في وقت يتعاظم فيه دور العملات المشفرة في العالم، وتحديدا البتكوين (Bitcoin) التي تجاوزت قيمة 50 ألف دولار، تسارع كثير من البنوك المركزية إلى التفكير في اعتماد تحول جديد بالنسبة للنقود التقليدية لمواكبة هذا التطور.
ويسود تخوف من تحول بتكوين إلى عملة دولية تهدد مكانة العملات الكلاسيكية، وتهدد دور البنوك المركزية في صناعة النقود والتحكم في حجم الكتلة النقدية المتداولة وتنظيمها، ومعلوم أن العملات المشفرة لا تخضع لأي رقابة من قبل الحكومات أو المصارف المركزية أو أسواق المال.
وكانت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، قد دعت الحكومات للتنسيق من أجل تشريعات ملزمة لتقنين التعامل مع بتكوين.
وفي السياق أنشأ البنك المركزي المغربي (بنك المغرب) لجنة مؤسسية مخصصة لدراسة موضوع العملة الرقمية، وتحليل المزايا والمخاطر ومدارسة التدابير الواجب اتخاذها.
وكان المغرب في وقت سابق قد منع أي تعامل أو تداول خارج النقود المعترف بها وعدّ “المعاملات بالنقود الافتراضية مخالفة لقانون الصرف الجاري به العمل، ويُعرض مرتكبيها للعقوبات والغرامات المنصوص عليها” (حسب بلاغ كان قد أصدره مكتب الصرف في وقت سابق).
- لماذا تتخوف بعض الدول من التعامل بالعملات المشفرة؟
يقول الخبير في المالية الدولية أبو الجواد كمال -للجزيرة نت- إن الحكومات لم تعد قادرة على تجاهل هوس العملات الافتراضية، ومسألة تنظيمها مطروحة على الطاولة دوليا.
ومع استخدام العملات المشفرة أكثر، يرى كل من أبي الجواد وأستاذ المالية واقتصاد المؤسسات سعيد يوسف، أن الخطر الرئيس هو غياب حماية المستهلك، بسبب عدم وجود حماية تنظيمية وإطار قانوني لتغطية الخسائر، فضلا عن التقلب السريع للعملة الرقمية، وإمكانية استخدامها لأغراض غير مشروعة أو إجرامية.
ويضيف سعيد يوسف أن التخوف يهمّ أيضا فقدان سيطرة البنوك المركزية على رواج النقد وما يترتب عليه من فقدان العائدات الضريبية وعمولات الوسائط المالية.
- ما إيجابيات الانفتاح على العملات المشفرة؟
من أبرز إيجابيات العملات الرقمية، كما يرصد سعيد يوسف، جلب أموال وطرق جديدة للاستثمار، وارتباط العملات الرقمية بالتطور التكنولوجي وتطور بنوك المعلومات والبيانات، معتبرا أن التداول في العملات الرقمية نافذة على تحديث المالية الدولية.
ومن جانبه يحدد أبو الجواد مزايا هذه العملات المشفرة في:
- اللامركزية، إذ تعمل معظم العملات المشفرة بطريقة لامركزية، اعتمادًا على الخوارزميات الخاصة بها.
- سرعة معالجة عالية لا رجعة فيها، فهي تساعد على منع تزوير السجلات والاحتيال في النظام.
- السرية والخصوصية، فهي لا تحتاج إلى تقديم أي بيانات شخصية، لاستخدام النظام، مما يسمح لك بالبقاء مجهول الهوية وإخفاء التكاليف الخاصة بك.
- غير حساسة للتضخم، فلدى العملات المشفرة آلية متطورة لمنع التضخم.
- العملات المشفرة مفتوحة ومتاحة للجميع، بما في ذلك الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المحرومة حيث لا تتوفر خدمات مالية أخرى، ويكفي توفر الإنترنت.
- ما الاستعدادات القبلية التي يجب أن تعتمدها البنوك المركزية قبل السماح بتداول العملات الرقمية؟
يرى الخبير المالي سعيد يوسف أن أول ما يلزم توفره هو لجنة متابعة وهو ما يقوم به المغرب حاليا، معتبرا أن التغير قد يكون مفاجئا وقد يكون صادما.
ويوضح سعيد يوسف أن المغرب اعتمد لجنة لمتابعة “الدفوعات غير التلامسية”، مشيرا إلى أن البنوك المركزية عالميا تتغير من أجل مواجهة الأسوأ، وتعدّ السند القانوني لتتبع وإيجاد الحلول للشكل الجديد من العملات من الجانب القانوني والاقتصادي والتكنولوجي، وتعمل على تكوين العنصر البشري.
ويقول أبو الجواد كمال إن أوروبا ستكون لها عملتها المشفرة السيادية “اليورو الرقمي”، وتنوي تقديم مكافئ رقمي 10% لليورو، موضحا أن الهدف هو متابعة المستخدم في استخداماته اليومية، ويضيف أن الأوروبيين مثلا اتجهوا بشكل متزايد إلى الرقمية في أنماط استهلاكهم ومدخراتهم واستثماراتهم.
- ماذا ستخسر الدول إذا لم لحق بركب العملات الرقمية المتسارع عالميا؟
يؤكد الخبيران أن العملات المشفرة تقنية جديدة، وهي مدخل لتحديث الاقتصاد، ويستخدم عدد كبير من الأشخاص العملات المشفرة في عمليات الدفع والمشاركة في الإنتاج وجني الأموال من تقلبات السوق، ويمكن أن تصبح العملات المشفرة عملة المستقبل مع إمكانات كبيرة للتطوير.
يقول سعيد يوسف إن التغيير يسير في اتجاه الرقمي دوليا ولا يمكن إهماله، معتبرا أن الدول الناشئة والتي في طور النمو ستكون مجبرة على اللحاق.اعلان
وأشار سعيد يوسف إلى هيمنة الدولار على النقد الدولي، ولفت إلى مواجهة جديدة بين الصين والولايات المتحدة، واتجاه الصين لاعتماد عملة مشفرة خاصة بها.
ويجزم سعيد يوسف بأن العملات المشفرة المضمونة من البنوك المركزية التي تتوفر على سند قانوني ستكون أكثر قوة.
- بالنظر إلى التطور الحادث على المستوى الرقمي بالمغرب؛ هل يسمح بتنظيم وتداول العملات الرقمية؟
يرى أبو الجواد كمال أن عملة البتكوين موجة والجميع يريد الاستفادة منها، مشيرا إلى أنها فقاعة لن تتوقف عن النمو، لكنها ستنفجر في النهاية، إذا لم تواكبها تشريعات تجعل من الممكن تأمين المعاملات بها.
من جانبه يؤكد سعيد يوسف أن السياسة المالية للمغرب تسير في طريق التجديد، وأن المغرب يستعد للمواكبة، ويضيف أن التحليلات المالية تظهر اتجاه المغرب نحو اعتماد الدرهم الرقمي في أفق قريب، وتعزيز وسائل الدفع الإلكترونية، وتخفيض استعمالات النقد في أفق الاستغناء عن “الكاش”.
الجزيرة
تعليقات الزوار ( 0 )