أثارت الزيارة الحالية التي يقوم بها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب، تساؤلات حول أهدافها والرسائل التي قد تحملها، وذلك في سياق يلفه الغموض حول العلاقات المغربية الجزائرية في إطار التطورات التي تعرفها الساحة الدولية بعد نجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية وتهاوي نظام بشار بسوريا على الصعيد الإقليمي.
الزيارة الخاصة وسياقاتها
على الرغم من الطابع الخاص لزيارة الرئيس الموريتاني للمملكة ، حيث كشفت وكالة الأنباء الموريتانية، أن ولد الشيخ الغزواني، غادر العاصمة الموريتانية نواكشوط، مساء أمس الأربعاء، متوجها إلى الرباط في إطار زيارة وصفتها بـ”الخاصة” دون الكشف عن معطيات أكثر حول الزيارة، في حين تحدثت تقارير إعلام محلية أن الغزواني حل بالرباط للاطمئنان على صحة حرمه مريم فاضل الداه، التي أجرت عملية جراحية بالمستشفى العسكري بالعاصمة، إثر تعرضها لوعكة صحية، فقد أثارت هذه الزيارة”الخاصة” اهتمام المتتبعين لمجريات المنطقة المغاربية نظرا للسياق الإقليمي التي تمت فيه . فقد أتت هذه
الزيارة الخاصة مباشرة بعد الزيارة التي قام بها عبد المجيد تبون لنواكشوط كأول زيارة يقوم بها رئيس جزائري لموريتانيا بعد أكثر من 37 سنة عن آخر زيارة قام الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد لهذا البلد الذي يعتبر منطقة جذب بين القوتين الإقليميتين في منطقة شمال أفريقيا. كما تأتي هذه الزيارة بعد زيارة رئيس الأركان الجزاءري سعيد شنقريحة لنفس البلد هي محاولة للضغط على الرئاسة الموريتانية لجرها إلى المحور الجزائري التونسي وإبعادها عن المغرب، خاصة بعد العزلة الدبلوماسية التي أصبحت تعاني منها الدبلوماسية الجزائرية، و بعد الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء، والتوتر الذي اندلع بين البلدين جراء ذلك. وبالتالي ، فهذه الزيارة وإن اتخذت طابعا خاصا لكي لا تثير حساسية النظام الجزائري خاصة في هذا الوقت بالذات، لكنها تحمل دلالة سياسية تؤكد على تشبث الرئاسة الموريتانية بحيادها الإيجابي وعدم الانجرار إلى أي طرف، خاصة وأنها المستفيد من هذا الوضع اقتصاديا وسياسيا وتجاريا. وقد ظهر ذلك بالخصوص أنه في الوقت الذي تم فيه استقبال الرئيس تبون كانت هناك زيارة عمل لرئيس البرلمان الموريتاني محمد ولد مكت إلى المغرب، وهو ما يعكس سعي موريتانيا المستمر للحفاظ على هذا التوازن في علاقاتها الخارجية مع جاريها الشمالي والشرقي.من هنا سعت هذه الزيارة إلى محاولة الحفاظ على هذا التوازن السياسي الحساس في علاقة موريتانيا مع القوتين الاقليميتين المتنافستين في المنطقة خاصة وأن الرئيس الغزواني قد قام بزيارتين للجزائر في الوقت الذي لم يقم بأي زيارة رسمية للمملكة لحد الآن. ومحاولة للتخفيف من هذه الحساسية السياسية استبق الرئيس الموريتاني الغزواني، وصوله للمغرب بإصدار بلاغ وقعه الوزير المكلف بديوان الرئيس، الناني ولد اشروقه، أكد فيه على “الطابع الشخصي للزيارة” ، والتشديد على أنها زيارة لعيادة زوجته التي تتلقى علاجها في المغرب، ثم أردفه مكتبه الخاص بإصدار بلاغ لزوجته تتحدث فيه عن وضعها الصحي وقرب تماثلها للشفاء.
من زيارة خاصة إلى زيارة رسمية
يبدو أن الزيارة التي قام بها الرئيس الموريتاني للمملكة ، وإن اتخذت في شكلها طابعا خاصا ، فقد كانت في عمقها زيارة رسمية ذات أبعاد استراتيجية في العلاقات الخارجية للدولتين . إذ على الرغم من التخوف من إثارة الحساسية الجزائرية ، فمنطق الدولة القائم على تغليب المصلحة قد كان موجها لهذه الزيارة ، حيث سرعان ما تحولت من زيارة ذات طابع خاص للتحول إلى زيارة رسمية بكل أبعادها البروتوكولية والمراسيمية ففي هذا السياق ، استقبل الملك محمد السادس، عشية يوم الجمعة بالقصر الملكي بالدار البيضاء، محمد ولد الشيخ الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية بما يكتسيه هذا التوقيت من رمزية دينية خاصة . الشيء الذي تكرس من خلال مظاهر الاستقبال الرسمي الذي أحيط بوصول الرئيس الموريتاني إلى القصر الملكي. إذ “استعرض محمد ولد الشيخ الغزواني تشكيلة من الحرس الملكي التي أدت التحية، قبل أن يقدم له التمر والحليب جريا على التقاليد المغربية الأصيلة”. علما بأنه قد سبق أن نزل بدار الضيافة بالرباط لدى مقامه بالمملكة . وبالتالي فقد اندرج هذا اللقاء حسب بلاغ للديوان الملكي “في إطار علاقات الثقة والتعاون القوية بين البلدين، وأواصر الأخوة الصادقة بين الشعبين الشقيقين”. حيث ثمن قائدا البلدين خلال هذا اللقاء على أعلى مستوى دبلوماسي التطور الإيجابي الذي تعرفه الشراكة المغربية – الموريتانية في جميع المجالات، وأكدا حرصهما على تطوير مشاريع استراتيجية للربط بين البلدين الجارين، وكذا تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي.
الوساطة المحتملة
يشار إلى أن الشيخ الغزواني، منذ وصوله إلى السلطة خلفا لمحمد ولد عبد العزيز، عمل على تحسين العلاقات السياسية لبلاده مع المغرب. فعلى الرغم بأنه لم يجري أي زيارة رسمية إلى المملكة، بخلاف باقي دول المغرب العربي ، فهو يطمح إلى توجيه العلاقات المغربية الموريتانية نحو حقبة جديدة من التعاون، تقطع مع عهد “العشرية السوداء” وسياسة الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز. فلقاء الرئيس الغزواني بالملك محمد السادس يعد الأول من نوعه، خلال ولايته الثانية في قيادة الجارة الجنوبية للمملكة .من هنا يمكن التكهن بإمكانية أن تحمل هذه الزيارة أبعادًا أخرى، منها أن الرئيس الموريتاني قد جاء للقيام بدور الوساطة بين المغرب والجزائر، خاصة في ظل الحديث عن إمكانية المصالحة المغاربية. إذ رجح في هذا الصدد أن تكون الجزائر قد حملت الرئيس الموريتاني مقترحات لبحث سبل إيجاد حلول للتخفيف من حدة الخلافات مع المغرب. خاصة بعدما شهدت العلاقات المغربية الجزائرية في الفترة الأخيرة توترات كبيرة، وضعت العلاقات بين البلدين أمام خيارين اثنين: إما التصعيد والتوجه نحو حرب مباشرة، أو البحث عن طرق لاحتواء التوتر وحل الخلافات بطرق سلمية. ولعل تداعيات سقوط نظام بشار الأسد بسوريا الذي كان يعتبر حليفا لروسيا ، قد تكون لعبت دورا في تفكير النظام الجزائري في البحث عن التخفيف من الأجواء المشحونة بالمنطقة خاصة بعد عودة ترامب إلى الحكم بالولايات المتحدة وتعيينه وزير خارجية معروف بموقفه المتشدد من هذا النظام ويعتبره عنصر عدم استقرار بالمنطقة بالإضافة الى العزلة الدبلوماسية التي يعاني منها النظام الجزائري بعد التوتر القائم مع فرنسا لاعترافها بمغربية الصحراء وعلاقات التوتر القائمة مع مالي المدعمة من طرف قوات الفيلق الافريقي الروسي ، بالإضافة إلى الدعم الاستراتيجي لدول الخليج للمملكة والذي دفع النظام الجزائري إلى تغافل وساطة سعودية سابقة لحلحلة الوضع بين البلدين . وفي ظل هذا الوضع المتأزم داخليا والمتوتر خارجيا يمكن أن تراهن بعض مكونات النظام الجزائري على الرئيس الموريتاني لنقل بعض مقترحات للوساطة بين الطرفين، مما قد يساهم في التخفيف من حدة التوتر، خصوصا وأن العاهل المغربي ، قد سبق في خطابين ملكيين أن عرض اليد الممدودة ، والقبول بالتفاوض بشأن منح منفذ للجزائرعلى المحيط الأطلسي في إطار المبادرة الأطلسية.
وعموما ، فزيارة الرئيس الموريتاني للمملكة تكتسي خصوصية دبلوماسية مميزة اقتضتها طبيعة البيئة السياسية المغاربية التي تتسم بالحساسية والمنافسة القرب الجغرافي . فهي زيارة بدأت خاصة لتتحول إلى زيارة رسمية لتحمل أبعادًا اقتصادية واستراتيجية وسياسية، وهو ما أكده بلاغ الديوان الملكي فيما يتعلق بأنبوب الغاز الإفريقي-الأطلسي نظرا لكون موريتانيا تشكل حلقة أساسية في هذا المشروع، الذي لا يمكن إنجازه دون المرور عبر أراضيها، وإدراك القيادة الموريتانية أن مصلحتها ترتبط بنجاح هذا المشروع مع المغرب. كما أن هذه الزيارة تعكس جهود موريتانيا للحفاظ على توازن علاقاتها بين المغرب والجزائر، خاصة بعد الجدل الذي أثير حول الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى موريتانيا، والتي اعتبرها البعض محاولة من الجزائر لضم موريتانيا إلى التحالف الثلاثي مع تونس والجزائر وليبيا.بالإضافة إلى ذلك قد تحمل هذه الزيارة الخاصة للرئيس الموريتاني وساطة محتملة لاحتواء التوتر بين المغرب والجزائر الذي بلغ درجة تنذر بإمكانية اشتعال حرب مباشرة بين البلدين، حيث يمكن أن يكون الرئيس الشيخ محمد الغزواني قد نقل بعض الاقتراحات الجزائرية لاحتواء هذا الوضع المحتقن والبحث عن حلول مرضية للطرفين خاصة بعد كل الانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب. وبالتالي ، فهذه الزيارة الخاصة للرئيس الغزواني إلى المغرب قد حققت حسب أحمد ولد عبيد، نائب رئيس حزب “الصواب” المعارض الموريتاني، ما لم تحققه الزيارات الدبلوماسية الرسمية .”فزيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المملكة المغربية، وإن كانت ذات طابع خاص لعيادة السيدة الأولى لموريتانيا، فقد حملت في جوهرها رمزية سياسية ودبلوماسية بالغة الأهمية. إذ أنها تأتي في سياق العلاقات التاريخية العريقة بين المغرب وموريتانيا، التي تتسم بتداخل ثقافي واجتماعي عميق، فضلًا عن روابط أخوية راسخة تجمع بين قيادتي البلدين. كما أنها خطوة مفصلية نحو “تطبيع” شامل للعلاقات، ودعوة صريحة لنواكشوط للخروج من موقف الحياد والاعتراف الكامل بمغربية الصحراء، بما يعزز دعم المملكة في إنهاء النزاع المفتعل حول وحدتها الترابية.”فهذه الزيارة الخاصة، في نظره توفر فرصة كبيرة لموريتانيا لتغيير موقفها التقليدي من النزاع، وهو الموقف الذي ظل حياديًا لفترة طويلة. فالتوجه نحو الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء سيكون له تأثير إيجابي عميق على العلاقات الثنائية، مما يعكس تحولًا في السياسة الخارجية لموريتانيا باتجاه تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع المغرب. إذ “حان الوقت لأن تنظر موريتانيا إلى مصالحها الوطنية مع المغرب، مما يعني الخروج من موقف الحياد إلى الاعتراف الرسمي بمغربية الصحراء”. ولعل هذا ما جعل من هذه الزيارة، في نظره ” بداية لمرحلة جديدة من العلاقات المثمرة بين البلدين، قائمة على الشراكة الاستراتيجية والاعتراف المتبادل بالمصالح الوطنية والقومية”.
تعليقات الزوار ( 0 )