المثلية ضد الفطرية التي فطر الله الناس عليها وضد الطبيعة البشرية والمبادئ الإنسانية، الأولية والتي لا تحتاج إلى منطق أو قواعد فلسفية للاستدلال عليها فهي مغروزة منطبعة في القلوب و الأذهان والمثلية هي كذلك ضد القيم الأخلاقية،وضد التطهر والطهرانية، إنها دعوة الانحطاط للبهيمية والخبائثية واغتيال للشهامة والرجولة، وانحدار إلى حبائل الشهوة السوداوية ، والشيطانية،وسقوط مريع مرعب في هوة سحيقة بدون قرار، ونفق مظلم بدون نهاية، لا يستطيع الداخل إلى عوالمها التخلص من أثار براثنها المتسمة بالنتانة و الوساخة والنجاسة، هي رأس الفواحش التي غالبا ما تؤدي بأصحابها إلى التهلكة والانفصامية والأمراض النفسية مثل المازوشية والسادية المؤدية إلى جرائم القتل البشعة أو حوادث الانتحار المأساوية، لا تحقق المثلية الجنسية لأصحابها حتما أي طمأنينة أو سكينة روحية ، وإنما تؤدي إلى النقيض من ذلك إلى تشوش في النفس البشرية، وتضخم للوساوس القهرية ،لو سادت المثلية العالم لأدت إلى انقراض الجنس البشري، فمن يأتي بالأطفال إلى هذا العالم إذا تزوج الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، ستظل الحاجة ماسة وملحة لتزاوج الرجال بالنساء، لأنه لا يمكن للمثلية الجنسية أن تكون بديلا حقيقيا وعقلانيا للعلاقة الجنسية الطبيعية العادية بين الذكر والأنثى.
فالناظر إلي الطبيعة والكون يجد أنه قائم في جوهره على الثنائية الجنسية في عوالم النبات والحيوان ، فالله خلق من كل شيء زوجين،
إن المثلية لا تهدف إلا إلى تحقيق النشوة والشهوة الجنسية، وتحقيق حالة الارتعاش والانتعاش والانتشاء وحتى هذا الهدف ما يلبث أن تحدث له الانتكاسة ويقع في الارتكاسة، بسبب تأنيب الضمير، الذي غالبا ما يتم خنقه وتذميره وسحقه بواسطة المخدرات والمسكرات المفقدة للوعي.
لقد أتبثت الدراسات أن المثلية لم تستطع تحقيق الاستقرار الأسرى بين الزوجين المثليين، إذ غالبا ما كانت مثل هذه العلاقات تنتهي بعد سنتين أو ثلاث سنوات على الأكثر، ورغم جلب الأطفال لمثل هذه الأسر لم تحقق أدنى نجاح بل كانت وبالا على الأطفال الذين عاشوا في كنفهم وتحت رعايتهم ، لفقدانهم المشاعر الحقيقية للامومة.
هذه المثلية الجنسية المدعومة إعلاميا وماديا من طرف العالم الغربي الدهراني والتي يحاول فرضها عبر منابره الدولية كمنظمة الصحة العالمية التي ألغت اعتبار المثلية مرضا سنة 1990 م إقرارا لرأي عالم النفس «سيجموند فرويد» الذي كان يرى أن جميع البشر مُخنثين بالفطرة ولديهم «ازدواجية كامنة»، ويقول إن تجاربهم الشخصية مع الأباء والأمهات تجعلهم أما مثليي الجنس أو أشخاصا عاديين، ويشير «فرويد» إلى أن التوجه الجنسي المثلي لا ينبغي أن يُنظر إليه باعتباره شكلاً من أشكال المرض النفسي، وفي رسالته إلى أم أمريكية بعثت له بطلب لتشخيص حالة ابنها المريض بما وصفته بالجنسية المثلية يقول (بكل تأكيد، لا يمكننا اعتبار المثلية الجنسية ميزة، لكنها أيضًا ليست مدعاة للخجل، أو لتدهور الصحة النفسية، أو علامة من علامات المرض، على العكس، نحن نعتبر المثلية الجنسية طورًا من أطوار تغير الوظائف الجنسية…. . فإذا كان ابنك غير سعيد، عصبي، مُمزق نفسيًا بسبب صراعات الحياة، مُرهق بسبب الحياة اليومية، يمكن للعلاج النفسي أن يجلب له الانسجام وراحة البال، سواء ظل مثلي الجنس أو عكس ذلك) .
لكن عالم النفس «ساندور رادو» يرفض فرضية «فرويد»، ويزعم أن العلاقة الغيرية مع الجنس الآخر هي العلاقة الجنسية الطبيعية، ويقول إن «الشذوذ الجنسي» يحدث عندما يفشل الجنس الغيري في تحقيق المتعة الكاملة، لاحقًا، ساد الجدل بين محللين آخرين ، إذ قالوا إن الشذوذ الجنسي ينجم عن العلاقات الأسرية المرضية خلال الفترة الأوديبية «في عمر من 4-5 سنوات»، وبالتالى اعتبروا أن المثلية الجنسية «أكثر مرضية مما افترض سابقًا»
وانسجاما مع التيار المادي المجرد ،الغالب تم إقرار يوم عالمي من أجل مكافحة التمييز القائم على الميول الجنسية والهوية الجنسية ، دائما ما كان يدعو من خلاله مسؤولو الأمم المتحدة الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى حماية حقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وإلغاء القوانين التي تعمل على التمييز ضدهم.
وقد دعت بيلاي رئيسة مفوضية حقوق الإنسان الأوروبية الدول في مناسبات عديدة إلى إلغاء تجريم المثلية الجنسية، والحد من انتشار الممارسات التمييزية ضد المثليين وتحت هذه الضغوطات السياسية والاقتصادية وقعت سنة 2011 م 85 دولة مع تهديد الدول الرافضة برفع الدعم عنها. ووقف المساعدات المالية عنها.
غير أنه يجب التنويه بالإشارة إلى أنه، هناك حالات استثنائية لبعض مثليي الجنس ترجع لأسباب عضوية قهرية فقد كشفت دراسة بحثية نشرها موقع صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن المثلية الجنسية قد تحدث بسبب جين وراثي يكمن في الحمض النووي للإنسان، فيما قالت دراسة أخرى إن المثلية تبدأ في مرحلة التكوين الجنيني الأولى، فربما تحدث نتيجة مهاجمة أجسام مناعية لمخ الجنين، أو التعرض لمجموعة من الهرمونات داخل رحم الأم، تلك أسباب عضوية فسيولوجية، تزعم أن التعرض لمجموعة من المتغيرات التي تؤثر على كيمياء الدماغ وتُسبب حدوث الجنسية المثلية، وهو ما لم يتم إثباته بشكل قاطع حتى الآن.
غير أن الأمر في مثل هذه الحالات يخرج عن نطاق سيطرة الأشخاص المثليين، ويستلزم تدخلا طبيا نفسيا آو جراحيا لمساعدة هؤلاء على تغيير الجنس. حتى لا يعيش الشخص المريض منهم في حالة الازدواجية الجنسية والعذاب النفسي اللامنتهي . بشكل استثنائي اعتبارا لكون هذه الحالات حالات مرضية عضوية، وليس تعميما على حالات المثلية الجنسية الإرادوية. الناتجة عن اختيارية وحرية وقصدية.
تحريم الأديان السماوية للمثلية الجنسية
،كل الأديان السماوية حرمت المثلية الجنسية، فتاريخيًا، رفض آباء الكنيسة المثلية الجنسية لكونها تتعارض مع تعاليم المسيحية يقول الكتاب المقدس: (مضاجعو الذكور لا يرثون ملكوت الله) . (كورنثوس) ، وفي العهد الجديد يدين بولس في الرسالة إلى أهل رومية المثلية الجنسية يقول : «وَكَذلِكَ الذُّكُورُ أَيْضًا تَارِكِينَ اسْتِعْمَالَ الأُنْثَى الطَّبِيعِيَّ، اشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ الْفَحْشَاءَ ذُكُورًا بِذُكُورٍ، وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلاَلِهِمِ الْمُحِقَّ.)،كما أن معظم الطوائف المسيحية تدين وتعتبر المثلية خطيئة وممارسة غير أخلاقية ومخالفة للفطرة الإنسانية، وهذه الطوائف تشمل الكنيسة الكاثوليكية، والكنائس الأرثوذكسية المشرقية وغالبية الكنائس البروتستانتية ومنها بعض الطوائف الأصولية التي تتخذ مواقف متطرفة ضد المثليين جنسيًا،وقد فسرت هذه الطوائف مقاطع من العهد القديم على أنه لا بد من معاقبة المثليين بالموت. ولقد اعتبر رجل الدين البروتستانتي فيلبس مرض الإيدز على أنه عقاب من الله ضد المثليين جنسيًا. والكنيسة الكاثوليكية نفسها تمنع منح سر الكهنوت للمثليين، ولا تسمح للمثليين من الرجال والنساء دخول سلك الرهبنة.
و كذلك نفس الموقف تؤكده الديانة اليهودية فهي ، تعتبر ممارسة السلوكيات المثلية بين الذكور فاحشة وخطيئة كبيرة يجب الامتناع عنها. كما تعتبرها من أكبر الخطايا ، ويعاقب على اقترافها بالإعدام كل من تجاوز سن الثالثة عشر من عمره مثلما جاءت به تعاليم العهد القديم: (إذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعلا رجسا كلاهما،أنهما يقتلان دمهما عليهما.) (سفر اللاويين 20: 13) وجاء فيه أيضا:(لا تضاجع ذكرًا مضاجعة امرأة.)(لاويين 18: 22).
وجاء في سفر التكوين الإصحاح 19(لذلك أسلمهم الله أيضًا في شهوات قلوبهم إلى النجاسة لإهانة أجسادهم بين ذواتهم.. الذين استبدلوا حق الله بالكذب.. واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق الذي هو مبارك إلى الأبد آمين. لذلك أسلمهم الله إلى أهواء الهوان لأن إناثهم استبدلوا الاستعمال الطبيعي بالذي على خلاف الطبيعة… وكذلك الذكور أيضا تاركين استعمال الأنثى الطبيعي. اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلين الفحشاء ذكورا بذكور ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق) (رومية 1: 24-27).
وقد ذكر العهد القديم قصة هلاك مدينتي سدوم وعمورة ، بسبب اقتراف أهلها لخطيئة ممارسة اللواطية والرذيلة ، فدمرها الله وأحرقها بالكامل وجعل السماء تمطر عليهما ناراً وكبريتا بسبب عدم توبتهم عن خطاياهم.، والقصة في العهد القديم سفر التكوين الإصحاح 19 و هي كما يلي:
(1 فجاء الملاكان الى سدوم مساء، وكان لوط جالسا في باب سدوم. فلما راهما لوط قام لاستقبالهما، وسجد بوجهه الى الارض. 2 وقال: «يا سيدي، ميلا الى بيت عبدكما وبيتا واغسلا ارجلكما، ثم تبكران وتذهبان في طريقكما». فقالا: «لا، بل في الساحة نبيت». 3 فالح عليهما جدا، فمالا اليه ودخلا بيته، فصنع لهما ضيافة وخبز فطيرا فاكلا.4 وقبلما اضطجعا احاط بالبيت رجال المدينة، رجال سدوم، من الحدث الى الشيخ، كل الشعب من اقصاها. 5 فنادوا لوطا وقالوا له: «اين الرجلان اللذان دخلا اليك الليلة؟ اخرجهما الينا لنعرفهما». 6 فخرج اليهم لوط الى الباب واغلق الباب وراءه 7 وقال: «لا تفعلوا شرا يا اخوتي. 8 هوذا لي ابنتان لم تعرفا رجلا. اخرجهما اليكم فافعلوا بهما كما يحسن في عيونكم. واما هذان الرجلان فلا تفعلوا بهما شيئا، لانهما قد دخلا تحت ظل سقفي». 9 فقالوا: «ابعد الى هناك». ثم قالوا: «جاء هذا الانسان ليتغرب، وهو يحكم حكما. الان نفعل بك شرا اكثر منهما». فالحوا على الرجل لوط جدا وتقدموا ليكسروا الباب، 10 فمد الرجلان ايديهما وادخلا لوطا اليهما الى البيت واغلقا الباب. 11 واما الرجال الذين على باب البيت فضرباهم بالعمى، من الصغير الى الكبير، فعجزوا عن ان يجدوا الباب.12 وقال الرجلان للوط: «من لك ايضا ههنا؟ اصهارك وبنيك وبناتك وكل من لك في المدينة، اخرج من المكان، 13 لاننا مهلكان هذا المكان، اذ قد عظم صراخهم امام الرب، فارسلنا الرب لنهلكه». 14 فخرج لوط وكلم اصهاره الاخذين بناته وقال: «قوموا اخرجوا من هذا المكان، لان الرب مهلك المدينة». فكان كمازح في اعين اصهاره. 15 ولما طلع الفجر كان الملاكان يعجلان لوطا قائلين: «قم خذ امراتك وابنتيك الموجودتين لئلا تهلك باثم المدينة». 16 ولما توانى، امسك الرجلان بيده وبيد امراته وبيد ابنتيه، لشفقة الرب عليه، واخرجاه ووضعاه خارج المدينة. 17 وكان لما اخرجاهم الى خارج انه قال: «اهرب لحياتك. لا تنظر الى ورائك، ولا تقف في كل الدائرة. اهرب الى الجبل لئلا تهلك». 18 فقال لهما لوط: «لا يا سيد. 19 هوذا عبدك قد وجد نعمة في عينيك، وعظمت لطفك الذي صنعت الي باستبقاء نفسي، وانا لا اقدر ان اهرب الى الجبل لعل الشر يدركني فاموت. 20 هوذا المدينة هذه قريبة للهرب اليها وهي صغيرة. اهرب الى هناك. اليست هي صغيرة؟ فتحيا نفسي». 21 فقال له: «اني قد رفعت وجهك في هذا الامر ايضا، ان لا اقلب المدينة التي تكلمت عنها. 22 اسرع اهرب الى هناك لاني لا استطيع ان افعل شيئا حتى تجيء الى هناك». لذلك دعي اسم المدينة «صوغر».23 واذ اشرقت الشمس على الارض دخل لوط الى صوغر، 24 فامطر الرب على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الرب من السماء. 25 وقلب تلك المدن، وكل الدائرة، وجميع سكان المدن، ونبات الارض. 26 ونظرت امراته من ورائه فصارت عمود ملح.27 وبكر ابراهيم في الغد الى المكان الذي وقف فيه امام الرب، 28 وتطلع نحو سدوم وعمورة، ونحو كل ارض الدائرة، ونظر واذا دخان الارض يصعد كدخان الاتون. 29 وحدث لما اخرب الله مدن الدائرة ان الله ذكر ابراهيم، وارسل لوطا من وسط الانقلاب. حين قلب المدن التي سكن فيها لوط.30)
أما الديانة الإسلامية فقد حرمت بدورها العلاقات الجنسية المثلية تحريما قاطعا واضحا لا لبس فيه على خلاف ما حاول البعض أن يروج يوهم، من العذاب الذي نزل بقوم لوط نزل عليهم بسبب رفض الإيمان بالله وليس بسبب إتيان الذكور، وهذا محض خيال مخالف لإجماع المفسرين، يقول الله تعالى في كتابه العزيز :(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ﴿160﴾ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿161﴾ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿162﴾ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿163﴾ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿164﴾ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴿165﴾ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴿166﴾ قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ﴿167﴾ قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ ﴿168﴾ رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ ﴿169﴾ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ﴿170﴾ إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ ﴿171﴾ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ ﴿172﴾ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ﴿173﴾ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿174﴾ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿175﴾.
وقال أيضا :{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ* وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ* فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}.
قال القرطبي في تفسيره (واجمع العلماء على تحريم اللواط، وإن الله تعالى عاقب قوم لوط وعذبهم لأنهم كانوا على معاص وذنوب، ومنه الفعلة المشينة والعملة القبيحة ألا وهي اللواط، فأخذهم الله بذلك، ولأنه كان منهم الفاعل والراضي بذلك، فعوقبوا جميعا لسكوت الجماهير عليه، وهي حكمة الله وسنته في خلقه.
وتأكيدا لهذا التحريم قال الله تعالى: (والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) (المؤمنون ).
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في تفسيرها من كتابه أضواء البيان ((ذكر جل وعلا أن من صفات المؤمنين المفلحين الذين يرثون الفردوس ويخلدون فيها، حفظهم لفروجهم، من اللواط والزنا ونحو ذلك، وبين أن من لم يحفظ فرجه عن الحرام بل تعدى حدود الله فهو ظالم لنفسه ومهلكها وموبقها وموقعها في شديد عذاب الله تعالى)).
المثلية الجنسانية من الدنيانية إلى للدهرانية
في هذا السياق، يرى الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، أن الفلسفة الغربية، بعد إقرارها بالعلمانية أو ما يسميه بـ”الدنيانية” كفصل كلي للدين عن السياسة، اعتنقت ما يطلق عليه مصطلح “الدهرانية” كفصل للدين عن الأخلاق وربطها بقيمة عقلية مجردة، ستعلن في وقت لاحق خروجها الكلي عن هذه الأخلاق ونفيها لها وإقبارها، لتنحدر بالإنسانية إلى دركات “موت القاعدة الأخلاقية”.وهو ما يجد صداه حسب المفكر المغربي في ظواهر أضحت مشاعة في المجتمعات المتقدمة المعاصرة، ومشروعة بقوة القانون داخلها كـ”المثلية الجنسية”.
و هذا الاتجاه الــ”مابعد الدهراني” الداعي إلى الخروج عن الأخلاق كلية، هو ما يسميه ب “الشرود الأخلاقي” في الحياة العامة للناس. ويرى الفيلسوف المغربي أن التيار الغربي الداعي إلى الخروج عن الأخلاق و المُروق عنها، اختار وضع “الإنسان” ضمن ثلاث صيغ رئيسية، عبر عنها 3 مفكرين غربيين في مقدمتهم الألماني “فريدريك نيتشه”، الذي سوق لنموذج “الإنسان الفائق” منزعه الاستجابة للغرائز وتمجيدها، واعتبار الروح لا تعدو كونها “مُسخَّرة للجسم”، أما المفكر الفرنسي “جورج باتاي” الذي يقدم نموذجا “للإنسان السيد” فيميل تصوره إلى عبادة “الجسد الخالص” ونزع كل قيمة أخلاقية أوعقلية على الفعل الإنساني، وآخر هذه الصيغ نموذج “الإنسان المارد” الذي طرحه المفكر الفرنسي ” ماركيز دي ساد” ، فهو نموذج الإنسان المُحب للإفساد، داعيا إلى هتك كل قيمة أخلاقية أيا كانت مرجعيتها، بل لا يرى تحقق ذاته إلا في حين يتجاوز تلك القيم و يعمد إلى ارتكاب الأفعال الشنيعة المنافية للفطرة الإنسانية.
هذه “الصور الإنسانية” التي أعاد طه عبد الرحمن تحديد ملامحها، مستعينا بأدوات التحليل النقدي الفلسفي، تدفعه إلى التحذير من “سيادة” هذه الثقافة، التي تقبر الأخلاق وتنفيها، مفصحا عن توجسه من تسللها لتحتل مكان ثقافات ورؤى أخرى، فتلبس بذلك لباس “الثقافة السائدة”، في الوقت الذي تخالف فيه كل فطرة إنسانية سليمة، وتدعو لـ”التعدي” على المقدس وإنكاره، وتُلغي القاعدة الأخلاقية، وتجعل ذات لا محدود القدرات.
، والرد على الدهرانية عند طه عبد الرحمن ينبني على الفكرة الإسلامية القرآنية القائمة على “ائتمانية” الإنسان، والتي تحمله مسؤولية الأمانة على الأرض، وتزكيته فتدفعه لمجاهدة نفسه من أجل تحقيق القيم الأخلاقية، وتذكره “بشاهديته” على وحدانية الخالق بما ينسجم وفطرته.
وفي نفس التوجه يقول المفكر المصري الكبير عبدالوهاب المسيري رحمه الله في كتابه “الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان” بأن الحضارة المادية الغربية تفسر الأخلاق تفسيراً مادياً ووفقاً لقانون طبيعي، فمنطق الحاجة الطبيعية المباشرة هو الذي يتحكم في الأخلاق الإنسانية، لذا تنادي المذاهب الأخلاقية المادية بأن الشيء الوحيد الذي يجدر بالإنسان أن يسعى إليه هو الخيرات المادية التي تجود بها الحياة، والشيء نفسه ينطبق على المعايير الجمالية، فالشعور والإحساس بالجمال وكل الأحاسيس الإنسانية يمكن فهمها بردها إلى المبدأ المادي الواحد، فهي مجرد تعبير عن شيء مادي يوجد في المادية ، والمثلية تجلى من تجليات المادية لذلك اباحتها المحافل الماسونية وروجت لها الفلسفات الإلحاد ية الدهرانية ، ودعاة التحررية والذين هم في الحقيقة دعاة العبودية الشهوانية الجسدية والآنانية الفردية، يريدون فرضها قوانينا عالمية واعتبارها عنوانا للتقدمية ، ومعارضوها عنوانا للرجعية.
ورغم كل الدعم المادي والمعنىوي لم تنجح المثلية الجنسية في أي علاقة أو تجربة في تحقيق الاستمرارية، العائلية، لأنه لم تكن لديها أية غائية، أو أهداف عقلانية فبعد كل البدايات الوهمية المسخر لها البهرجة الإعلامية، لمثليي الجنس ، تسقط مثل هذه العلاقات في اللاجدوى والعبثية، و الملل والضجر والروتينية، وبسببها صارت أوروبا عجوزا بدون أجيال جديدة أو آمال، فمآلها سائر إلى الإنقراض والعدمية.
إن الإباحية الجنسانية ليس مجرد مشكلة أخلاقية فقط وإنما هي أيضاً قضية معرفية؛ لأنها تمثل هدما للطبيعة البشرية و قداسة الإنسان ومحاولة لتفكيكه، فقد قامت الرؤية العلمانية المتطرفة الأصولية الإمبريالية على اعتبار الإنسان ، كائنا طبيعياً مادياً فقط ، ونظرت إليه باعتباره مادة صرفة ليس إلا، فتحول الإنسان من كونه خليفة الله في الأرض وكونه مركز الكون ، إلى مجرد لحم يُستعمل لتحقيق اللذة من أجل اللذة والشهوة تلو الشهوة ، فلا يصبح للإنسان أي معيارية أخلاقية أو مرجعية عقلانية ، .
حاولت المثلية الجنسية إلغاء ثنائية إنسانية أساسية هي ثنائية الذكر/ الأنثى، التي تستند إليها المعيارية الأخلاقية الإنسانية.
آلمثلية الجنسية من وجهة نظر فلسفية
انشغلت الفلسفة بدورها عبر تاريخ الأفكار الطويل بموضوع الجنسانية والمثلية ، فأفلاطون مثلا فَصَل بين المادي وغير المادي، والواقعي والمثالي، والجسدي والروحي، معليا من شأن المثال ، في مقابل الحط من قدر الجسد الفاني وما يرتبط به من دوافع ولذات وشهوات . هذا الرأي ايده صراحة أو ضمنياً أغلبية الفلاسفة اليونانيون ، الذين تأثروا بالنزعة الرواقية التي تُفضِّل الحرية والسلام الداخليين وسيادة العقل، وهي قيم اعتقد الرواقيون أنها مهدَّدة من قبل أهواء الحب الجامحة ، والتعلق، والغضب، وبالطبع الرغبة الجنسية المنفلتة غير المنضبطة ، كما بيّن إيغور بريموراتز في كتابه “الأخلاقيات والجنس”
أما الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط فقد ميز بين مشاعر اللطف والحب العذري، والرغبة الجنسية، فموضوع الرغبة، الجنسية هو موضوع حسي وجسدي خالص، لا تربطه علاقة بدوافع الحب أو الإحسان أو اللطف، أو أي مشاعر أخلاقية روحية مُجاوزة لشهوة الجسد.، لذلك كان كانط أقرب إلى الفصل الأفلاطوني بين الحب الفاحش (الرغبة الجسدية المجردة) والعذري (حب وتقدير الطبيعة الشخصية بعد إقصاء الجسد)، وهو الفصل الذي عارضه هيوم على أساس أن مشاعر الحب تنشأ غالباً من تقدير الجمال المادي في المقام الأول، وفقاً لمعايير وتفضيلات الشخص، ومن ثم يتطور ذلك التقدير إلى شعور بالعطف والرغبة الجنسية معاً. لاحظ هيوم أيضاً أن ذلك التقدير يصير مبالغاً فيه تحت تأثير الرغبة الجنسية،
كان كانط متشككاً حيال الجنسانية والتحرر الجنسي، ولم يستسيغ تحويل إنسان آخر إلى موضوع للمتعة، وإلى “شيء”، يُرغب فيه فقط لاستعماله ك”أداة” في إرضاء رغبة ذاتية، وكائن يُختزل في وظيفته الجنسية،
وقد أنكر كانط الطبيعة التشاركية والتعاونية للجنس إلا داخل إطار الزواج الغيري، وليس المثلى حيث لا يُمكن بسهولة استعمال الطرف الآخر كمجرد موضوع للمتعة أو كمجرد “شيء”
حرص كانط مثل الرواقيين على الإرادة الحرة، ورأى في الدوافع الجنسية تهديداً دائماً لها. ووافقه في ذلك آرثور شوبنهاور الذي ارتاب تجاه سلطة الرغبة الجنسية، باعتبارها فخ ومصيدة إرادة الحياة الكلية المتوحشة وذلك نتيجة اعتقاده بأنها تبلغ من القوة ما يكاد يجعلها “الهدف النهائي لجميع الجهود الإنسانية”،
أخيرا وليس آخرا يكون طرح الأسئلة التالية مشروعاومستوجيا للتأمل، فلماذا كل هذا الاهتمام العالمي بالمثلية والمثليين؟ لماذا تم اختصار حقوق الإنسان في إتيات الشهوات والموبقات؟ حتى أصبحت تبدو معها المثلية كأنها الضرورة القصوى لاستمرار الحياة. في حين يتم التغاضي عن الانتهاكات الصارخة للحق في الحياة، والحقوق الإنسانية الأخرى ذات الأهمية .
لماذا يبدو الغرب المنافق إنسانيا ، وحملا وديعا، فيما يتعلق بإنكار الديانات؟ وشريرا شرسا فيما يتعلق بحق الأقليات؟ هل يمكن للمثلية الجنسية أن تكون جسر النجاة للعالم أم طريق موصل حتما لانقراض البشرية والهلاك؟
أم ستتكرر قصة هلاك سدوم وعمورية في هذا العالم كلما خرق الإنسان المتمرد قواعد وقوانين الطبيعة الإلهية؟.
*محام بهيئة القنيطرة
تعليقات الزوار ( 0 )