Share
  • Link copied

الصديقي: لا يوجد لوبي إسرائيلي في المغرب.. وهناك جوانب معقدة في التوفيق بين المقاربة الواقعية والجوانب الأخلاقية لتداعيات الحرب على قطاع غزة

اعتبر سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، أن المغرب اتخذ موقفا حذرا ودقيقا، إزاء الحرب الدائرة اليوم في فلسطين، حيث استخدم لهجة معتدلة، مركزا على إدانة استهداف المدنيين، والدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار وحماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية

وأضاف الصديقي في مقال نشره باللغة الإنجليزية في الموقع الأكاديمي euromesco تحت عنوان “ المغرب والحرب في غزة: معضلة المبادئ والمصالح” أن هناك عناصر أساسية تحدد موقف المغرب في هذه المرحلة:

ـ الالتزام المبدئي بدعم الحقوق الفلسطينية.

ـ مصالح المغرب المترتبة عن الإعلان الثلاثي الذي وقع بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل في 22  ديسمبر 2020.

 ـ التعاطف الواسع مع القضية الفلسطينية في أوساط الشعب المغربي الذي يعارض الكثير منه تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وتساعد هذه العوامل المتضاربة، بحسب الأكاديمي المغربي، في تفسير طبيعة تفاعل المغرب – ومعظم الدول العربية – الرسمي مع أحداث غزة حتى الآن. ويبدو أن المغرب سيواجه تحديًا حقيقيًا في الأيام القادمة في إيجاد توازن مناسب بين هذه العوامل الثلاثة إذا استمرت الحرب لفترة أطول، وأدت إلى مشاركة عدد أكبر من الجماهير في المسيرات التي تدين الحرب على غزة.

فكيف يمكن للمغرب أن يحل هذه المعضلة، وهل سيتكرر سيناريو 2002 عندما أدى الاحتجاجات الشعبية على السياسة الإسرائيلية تجاه الانتفاضة الثانية إلى إغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط؟ وهل سيؤثر مثل هذا السيناريو على التطبيع الجاري للعلاقات بين المغرب وإسرائيل؟ يتساءل المقال.

المغرب وسياسة مسك العصا من الوسط

يرصد المقال تعاطي المغرب الرسمي مع حدث 7 أكتوبر، بحيث أعرب المغرب عن موقفه من الحرب في غزة منذ اليوم الأول للهجوم المتعدد الأوجه الذي شنته حركة حماس ضد القواعد العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية في المحيط الخارجي لقطاع غزة. واستخدم بيان وزارة الخارجية المغربية لغة معتدلة في بيانها حول الحدث. ورغم إدانته الصريحة لاستهداف المدنيين من قبل أي طرف، فإنه لم يحمل جهة معينة المسؤولية عن اندلاع هذه المواجهة الجديدة. وتجدر الإشارة إلى أنه لم تؤثر العلاقات الجديدة مع إسرائيل على علاقات المغرب مع الفصائل الفلسطينية، إذ لا يزال يحتفظ بعلاقات جيدة معها، بما في ذلك حماس، التي زارت قيادتها، وعلى رأسهم رئيس مكتبها السياسي حماس إسماعيل هنية، الرباط في يونيو 2021، وتمت استضافتهم في عشاء ملكي في قصر الضيافة بالرباط. وجدير بالذكر أن المغرب لم يواجه انتقادات حادة من الفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس، بعد توقيعه الإعلان الثلاثي، مقارنة بدول عربية أخرى (مثل الإمارات والبحرين على سبيل المثال) عندما انخرطت في اتفاقات إبراهيم.

وبعد أيام قليلة من اندلاع هذه الحرب الدائرة، دعا المغرب إلى عقد دورة استثنائية لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية بالقاهرة يوم 11 أكتوبر 2023. تضمن فحوى الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية المغربي وشؤون ناصر بوريطة في هذه القمة التعبير عن التضامن مع سكان غزة، والتذكير بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، والتحذير من التداعيات الإقليمية لهذه الحرب.

وفي أعقاب تصاعد المواجهات، ولا سيما بعد القصف المأساوي الذي تعرض له مستشفى المعمداني في غزة، والذي أدى إلى سقوط أكثر من  500  ضحية، أصدر المغرب إدانة شديدة لهذا الهجوم. وأكد مجددا ضرورة الوقف الفوري للأعمال العدائية مشددا على وجوب احترام القانون الدولي الإنساني. ومع ذلك، لا بد من التأكيد على أن هذه المواقف لم تشكل تحولا جوهريا في السياسة العامة للمغرب تجاه الأحداث الجارية، كما أنها لم تكن مؤشرا على تحول في مقاربته تجاه إسرائيل على وجه التحديد.

وفي “قمة السلام” المنعقدة بالقاهرة في 21  أكتوبر 2023، رصد الدكتور الصديقي في مقاله أن ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي، قد حاقظ على اللغة المعتدلة عينها، حيث لم يوجه انتقادات مباشرة لأي من أطراف النزاع. وبدلاً من ذلك، كرر الدعوة العاجلة لوقف التصعيد، مشددًا على ضرورة حماية المدنيين، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، ومعارضة تهجير الفلسطينيين، وبدء “عملية سلام حقيقية“.

ونوه الصديقي إلى أن التحليل الدقيق للتصريحات الصادرة عن وزارة الخارجية المغربية في الرد على الأحداث الجارية يكشف عن نهج متناسق، فعلى الرغم من تسارع الأحداث المركبة المرتبطة بهذه الحرب المتطورة، تمسك المغرب بموقفه الذي يمتنع عن تحميل المسؤولية لأي طرف في النزاع. فرغم تعديل المصطلحات والتعابير المستخدمة لتتناسب مع السياق المتغير وخطورة الصراع، فإن السمة الأساسية لموقف المغرب هي تجنب إلقاء اللوم على أي طرف بعينه حتى هذه اللحظة.

 التطبيع على المحك

لاحظ المقال أن التظاهرات الشعبية التي شهدتها مختلف المدن المغربية منذ 7  أكتوبر 2023، ومن بينها المسيرة التي نظمت بالرباط يوم 15 أكتوبر 2023، أن الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي تتضامن مع غزة، وتدين الاعتداءات الإسرائيلية. علاوة على ذلك، أكدت هذه الأحداث أن القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع لا تزال تشكل عناصر موحِّدة بين القوى السياسية المختلفة، وخاصة المعارضة الإسلامية واليسارية.

وفي هذا الصدد أصدرت معظم الأحزاب السياسية، بما فيها تلك الموجودة في الائتلاف الحكومي الحالي، بيانات تضامن مع الفلسطينيين وأدانت الهجمات الإسرائيلية على غزة. إلا أن الحركات الإسلامية واليسارية تظل هي الأكثر نشاطا في حشد الرأي العام لصالح القضية الفلسطينية. وبالإضافة إلى المسيرات الشعبية، يستخدم المغاربة منصات وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن التضامن ومشاركة الصور ومقاطع الفيديو لدمار الأحياء السكنية، والمدنيين، ومعظمهم من الأطفال، الذين لقوا حتفهم بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية في غزة.

وبحسب الباروميتر العربي، فإن معظم المغاربة لا يدعمون تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل، ويعتبرون الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يشكل خطرا كبيرا على الأمن الوطني. وقد أظهرت هذه الحرب أيضًا أنه على الرغم من وتيرة التطبيع التدريجية، فمن الواضح أن القضية الفلسطينية تظل أولوية قصوى ومحط اهتمام كبير لدى المغاربة. ومما بينته هذه الحرب أنه لا تزال هناك معارضة شعبية واسعة للتطبيع مع إسرائيل في كل الدول العربية، بما فيها المغرب، كما رأينا بوضوح خلال بطولة كأس العالم الأخيرة وأيضا في التظاهرات المؤيدة للقضية الفلسطينية في مختلف الدول العربية منذ اندلاع هذه الحرب الجديدة في غزة.

ويبدو حتى الآن أن تأثير هذه المظاهرات كان محدودا على الموقف الرسمي للمغرب. وعلى الأقل فقد أبدت السلطات تسامحا تجاه هذه المظاهرات، على عكس الأشهر السابقة عندما تم حظر بعض المسيرات المناهضة للتطبيع في الرباط. علاوة على ذلك، غادر موظفو مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط في 18 أكتوبر 2023، بأمر من وزارة الخارجية الإسرائيلية عقب تصاعد الاحتجاجات ضد إسرائيل. لكن الحرب المستمرة في غزة قد تعزز بشكل كبير حملات مناهضة التطبيع والمقاطعة ضد إسرائيل في المغرب.

والجدير بالذكر في هذا الصدد أنه لا يوجد لوبي إسرائيلي في المغرب؛ وبدلاً من ذلك يمكن الحديث عن وجود أفراد فقط لديهم بعض المصالح. ويؤكد هذه الحقيقة أنه على الرغم من الضغوط التي مورست على المغرب خلال أشهر كثيرة للتوقيع على الإعلان الثلاثي، فإنه لم يفعل ذلك حتى الأيام الأخيرة من رئاسة دونالد ترامب، وبعد التوصل إلى صفقة جيدة: اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وعليه، لا يمكن اعتبار الإعلان الثلاثي بمثابة تأسيس لتحالف بين الدول الموقعة، بل يمكن فهمه من الجانب المغربي بالديناميكية الجيوستراتيجية في المنطقة المغاربة، وخاصة قضية الصحراء الغربية.

وخلص المقال أن المغرب يجد نفسه، اليوم، تجاه الحرب في غزة بين مطرقة المصالح الجيوسياسية من جهة وسندان الضغط الشعبي والتزاماته التاريخية من جهة أخرى. ونظرا لعدم وجود مؤشرات على اقتراب الحرب من نهايتها، فإن المغرب سيظل تحت الضغط طالما استمرت الحرب.

وأكد أستاذ العلاقات الدولية أن المغرب اعتاد على اعتماد مقاربة واقعية وعملية في مثل هذه المواقف المعقدة، لكن  الجوانب الأخلاقية لهذه الحرب تشكل ضغطا كبيرا على صناع السياسة الخارجية المغربية، نظرا لأن التداخل بين الأخلاق والمصالح معقد للغاية في هذه الحالة.

Share
  • Link copied
المقال التالي