأسيس الحزب
وصية المحجوبي أحرضان بعد وفاة زوجته
توفيت مريم أحرضان، زوجة الراحل المحجوبي أحرضان، مؤسس حزب “الحركة الشعبية”، في الثالث من مارس سنة 2015 عن عمر يناهز 90 سنة، بأحد مستشفيات العاصمة الرباط، أي قبل خمس سنوات من وفاة الزعيم السياسي.
ومن المعلوم أن زوجة أحرضان هي فرنسية الأصل، ومسيحية الديانة، واسمها ماري دوكاسكي، قبل أن يغير أحرضان إسمها بعد إسلامها، ليصبح مريم أحرضان
ومن المرتقب أن يوارى جثمان الفقيد المحجوبي أحرضان، بمدينة ولماس، حيث مسقط رأس “الزايغ”، بناء على وصيته التي قال فيها، إنه يرغب أن يدفن بجوار زوجته مريم أحرضان.
تعليقات الزوار ( 0 )