يعيش النظام الجزائري اليوم، في عزلة وحالة من الصدمة بسبب إخفقاته السياسية والدبلوماسية سواء الداخلية أو الخارجية منها، ما جعله يغير بوصلته، وينهج سياسة تركيا وقطر، خصوصاً في الملف الليبي، وبدأت بوادار التقوقع الجزائري بادية للعموم، لاسيّما بعد دعم عدد من الدول الإفريقية والعربية وكذلك من منطقة الكاريبي، المتمثلة في جمهورية هايتي بفتح قنصلياتها بكل من مدينتي العيون والداخلة.
ومع هذا التغير الاستراتيجي الذي تنهجه الجزائر واصطفافها مع المحور التركي والقطري، تطرح العديد من الأسئلة حول ما مدى تأثير هذا التحول على وحدة القضية الوطنية.
الباحث الأكاديمي، إدريس جنداري، يرى أنه على إثر الخلاف، المعلن عنه إعلاميا، بين عسكر المرادية وبين دولة الإمارات، يبدو أن التوجه الجزائري نحو الوجهة الترك -قطرية بات مؤكدا، خصوصا مع ما أبداه عسكر المرادية من استعداد لتمكين تركيا من موطئ قدم في ليببا، مع تمكين اقتصادي في الجزائر.
تركيا الأردوغانية والنزعة البراغماتية
وأضاف، جنداري، صاحب كتاب “من أجل مقاربة فكرية لإشكاليات الربيع العربي”، في تصريح لموقع “بناصا” الإلكتروني، أنّ تركيا الأردوغانية، المعروفة بنزعتها البراغماتية، لا يمكنها أن تضيع فرصة استراتيجية من ذهب، مثل هذه التي يعرضها عسكر المرادية.
وشدّد المتحدث ذاته، على أنّ ما يهمنا كمغاربة، في ظل هذا التحول الاستراتيجي، هو مصالحنا الوطنية، أولا وأخيرا، وما تبقى تفاصيل، وفق تعبيره.
وأوضح، أنّه يجب قياس التأثير الذي سيمارسه علينا هذا التحول، خصوصا في ظل صعود النجم التركي، في منطقة البحر الأبيص المتوسط، ومنافسته لقوى دولية كبرى، كفرنسا وألمانيا، وعلى رأس قائمة هذه المصالح الصحراء – قضيتنا الوطنية الأولى.
ونبّه الجنداري، إلى أنّه على المغرب أن يكون حذرا من اختطاف عسكر المرادية لحليف استراتيجي له مواقف واضحة بخصوص قضية الصحراء المغربية، عبر عن استعداده لتدشين استمارات في مدن الصحراء المغربية.
وأكد الباحث الأكاديمي، أنه لا يجب الانسياق وراء الدوغمائية الفرنكفونية التي تضع كل البيض المغربي في السلة الفرنسية، دون حذر من سقوط السلة وتهشيم كل رصيدنا من البيض، خصوصا وأن الموقف الفرنسي الأخير، حول تدخل المغرب في معبر الكركرات، كان ضبابيا وملغوما، ويسعى إلى المحافظة على وضعية الستاتيكو التي تخدم المصالح الفرنكو-كولونيالية على التراب المغربي.
علاقة الجزائر بالإمارات في طريقها إلى القطيعة المعلنة
من جانب آخر، قال الخبير الاستراتيجي في قضايا الصحراء والشؤون المغاربية، عبد الفتاح الفاتحي، إنّ الخلاف الجزائري الإماراتي يتطور من سيء لأسوء، في ظل تزايد توجيه الاتهامات للمستثمرين الإماراتيين بالفساد، فيما يتعلق بعدد من المشاريع التي كانت تنفذ على التراب الجزائري.
وأوضح الفاتحي، في حديث مع “بناصا”، أنّ هذه المحاكمات والاتهامات تزداد عشية إعلان عدد من الشركات بتقليص استثماراتها في الجزائر. وهو ما ترى فيه الإمارات استهدافا لسمعة الشركات الإماراتية.
وأبرز المتحدث ذاته، أنّ تشنج العلاقات بين البلدين وتطورها على مستوى محاكمات الفساد بالجزائر، إنما يعود إلى اختلافات في الرؤى السياسية للبلدين حيث تصر الجزائر على أن تكون داعمة لمحور سوريا ايران وحزب الله وهو ما يعتبر دعما لأعداء الإمارات لاسيما بالنسبة لإيران التي تحتل جزرا اماراتية.
وأضاف، إذا عمقت الجزائر من عدائها للإمارات واعتبارها مصدرا لمشاكلها، فإنّ تلك الاتهامات ستطال حتما المملكة المغربية حيث تتحسن علاقاتها مع الإمارات عقب فتح قنصلية عامة لهذه الأخيرة بالعيون.
وتابع، أنّ هذه الممارسة السيادية بكل تأكيد ستفسرها الجزائر بأنه تحالفا مغربيا موريتانيا ضد أمنها القومي. وسيزيد من عدائها للمغرب عُنفا.
وأشار الخبير الاستراتيجي في قضايا الصحراء والشؤون المغاربية، إلى أنّ المؤكد بأن الجزائر ستترجم التقارب المغربي الإماراتي بأنه آلية للانتقام من المواقف الجزائرية التي كثيرا ما لا تتفق والموقف الإماراتي والخليجي بصفة عامة. وعليه، فإنه يتوقع أن تزيد الجزائر من عدوانيتها تجاه المغرب عبر تشجيع البوليساريو لتكثيف هجماته العسكرية ضد المملكة المغربية.
عموما، يُورد الفاتحي، فإنّ ارتكاب الجزائر لمزيد من الأخطاء على غرار ما انعكس في ممارسات البوليساريو بانتهاك المنطقة العازلة ثم إنهاء العمل بوقف إطلاق النار، سيزيد من عزلة الموقف الجزائري فييما يخص نزاع الصحراء. بل إنّ الموقف سيكون في غاية الارتباك فلا هي أبقت نفسها عرابة لدعم وتقرير مصير الحركات الانفصالية ولا هي عبرت عن مطامحها الواضحة في الصحراء.
موقف تركيا من الصّحراء ثابت
بدوره، قال عبد الإله السطي، الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، في اتصال هاتفي مع موقع “بناصا”، إنّ موقف تركيا تجاه قضية الوحدة الوطنية المغربية، هو موقف لحد الساعة يخدم مصالح المغرب، وقد شاهدنا بيان وزارة خارجية تركيا في قضية تأمين معبر الكركارات، وكيف أبدى انحيازه للمصالح التجارية المغربية وأيضا انتصاره لحق المغرب في تأمين معابره التجارية على حدوده الدولية.
وأكد عبد الإله السطي، أنّ موقف تركيا من مشكل الصحراء هو موقف ثابت منذ سنوات، وإذا ما رجعنا لبعض تصريحات أردوغان في هذا الباب خصوصا في زيارته الأخيرة للمغرب كيف أبدى انحيازه للحل السلمي الذي يحافظ على وحدة المملكة في ظل الحكم الذاتي بالمنطقة.
المصدر ذاته، أشار إلى أنّ مصالح الدولة التركية بالمغرب تفوق بكثير مصالحها بالجارة الجزائر لا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية السياسية، ولاحظتم كيف أن الموقف السياسي المغربي سواء في القضية الليبية أو في القضية السورية كان موقفا يخدم أيضا توجهات تركيا في المنطقة.
وبالتالي، يضيف المتحدث ذاته، أنّه إذا ما نظرنا للموضوع من زوايا متعددة سنخلص إلى أن التوازنات السياسية والتجارية في المنطقة، بالنسبة لتركيا يخدمها التقرب للمغرب أكثر من أي دولة أخرى.
المغرب في مصلحته الحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الدول.