شارك المقال
  • تم النسخ

الفلسطينيون يحيون ذكرى وفاة عرفات بالمسيرات والمهرجانات

يصادف يوم الثلاثاء، 11 نونبر، الذكرى الـ 16  لرحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات “أبو عمار”، والذي توفي في مشفى بالعاصمة الفرنسية باريس متأثرًا بالمرض، دون أن يكشف لغز ملابسات وفاته بالسم، حيث لا يزال القاتل مجهولًا.

وبهذه المناسبة يحيي الفلسطينيون، ذكرى رحيله بفعاليات وطنية مختلفة تتمثل بوقفات ومسيرات ومهرجانات، أبرزها في مقر الرئاسة بجوار ضريحه بمدينة رام الله، حيث تضاء الشموع، ويشارك فيها قادة وفصائل العمل الوطني ورفاق الشهيد، إلى جانب مئات المواطنين.

بداية الانطلاقة

ارتبط اسم الراحل “ياسر عرفات” واسمه الحقيقي، محمد عبد الرحمن عبد الرؤوف القدوة الحسيني (1929 – 2004) بالقضية الفلسطينية منذ منتصف القرن الماضي، قبل تأسيسه ومجموعة من الطلاب الفلسطينيين لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” مطلع عام 1956.

ولمع بريق عرفات المكنى بـ “أبو عمار” بعد تشكيله الخليلة العسكرية الأولى للتنظيم عام 1958 برفقة خليل الوزير “أبو جهاد”، وصلاح خلف “أبو إياد” وغيرهم من القادة وتنفيذهم لأول عملية فدائية مساء 31 كانون أول/ ديسمبر من عام 1964، عبر محاولة نسف محطة مائية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وما عرف باسم عملية “عيلبون” والتي تبنّاها عرفات في اليوم التالي الأول من كانون ثاني/ يناير من عام 1965، وهو اليوم الذي اعتمده لانطلاقة حركة “فتح”.

عرفات و”فتح”

تلازم اسم عرفات بحركة “فتح” والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، التي ترأسها خلال العقود الأربعة من عمله السياسي وكان له الأثر الكبير على مسار القضية الفلسطينية.

وفي عام 1969، أصبح عرفات الرئيس المنتخب لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي تحوّلت إلى إطار لفصائل المقاومة الفلسطينية، بعد أن كانت مجرد إطار رسمي للشؤون الفلسطينية ملحق بجامعة الدول العربية، وبهذا بدأت مسيرة عرفات في تمثيل الشعب الفلسطيني.

في عام 1974، برز ياسر عرفات على المستوى الدولي، عندما اعتلى منصة الخطابة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، ليطرح خيار الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 التي يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود، وليعرب عن رغبته في السلام في عبارته الشهيرة “لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.

عرفات .. محطات

كانت الأردن ولبنان محطتان هامتان في مسيرة عرفات، وهما المحطتان اللتان طبعت قيادته لـ”ثورة فلسطينية مسلحة”.

وفي ما بعد العام 1982، انتقل عرفات إلى تونس بعد حصار القوات الإسرائيلية لبيروت، فكانت تونس محطة انطلاق رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير نحو التسوية السياسية، بالتشاور الوثيق مع القاهرة.

وقد رأى عرفات في الانتفاضة الشعبية الفلسطينية (1987 – 1994) فرصة لتحريك عملية التسوية السياسية، عبر مؤتمر دولي تشارك فيه منظمة التحرير، وفق مبدأ “الأرض مقابل السلام”، كما تم خلال الانتفاضة الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية، وهو الإعلان الذي صدر في عام 1988، لكنه بقي محتفظاً بطابعه الرمزي وحسب.

وفي عامي 1990 و1991، خسر ياسر عرفات عدداً من العواصم العربية على خلفية موقفه في حرب الخليج الثانية، حيث أيّد آنذاك الغزو العراقي للكويت، وهو ما تسبّب له بحالة من العزلة في بلدان الخليج وبخاصة في الكويت، وهي البلد الذي كان أحد محطات تأسيس حركة “فتح”، حيث عمل فيها عرفات مهندساً قبل انطلاق الحركة سنة 1965.

التسوية السياسية

وفي خريف 1991، أي في أعقاب حرب الخليج؛ شارك ممثلون فلسطينيون بمباركة من عرفات، ضمن وفد أردني – فلسطيني مشترك، في مؤتمر مدريد، الذي أطلق “عملية سلام الشرق الأوسط” برعاية أمريكية.

وبعد إدارة مفاوضات سرية بين قيادة المنظمة والحكومة الإسرائيلية في العاصمة النرويجية أوسلو؛ وقّع عرفات في 1993 اتفاقية “إعلان المبادئ” مع الدولة العبرية، التي تقضي بقيام الحكم الذاتي الفلسطيني في غزة وأريحا، مع اعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل، وقد أدى ذلك لانقسام حاد في الشارع الفلسطيني بين مؤيدي تلك التسوية ومعارضيها.

السلطة الفلسطينية

وفي 1994، أُبرم اتفاق الحكم الانتقالي، بينما حصل عرفات على جائزة “نوبل” للسلام سويّة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريز.

ودخل عرفات إلى الأراضي الفلسطينية بموجب “اتفاق أوسلو” في عام 1994، وفي مطلع العام 1996 تم انتخابه رئيساً للسلطة الفلسطينية، بأغلبية كبيرة.

مفاوضات “كامب ديفيد”

وبعد سنوات من المفاوضات المتعثرة؛ إنهارت التسوية السياسية أخيراً في قمة “كامب ديفيد” الثانية، صيف سنة 2000، التي جمعت عرفات برئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك وبرعاية مباشرة وحثيثة من الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.

وقد كان مقرراً في تلك القمة التوصل إلى اتفاق بشأن “الوضع النهائي”، وحسم عدد من الملفات الأساسية كوضع القدس وعودة اللاجئين والنازحين الفلسطينيين والمعابر والانسحاب النهائي من أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة.

وخلال هذه المفاوضات تلقى عرفات تهديداً مباشراً من الولايات المتحدة الأمريكية راعية تلك المفاوضات ان لم يقبل الشروط التي طرحت عليه خلال المفاوضات والتي تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية وذلك بحسب ما ذكره هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”.

وقال الحسن في لقاء سابق مع الصحفيين الفلسطينيين في غزة قبل وفاته بقليل “عرفات رفض شروط الرئيس الأميركي بيل كلنتون في كامب ديفيد وهي أن يقول لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، وأن يقبل بتقسيم السيادة على الحرم القدسي تحت وفوق، وأن يقبل بأن تكون السيادة على بحر وجو وبر الدولة الفلسطينية المطروحة بيد الإسرائيليين، حينها خاطب عرفات كلينتون قائلا (يبدو انك لم تنم جيداً البارحة يا سيادة الرئيس)، فتدخلت وزيرة الخارجية في حينه مادلين أولبرايت وربتت على كتف عرفات وقالت له (إلزم حدودك! أنت تخاطب رئيس أكبر دولة في العالم) ليرّد عرفات بالقول (ولكنه لا يعرض عليّ دولةً بل سجناً)”.

وأضاف الحسن “بعد ذلك ذهب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جورج تينت إلى الرئيس عرفات وأمسكه من سترته وقال له (من أنت لتقول لا في البيت الأبيض؟ سأرتب لك موعداً لتعتذر للرئيس وتقبل بشروطه وإلّا ..)، فرّد عرفات قائلاً (فهمت معنى وإلًا، وأنا ادعوك إلى أن تسير في جنازتي ولكن أقول لك لن تجد فلسطينياً واحداً يقبل بهذه الشروط حتى بعد خمسين عاماً)”.

انتفاضة الأقصى

وبعد فشل مفاوضات “كامب ديفيد” والتأجيل المتكرّر لإعلان الدولة الفلسطينية، وتراكم الاحتقان الشعبي الفلسطيني من استمرار الاحتلال؛ اندلعت انتفاضة الأقصى في نهاية شتنبر 2000، مع الزيارة الاستفزازية لآرائيل شارون إلى المسجد الأقصى، حيث أراد الرئيس عرفات قلب الطاولة في وجه الأمريكان من تحالف معهم. بحسب مراقبين.

وكانت “انتفاضة الأقصى” قد شهدت حملات حربية غير مسبوقة شنتها قوات الاحتلال على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، كما تضمنت تقويضاً تدريجياً للمعالم الأولية لدولة فلسطينية مفترضة، بما فيها مقار عرفات في غزة ورام الله، التي تم استهدافها بالتدمير والحصار.

العزلة حتى الرحيل

وقد قضى عرفات سنواته الثلاث الأخيرة في عزلة داخل مقر “المقاطعة” في رام الله، وسط تهديدات إسرائيلية متواصلة له بالقتل أو النفي، إلى أن تدهورت حالته الصحية بشكل سريع في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2004، وسط ملابسات غامضة.

وعلى إثر ذلك؛ تم نقله إلى باريس، حيث توفي فيها بعد نحو ثلاث أسابيع، وأُعلن عن الوفاة في مشفى بيرسي العسكري الفرنسي فجر الحادي عشر من نونبر 2004.

ومع تشييع عرفات في القاهرة، ودفنه في رام الله؛ يسدل الستار على 75 عاماً عاش فيها ياسر عرفات، وشهدت مسيرة سياسية حافلة بالكثير من المنعطفات والمخاضات العسيرة.

أسباب الوفاة

إلا أنه وفي عام 2012 تبنت قناة “الجزيرة” الفضائية القطرية بموافقة أرملته من سهى عرفات، إجراء تحقيق حول كيفية وفاته، ليتبين بعد تسعة أشهر من التحقيق والتدقيق خاصة في مقتنياته الشخصية التي كان يستخدمها قبل موته بوجود مستويات عالية من مادة مشعة وسامة تسمى البولونيوم.

وبعد فحوصات أجراها مختبر سويسري مرموق بطلب من “الجزيرة” نفسها، الأمر الذي يراه مقربون من عرفات بأنه دليل قاطع على أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مات مسموما.

سر الوفاة بالجثمان

وفي 25 نونبر 2012، أخذ خبراء روس وفرنسيون وسويسريون عينات من جثمان عرفات، بعد فتح ضريحه في رام الله، لفحص سبب الوفاة.

واستبعد الخبراء فرضية الاغتيال، وقالوا إن وجود غاز “الرادون” المشع في البيئة الخارجية قد يفسر ارتفاع المواد المشعّة في العينات.

لكن معهد “لوزان السويسري” للتحاليل الإشعاعية كشف في تحقيق بثته قناة “الجزيرة” الفضائية القطرية في العام 2012، وجود “بولونيوم مشع” في رفات عرفات، وسط تقديرات بأنه مات مسموما بهذه المادة.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي