بعد الفضيحة المدوية التي فجّرتها جريدة “بناصا”، بخصوص السرقة العلمية التي قام بها أنس اليملاحي، في أطروحة الدكتوراه التي خوّلت له لاحقاً الدخول للتدريس في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، خرج الأخير بردّ يدعي فيه أن هناك “مؤامرة” تستهدفه من قبل جهات لها أغراض أخرى.
السرقة ثابتة، والأدلة لدى “بناصا”.. توضيح لابدّ منه
وبخصوص الموضوع، فقد توصلت جريدة “بناصا”، أواخر شهر يناير الماضي، بمعطيات حصرية، تفيد بوجود سرقة علمية قام بها أنس اليملاحي، في أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه، والتي ناقشها موسم 2016/2017، من بحث ومحاضرات عبد العزيز الطريبق، الأستاذ الذي درّس الأول في معهد فهد للترجمة بمدينة طنجة.
وحرصت “بناصا”، بعد توصلها بالمعطيات، على التيقّن التام من الأمر، حيث بقي الموضوع قيد الدراسة والتبيّن لمدة 15 يوماً، إلى غاية التأكد، بعد الاطلاع على أطروحة الدكتوراه الخاصة باليملاحي، والتي تتوفر الجريدة على نسخة منها، وبحث ومحاضرات الأستاذ عبد العزيز الطريبق، والتي يملك الموقع، أيضا، نسخا منها.
عقب تفحص كافة التفاصيل والمعطيات المتعلّقة بالسرقة العلمية، والتأكد من ثبوت العملية، قامت جريدة “بناصا”، في الـ 11 من شهر فبراير الجاري، وذلك من باب الأدوار المنوطة بالصحافة في خدمة الصالح العام المجتمع، دون وجود أي “مؤامرة” كما ادعى “الدكتور أنس”.
بعد الجدل الذي خلّفه الموضوع، والنفي الذي خرج به اليملاحي، أكد الأستاذ عبد العزيز الطريبق، في تصريح لجريدة “بناصا”، نُشر في الـ 17 من شهر فبراير الجاري، بأن كلّ ما ورد في المقال الذي نُشر يوم الأحد 11 فبراير 2024، حول السرقة العلمية، “صحيح”، مطالباً “الدكتور أنس”، بالاعتذار والاستقالة الفورية من منصبه الحالي.
“مُعجزة ربانية” في الزمن الحاضر
كانت المعجزات بما هي خرق لقوانين الطبيعة، بمثابة “دليل قاطع”، يُنهي الجدل، ويقطع الشكّ باليقين، وبالرغم من أن جل علماء الدين، يُجمعون على أنها انتهت بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن مضامين أطروحة “الدكتور أنس”، تؤكد العكس، ليس فقط فيما يتعلق بهذا “التطابق” الذي يمكن وصفه بـ”المُعجزة”، والذي يدعي المعني أنه غير منقول، بل أيضا في حديث طفل لشخصية كبيرة عن تاريخ رجال الكتلة الوطنية.
لقد أورد اليملاحي في أطروحته، في أسفل هامش الصفحة 136: “والجدير بالذكر أن هذا الجدل، سيكون من بين الأسباب الرئيسية للخلاف بين السيد الناصري ورجال الكتلة الوطنية الذي سيؤدي إلى الانشقاق فيما بعد، وذلك كما صرح لي به نفسه في مقابلة معه بتاريخ 28/12/1986”.
ولم يكن “الدكتور أنس”، الذي لم ينتبه لهذا الأمر، وقتها، أي سنة 1986، يتجاوز سنتان على الأكثر، وهو ما يعني أن الأمر يتعلق بـ”معجزة ربانية” يجب أن تدوّن في سجلات التاريخ، بأن يُحدث طفل، شخصا، عن موضوع سياسي أكبر بكثير من عمره، أو أننا أمام “نقل أعمى” يؤكد السرقة العلمية.
الطريبق يتحدى اليملاحي.. “قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”
بعد رفضه الاعتراف بما اقترفه، وتشبثه ببراءته، وهو حقّه، خرج الأستاذ، ضحية السرقة، عبد العزيز الطريبق، في مقال جديد توصلت “بناصا” به، يتحدى فيه اليملاحي، ببعث أطروحته للمواقع والصحف التي تطرّقت للموضوع، على أن يرسل بدوره، بحثه الجامعي الأصلي وكتاباته ودروسه المستخرجة من البحث، لكي يتمكن الجميع من “التعرف على الحقيقة مباشرةً”.
وقال الطريبق، بخصوص نفي اليملاحي، لتزويده لطلبته (أي الطريبق لطلبته ومنهم أنس) في المعهد بهذه الدروس، إنه أنجز بحثه، لنيل دبلوم السلك الثالث في الصحافة والإعلام في سنة 1998، وكان سن “الدكتور أنس”، وقتها، “بالكاد يتعدى عشر سنوات، يستمتع خلالها بـ”الكابتن ماجد” كباقي أقرانه (ولا عيب في هذا)”.
وأوضح الطريبق: “فتحت عيني وسط الصحافة، بحكم مهنة المرحوم والدي، وتنسمت رائحة الصحف والمطابع منذ طفولتي، وكان من الطبيعي أن أقصد مركز تكوين الصحافيين في بداية السبعينات بعد الباكالوريا، ثم أعود للمعهد العالي للصحافة في بداية التسعينات لاستكمال مساري الدراسي في السلك الثالث للصحافة”.
وتابع الأستاذ ضحية السرقة العلمية، في مقاله، أن إعداده لبحثه عن الصحافة الوطنية في الشمال (1912-1956)، جاء “من باب حرصي على المساهمة في إعادة الاعتبار لتلك الصحافة، بعد أن لاحظت الثغرات التي تشوب التعرف عليها خلال دراستي”، مبرزاً: “أنجزت بحثي في جو علمي كثيف اقتربت فيه من شخصيات تطوانية (ببعد وطني) كبيرة كالسيدة حسناء داود والسادة المهدي بنونة (وكان ضمن اللجنة المشرفة على بحثي)، وبنعزوز حكيم ومحمد العربي المساري وعبد السلام الصفار وعبد الله التهامي الوزاني وعبد القادر الخراز، ومحمد الدحروش، وغيرهم كثير من الناس الناضجين فكريا، والذين استفدت من معلوماتهم الواسعة واستحضرتها خلال إنجازي لبحثي الجامعي (مع ذكرهم كمراجع طبعا ولا بخلق نظريات وهمية لعدم ذكرهم كما يفعل “دكتورنا”). فبماذا كان سيفيدني “الكابتن ماجد” حوالي 13 سنة بعد مناقشة بحثي وإخراجه للنور على شكل كتاب ودروس ومقالات؟”.
مجالسته في المقاهي.. كذْبة أخرى لليملاحي
أما عن كونه كان يجالسه في المقاهي، خارج الإطار الدراسي، فهذه، يؤكد الطريبق: “كذبة أخرى إذ لم أصادفه خارج المعهد سوى صدفة وفي مرات جد قليلة. خلال فترة تدريسي هذه تعرفت على العديد من الطلبة النيرين ولم يكن أنس من بينهم، كان بعضهم إعلاميا مرموقا والبعض الآخر سيكون له شأن في مجال الإعلام فيما بعد، وقد استفدت فعلا من هؤلاء خلال المناقشات في الحصص الدراسية…”.
وردا على قول “الدكتور أنس”، بأن الدليل على قدراته المعرفية، هي نقطة 14.5 التي أعطيتها إياها ذات عرض (هناك من الطلبة من حصل على نقط أعلى حسب الطريبق)، تساءل الأستاذ: “وما علاقة هذا بالسرقة اللاحقة والثابتة؟ أن تحصل على هذه النقطة في عرض ما، لا يشكل أية ضمانة في كونك لن تسرق بحث جامعي آخر لضمه لـ”أطروحتك””.
اليملاحي يتوسل الطريبق للخروج بتصريح ينفي السرقة
ونبه الطريبق، اليملاحي، إلى أنه اعتمد في استنتاجاته، على نسخة من “الأطروحة”، سلمها بنفسه (أي الدكتور أنس)، إلى مقربين منه في تلك الفترة، متسائلاً: “وأنت تتكلم عن التغييرات التي أحدثت فيها بعد المناقشة، كيف يمكن تصحيح بحث حصل صاحبه على ميزة مشرف جدا؟”، مردفاً: “أهمس لك حذاري من التلاعب اللاحق بالبحث، فكل شيء موثق ومضبوط”.
أما بخصوص إفشاء الطريبق، لرسالة اليملاحي الصوتية، فقال الأستاذ: “لا مسؤولية لي في تعميمها رغم كوني لا أجد سببا في عدم نشرها، فليست بيننا أسرار يا دكتور”، مسترسلاً: “توسلت مني أن نخرج معك بتوضيح للرأي العام يهاجم مؤامرة أصحاب المقال الأول المنشور في موقع إلكتروني (بناصا)، حول سرقتك العلمية لأطروحتي. يعني تلتمس من ضحيتك أن تنقذك، فهل يجوز هذا؟ كان من الطبيعي ألا أجيبك عن طلبك الوقح هذا، وأفضل “النخال” التطواني، على أن أستعمل قاموسا من الكلام “المناسب” لفهلوتك..”.
وأكد الطريبق، أنه “درست المقطع الخاص بالغش، سطرا بسطر، ونقطة بفاصلة، ومستعد لوضع بحثينا رهن إشارة القراء للمقارنة”، مشيراً إلى أنه “لم يسبق لي الاهتمام ببحثك بكل بساطة، لأنك لم تسلمه لي لا بصفتي باحثا في نفس المجال ولا بالصفة التي اخترتها لي كمجالس لك في اقتسام خبراتك حول الصحافة بالشمال”، مضيفاً: “منطلق الاهتمام كان هو المقال وهالني ما اكتشفته وفهمت لماذا لم تسلمني نسخة من أطروحتك، ولماذا لم أحظ بـ”شرف” استدعائك لي لحضور مناقشتك كما يفعل العديد من طلبتي السابقين”.
بشأن رغبة “الدكتور أنس”، في الزج بنظام معهد فهد التربوي في الموضوع، أكد الطريبق، أنه لن يتبعه في هذا المسار، لأن “المعهد كان له ما له وما عليه في تلك الفترة، وأنا لم أكن سوى أستاذا زائرا غير معني بسير المعهد. ما كان يهمني هو اقتسام ما جمعته من معارف خلال مساري مع الطلبة والاستفادة من خبراتهم ومعلوماتهم ولم يكن أنس اليملاحي من بين أبرزهم…”.
الطريبق: اليملاحي مطالب بالاعتذار للمجتمع والجامعة، وليس لي
ويريد “الدكتور أنس” أيضا، حسب الطريبق، “أن يحشر السياسة في الموضوع بقوله إن كلامي لا يخلو من “خلفيات سياسية””، موضعاً:” “صح النوم” يا” دكتور”، حزب الاتحاد الاشتراكي كبرت على تقديره واحترامه في صيغته السابقة كما أتتبع باهتمام وأمل مساره الحالي لإعادة صياغة تموقعه في الساحة السياسية المغربية، في ضوء المتغيرات المعاصرة الشاملة. كما أنني انقطعت عن ممارسة السياسة المتحزبة منذ فترة تفوق عمرك يا “دكتور””، مسترسلاً: “ابحث لك عن “مبرر ” آخر غير هذا لشحذ التعاطف مع قضاياك الفاسدة”.
وأشار الطريبق، بهذه المناسبة، إلى أنه “لم أكن يوما زميلا للـ”دكتور” اليملاحي حتي أدخل معه في صراع مواقع. كما أنني لم أطلب منه تقديم اعتذار لشخصي، فلا غرض لي في اعتذاره، بل طالبته، ومازلت، بالاعتذار للمجتمع والجامعة لأن الغش في شهادة من حجم الدكتوراة هو تدمير للمجتمع والجامعة”، موضحا: “أما خرافة ملفه العلمي الصلب الذي كان سنده في الحصول على منصب الأستاذ الجامعي، فكيف لملف مبني على دكتوراة مسروقة في حوالي 80 صفحة أن يكون صلبا؟”، مختتماً مقاله: “بمطالبته من جديد بإرسال “أطروحته” لوسائل الإعلام كي يتمكن الجميع من مقارنتها مع دروسي، وهي لم تكن دروسا مجهولة يمكن التصرف فيها دون ذكر مصدرها يا “دكتور” !”.
تعليقات الزوار ( 0 )