Share
  • Link copied

التضامن الإسلامي: رحلة بناء الجسور في مكة المكرمة

في  أقدس مكان معتبر لدى المسلمين و  في وقت يعاني فيه العالم الإسلامي من انقسامات وتوترات، ، تأتي مبادرة رابطة العالم الإسلامي بعقد مؤتمرها الدولي في مكة المكرمة، خلال يومين 7 و 8 من شهر رمضان المبارك، بعنوان “بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية”، وذلك برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، يجمع المؤتمر نخبة من علماء الأمة الإسلامية، الذين يسعون إلى إيجاد نقاط التقاء والتوافق بين المذاهب، وتجاوز الخلافات الفقهية من أجل تعزيز الوحدة الإسلامية والتضامن بين أبناء الأمة الإسلامية.

تأتي أهمية هذا المؤتمر في تعزيز الوحدة الإسلامية وتفعيل الحوار بين المسلمين، خاصة في ظل تصاعد تيارات الغلو و التكفير و الاقصاء الطائفي ناهيك عن الانقسامات والتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية. ويهدف المؤتمر إلى استحضار مبادئ الوسطية والاعتدال التي تشتمل عليها الرسالة الإسلامية، وتشجيع التعاون وتبادل الآراء بين أتباع المذاهب المختلفة،وتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل وقبول الآخر، وإيجاد حلول مشتركة للتحديات التي تواجه المسلمين في العصر الحديث.

إن أهمية الوحدة ومكانتها بالنسبة للمجتمعات الإنسانية عامة والمجتمعات الإسلامية خاصة، أمر أجمع عليه العقلاء والعلماء. والوحدة مفهوم إسلامي عظيم، يشمل بسماحته جميع دوائر الوجود الإنساني، ويغطي جميع العلاقات الفردية والجماعية والدولية، فالإسلام هو دين التوحيد ودين الوحدة، وحدة الشعور والشعائر. والآيات في تأصيل الألفة والحث على الوحدة كثيرة، فهذه أوامر بالاعتصام بحبل الله تعالى وإقامة دينه مقرونة بنواهٍ عن التفرق والنزاع مع التنبيه إلى النتائج الحتمية المتمثلة في الفشل الذي يعنى العجز عن الوصول إلى غاية هداية الخلق، وعمارة الأرض بالحق.

الوحدة لها أسسها الجامعة، ولها جسورها الممتدة من هذه الأسس والمؤدية إليها. فالأساس الأول لهذه الوحدة هو شهادة التوحيد، شهادة أن لا إلهَ إلا الله وأن مُحَمَّداً رَسُولُ الله. والأساس الثاني هو إقامة شعائر الإسلام الظاهرة التي يجتمع عليها المسلمون. هذه الأسس الجامعة تنمو على ضفافها أزهار المحبة، وتنبثق من خلالها روح الأخوة الإسلامية.

ومن خلال هذه الأدوات المتنوعة والجسور المتعددة يمكن أن نعبر إلى واحة التعايش الغناء وربوع الاخوة الفيحاء في ظلال الإسلام الوارفة ورحمته الشاملة. وهذه الوحدة ليست وحدة طاردة بل تتعايش مع عموم البشر بمختلف أديانهم وأعراقهم على قاعدة المشتركات الإنسانية أو قاعدة المصالح التي بنى عليها العز بن عبدالسلام كتابه “قواعد الأحكام في مصالح الأنام”. وهذا مؤتمر الوئام والسلام يسعى لتحقيق هذه الغاية النبيلة بقيادة رابطة العالم الإسلامي و أمينها العام معالي الدكتور محمد عبد الكريم العيسى، لتوحيد المسلمين وتعزيز التعايش والسلام فيما بينهم،تأمل رابطة العالم الإسلامي في أن تكون لها دور فاعل في تعزيز الروح الوحدوية بين المسلمين، وفتح آفاق جديدة للتعاون والتضامن بين أتباع المذاهب الإسلامية خاصة في هذه الظروف السياسية، وبناء جسور التواصل والتفاهم المتبادل في سبيل تحقيق الصلاح والتقدم للأمة الإسلامية.

و في سعينا لتعزيز التقارب بين المذاهب الإسلامية، يبرز دور الأصول المشتركة والمناهج الفقهية كأساس للتقريب بين المذاهب الإسلامية. تُعتبر هذه الجهود ضرورية لتجاوز الخلافات الفرعية التي طالما أثرت على التماسك الداخلي للمجتمعات الإسلامية.

الأصول المشتركة بين المذاهب، مثل الاعتماد على القرآن والسنة، والإجماع، والقياس، تشكل قاعدة متينة للحوار والبناء المشترك. من خلال التأكيد على هذه الأسس، يمكن للمسلمين تعزيز فهم مشترك يسمح بتجاوز الخلافات التي نشأت من تفسيرات وممارسات متباينة.

إن التركيز على الأصول المشتركة والمنهجية في التعامل مع الاختلافات يمكن أن يعطي دفعة قوية للتقارب بين المذاهب الإسلامية. هذا يتطلب من العلماء والمجتهدين في عصرنا الحالي السعي للحوار والتفاهم المبني على الاحترام المتبادل، مع الرجوع إلى الأصول الجامعة التي تُظهر غنى وتنوع التراث الفقهي الإسلامي.

إحدى أهم مخرجات المؤتمر هي إصدار “وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية”، التي تعتبر مرجعية للعلماء والمفكرين في توجيه العلاقات بين أتباع الدين الواحد ، والتي تهدف إلى تعزيز روح الأخوة والتسامح بين المسلمين وتعزيز الوحدة الإسلامية و تجاوز التاريخ و حمولاته الثقيلة المليئة بالأحقاد و التآمرات و الاقتتال الطائفي، إد تعتبر هذه الوثيقة إطاراً مرجعياً يمكن العمل به لتوجيه العلاقات بين أتباع المذاهب الإسلامية .

تتضمن وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية مجموعة من القواعد والمبادئ التوجيهية التي تهدف إلى تعزيز التفاهم والتعاون بين المسلمين، ومنع انزلاق الخطاب الديني إلى الممارسات الطائفية والمتطرفة. كما تسعى الوثيقة إلى تعزيز قيم الحوار والتسامح ونبذ التطرف والغلو، وتعزيز الأمن والاستقرار في المجتمعات الإسلامية وخارجها.

علاوة على ذلك، تحمل وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية رسالة إلى العالم بأسره، تؤكد على أهمية تعايش الأديان والمذاهب وتقدير التنوع الثقافي والديني. ومن خلال هذه الوثيقة، تعبر المملكة العربية السعودية عن التزامها بتعزيز السلم والتسامح ونشر روح الوئام والتعايش السلمي بين شعوب العالم.

بالإضافة إلى ذلك، تسلط وثيقة بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية الضوء على أهمية تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه التصدي للتطرف والعنف وتشجيع التعايش السلمي وحل النزاعات بالطرق السلمية والبناءة.

من خلال هذا التحليل، يمكن رؤية أن الوثيقة تعتبر خطوة إيجابية نحو تعزيز التواصل والتفاهم بين المسلمين، وتعزيز السلم والتعاون بينهم. ومن المهم جداً تطبيق مبادئ الوثيقة على أرض الواقع بشكل عملي، من خلال تعزيز الحوار وتعزيز الوحدة الإسلامية في مواجهة التحديات التي تواجهها الأمة الإسلامية في العصر الحديث.

Share
  • Link copied
المقال التالي