يُفضل العشرات من المهاجرين المغاربة القصّر، عدم العيش في مستودعات سبتة القاسية والمخصصة لإيواء القاصرين، ويفضلون بدلاً من ذلك النوم في العراء في الشوارع أو في الحدائق أو على سفوح الجبال أو بين المنشآت والحواجز البحرية الخرسانية في ظروف غير إنسانية على شاطئ البحر.
ويلعب المهاجرون مع السلطات الإسبانية لعبة “القط والفأر” في هذه المأساة، حيث يختبأ القصر من الشرطة في سبتة، وينتقلون من حي إلى آخر بحثًا عن المأوى والطعام والماء، في محاولة لتجنب المواجهات العنيفة، ولا يقضي أغلبهم أكثر من ليلة في مكان واحد.
ووفقًا لتقرير حول الأزمة الأخيرة المنجز من طرف الجمعيات والمنظمات غير الحكومية نظير “No Name Kitchen” و”Solidary Wheels” و”Asociación Elin” و”Maakum Ceuta”، فإن حوالي 1500 طفل مهاجر – بعضهم لا تزيد أعمارهم عن 10 سنوات – يقيمون في ثلاثة مستودعات مزدحمة غير صالحة للإيواء في انتهاك تام لحقوق الأطفال.
وترى المنظمات الآنف ذكرها، أن هؤلاء المهاجرون، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 17 في الغالب، جاؤوا إلى إسبانيا من أجل حياة أفضل لأنه “لا حياة ولا عمل ولا مال” لهم في المغرب.
وبموجب القانون الإسباني، يتمتع الأطفال المهاجرون الذين يصلون إلى إسبانيا بنفس الحقوق التي يتمتع بها الأطفال الإسبان ولا يمكن إعادتهم إلى وطنهم دون موافقتهم، ومع ذلك، تم نقل حوالي 200 إلى أجزاء متفرقة من إسبانيا، بينما أُعيد العديد منهم بشكل غير نظامي، رغماً عنهم وضد البروتوكول الدولي.
وفي المستودعات المزدحمة، أُجبر الأطفال في البداية على التبول في زجاجات بلاستيكية لمدة أسبوع قبل تركيب خمسة مراحيض متنقلة، بيد أن الوصول إليها يُمنع في كثير من الأحيان؛ يستحمون في الخارج بالماء البارد لمدة أقصاها خمس دقائق.
وتتكون الوجبات المقدمة للقصر، غالبا من الماء والعصير والسندويشات الباردة، وينام أغلبهم على الأرفف ويمنعون من الخروج لاستنشاق الهواء النقي، وبمجرد إجراء اختبارات Covid-19 على الأطفال المهاجرين، يتم تخصيصهم في مستودعات للحالات الإيجابية أو السلبية على الرغم من أن المساحة المحدودة لا تسمح بالتباعد الاجتماعي.
ووصف التقرير المعنون بـ”انتهاكات حقوق الأطفال والفتيات والمراهقين والشباب المهاجرين في سبتة” الظروف في المستودعات بأنها “أرض خصبة للنزاعات الخطيرة” حيث يعاني الأطفال بشكل روتيني من “الإهمال والعقاب والترهيب والعنف من قبل الموظفين”.
وفي غضون ذلك، قالت إيرينا سامي، مراسلة العنف في جمعية No Name Kitchen الخيرية، إن الدولة أخفقت في تحمل مسؤولية الأطفال الذين يعيشون في الشوارع في سبتة وخارج نظام حماية الطفل في وقت تُنتهك فيه حقوقهم كل يوم.
ولفت التقرير، إلى أنه لا توجد هيئة أو وكالة خارجية تراقب وتقيم ما يجري في ثغر سبتة باستثناء منظمة إنقاذ الطفل، التي تضم خمسة موظفين لتحديد وتقييم القصر في أحد المستودعات، أما بقية الأطفال فلا حول لهم ولا قوة.
وأوضحت إيرينا سامي، أن “الأطفال غير المصحوبين بذويهم يعيشون في الشوارع على الصدقات خارج محلات “السوبر ماركت” ومحطات البنزين، إذ لا يتعلق الأمر ببقائهم على قيد الحياة فحسب، بل بصحتهم العقلية أيضا، مؤكدة أنهم عانوا من عدوان السكان المحليين، وتعرضوا للكم والضرب، واستخدم مهاجموهم السكاكين والأسلحة لترهيبهم.
وعلى صعيد آخر، أبرزت المتحدثة ذاتها، أن “القصر يواجهون أيضا اعتداء من طرف رجال الشرطة والأمن، حيث أخبرنا طفل يبلغ من العمر 14 عامًا أنه كان في مرحاض بأحد المستودعات ودخل شرطي وضربه. إنها إساءة استخدام للسلطة، ولا نعرف سبب حدوثها”، وفق تعبيرها.
وتابعت، “نحن نعمل بشكل عاجل لإبلاغ القاصرين بحقوقهم وتعليمهم كيفية اتخاذ قرارات صحيحة، يجب أن يفهموا أنه يجب عليهم الإبلاغ عن هذه الإساءة، كما يجب إيجاد حلول كريمة لهؤلاء الأطفال، ونعتقد أن أفضل شيء يمكن أن يحدث هو إعادة توطين القاصرين، وحتى ذلك الحين، يجب إيجاد مساحات أفضل لهم، ولا ينبغي معاقبتهم لسعيهم إلى حياة أفضل”.
ويأتي تدفق المهاجرين الشهر الماضي إلى ثغر سبتة المحتلة والتي تعاني من معدلات البطالة المرتفعة، وسط تصاعد التوتر بين الرباط ومدريد، على خلفية استقبال الأخيرة، زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي بهوية مزورة على أراضيها.
وأكدت إيرينا، أنّ الأزمة كانت بحاجة إلى استجابة إنسانية بدلاً من استجابة سياسية، إذ أنه في غضون أيام من التدفق، نشر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز قوات لتسيير دوريات على الحدود مع المغرب، ونشر عربات مدرعة على طول الشاطئ.
وأشارت مراسلة العنف في جمعية No Name Kitchen الخيرية، إلى أنّ الأزمة، تأججت بزيارة سانتياغو أباسكال، زعيم حزب “فوكس” اليميني المتطرف الإسباني، المعادي للمسلمين والمهاجرين، لمدينة سبتة، والذي دعا في وقت السابق إلى إقامة جدار على الحدود لوقف تدفق المهاجرين.
تعليقات الزوار ( 0 )