لا يشك عاقل في أن ما حدث في سورية من قتل ودمار وخراب سنة 2011 فاق في بشاعته كل التوقعات ولا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار الجرائم التي اقترفتها إيران ودول الخليج وتركيا ونظام بشار الاسد والدواعش في حق الانسان السوري الذي تعرض إلى أكبر عملية احتيال دولي واقليمي بعد أن تحولت سورية إلى ساحة حرب واستباحتها كل مخابرات العالم!
ولكن منسوب الحقد الذي نراه اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي بين بعض التيارات السورية واللبنانيين الموالين لحزب الله يعني شيئا واحدا وهو أن المشروع الفتنوي في الشرق الأوسط نجح في آداء مهمته بشكل كبير وهذا أخطر ما يتهدد الأمة لأن الفتنة أشد من القتل وهي المدخل الرئيسي الذي يمكن من خلاله تنزيل أهداف مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تم التنظير له قبل طوفان الأقصى بعدة سنوات!
عندما تم الإعلان عن اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في الغارة التي استهدفته بضاحية بيروت الجنوبية تم إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بكم هائل من التدوينات وأشرطة الفيديو الشامتة في موت الرجل من طرف مجموعات سورية رأت في موته عقابا إلاهيا له عن الجرائم التي اقترفها حزبه في سورية ضد آلاف السوريين دفاعا عن نظام بشار الأسد!
لا شك أن بشار الأسد ارتكب جرائم مقرفة ضد شعبه في سورية، ولا شك أن روسيا وايران وأذرعها في لبان والعراق لم يقصروا بدورهم، ولكن هل من المنطقي تصديق السردية التي تروج لها اليوم بعد التيارات السورية، دون استحضار ما حدث بالفعل في سوريا سنة 2011، ودون كشف الخلفية الحقيقية لذلك؟
في سنة 2013 نشرت مقال رأي بأحد المواقع الإلكترونية الكبرى حينها في المغرب عنوته ب ” المحتالون على سورية” وحاولت في هذا المقال التحليلي تقديم رؤية موضوعية لما حدث آنذاك في سورية وكانت خلاصته أن النظام السوري لم يكن مسؤولا لوحده عن الجرائم التي اقترفت ضد الشعب السوري بل إن المسؤولية كانت مشتركة بين أكثر من طرف دولي لأن سورية تحولت إلى ساحة حرب مفتوحة واستباحت أرضها مخابرات دولية عدة!
تركيا كان لها دور كبيرا في سورية، وايران كان لها دورا بارزا ايضا في سورية، والأمر نفسه ينطبق على دول الخليج، وعلى عدد كبير من الدول الغربية والاوروبية، التي عبأت أجهزة مخابراتها وكل إمكانياتها لتخريب سورية، وإلا فمن كان يمول الجيش السوري الحر، وآلاف الدواعش الذين وفدوا إلى سورية من كل فج عميق في إطار محاصصة دولية؟
حزب الله دخل إلى الحرب لأنه يعتبر أن أمنه من أمن النظام السوري لأن هذا النظام كان هو حاضنته الرئيسية في كل الحروب التي خاضها الحزب ضد الاحتلال الاسرائيلي مند تأسيسه سنة 1982 وأي سقوط له يعني نهاية المقاومة في جنوب لبنان وبالتالي إنهاء دور حزب الله عسكريا وسياسيا ووجوديا بعد المحاولات التي تمت للسيطرة على المناطق الحدودية بين سورية ولبنان ولاسيما بمنطقة القصير التي تم تطهيرها من طرف حزب الله.
لا ألتمس العذر لحزب الله عن جرائمه التي اقترفها في سورية وراح ضحيتها آلاف الأبرياء ولكن باستحضار قاعدة أن الضرورات تقدر بقدرها فإن حزب الله لم يكن له أي خيار آخر غير دخول الحرب في ظل عسكرة الحراك السوري بشكل متسارع وفي ظل دخول آلاف المقاتلين إلى سورية عبر الحدود التركية السورية والكل يتذكر ما الذي حدث بين الجيش السوري الحر ومقاتلي داعش في عدد من المدن السورية التي فقد الجيش السوري السيطرة عليها!
ما حدث في سورية لا يمكن التعاطي معه بشكل مظلل لأن المجرمين كانوا كثر وإذا كنا نلتمس العذر لاخواننا السوريين الذين اكتووا بنار الحرب في سورية وفقدوا عوائلهم بفعل نشاطات حزب الله العسكرية فهناك ضحايا سوريين آخرين اكتووا أيضا بنار التنظيمات الإرهابية التي تم اغراق سورية بها في إطار محاصصة دولية تم كشفها فيما بعد وفق تقارير منظمات دولية غير مشكوك في مصداقيتها.
عندما وقعت حرب تموز 2006 وقد شاءت الاقدار أن أكون حينها في بيروت فتح السوريين بيوتهم لاخوانهم في الجنوب اللبناني وهذه حقيقة لا ينكرها إلا جاحد بل حتى الخلاف السياسي الذي كان عنوان المرحلة في علاقة بعض التيارات السياسية اللبنانية مع النظام السوري تم تعطيله ظرفيا مراعاة للظروف العصيبة التي تمر منها لبنان وحرصا على الوحدة الوطنية رغم كل الجراح التي أعقبت اغتيال الشهيد رفيق الحريري رحمه الله وسط بيروت!
ما يقع الآن في مواقع التواصل الاجتماعي من تسعير نار الفتنة والطائفية بين السوريين واللبنانيين والعراقيين هو مخطط جهنمي تقف خلفه أطراف دولية كثيرة وأيادي سوداء عديدة تخدم أجندة مشروع الفوضى الهدامة وإلا ما الذي يفسر كل هذا الكم الهائل من التصريحات الصادرة عن صدام احسين والعقيد معمر القذافي التي تناولت العلاقة مع إيران وما الذي أخرج الشهيد رفيق الحريري من قبره لتذكير العالم بجريمة اغتياله؟
من هذا المنطلق لا بد من اتخاذ الحيطة والحذر في المغرب من مغبة السقوط في فخ الخطابات الطائفية الفتنوية التي يخوض فيها البعض لاسيما وأن مواقف المغرب واضحة تمام الوضوح وهي المواقف التي تجسدها الدبلوماسية المغربية من خلال استحضارها لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني دون أن تتخد اي نزوع ديني أو طائفي مقيت!
الدولة المغربية لها قنواتها الدبلوماسية التي تصرف من خلالها مواقفها المتزنة بكل مسؤولية وشجاعة وغير معنية على الإطلاق بأي خطاب طائفي فتنوي تحريضي لأن إمارة المؤمنين في المغرب مؤسسة قائمة بذاتها ولها هياكلها المؤسساتية التي تصرف من خلالها مواقفها الرسمية التي تتبناها استنادا لمرجعيتها!
التحليل في إطار ممارسة حرية الرأي والتعبير أمر مقبول، والدولة المغربية افردت بابا كاملا للحقوق والحريات، ولكن أي محاولة لممارسة الوصاية على الدولة من خلال الخطب السياسية او الدينية كيف ما كانت مرجعيتها واديلوجيتها، فإن مآلها سيكون بكل تأكيد هو الفشل لأن الدولة في المغرب تستوعب ولا تستوعب واللبيب بالاشارة يفهم كما يقال!
تعليقات الزوار ( 0 )