Share
  • Link copied

الأحمدي: استقلالية القرار التركي يؤجج الصراع الحضاري مع الغرب

نورالدين لشهب من اسطنبول


مرة أخرى، استطاعت الحكومة التركية أن توحد الشعب التركي، موالاة ومعارضة، بعد المرة الأولى قبل ثمانية أشهر من المحاولة الانقلابية الفاشلة؛ ففي هذه المرة، كان الرد حاسما ضد إهانة وزراء أتراك، الوزير جاويش أوغلو والوزيرة فاطمة البتول ومنعهما من دخول هولندا.

وهكذا، جاء الرد التركي بمنع هبوط أي طيران هولندي على أرض تركيا ومحاصرة السفارة الهولندية وإغلاقها ومنع عودة السفير الهولندي إلى أنقرة. وهكذا، تفاعل الشعب التركي ونسي خلافاته، ووقفت المعارضة العلمانية الرافضة للتعديلات الدستورية وراء المواقف الحكومية الرسمية التي يقودها حزب العدالة والتنمية.

وتأتي هذه المواجهة بين تركيا وبين الغرب في إطار صراع مستمر منذ قرون، حسب محمد مصطفى الأحمدي، الخبير المهتم بالشأن التركي، حيث كانت المواجهة مقنعة ومضمرة سابقا، في حين ظهرت اليوم مكشوفة للعيان.

وذكر الخبير في الشأن التركي، في حوار خاص، عدة أسباب أججت الصراع التركي الغربي؛ من أهمها استرجاع تركيا لموقعها الجيو-استراتيجي ولعب دور مهم في السياسة بالشرق الأوسط، ولا سيما بعد ما سمي بـ”الربيع العربي”.

كما تطرق الحوار إلى الملف الكردي والتعديلات الدستورية ومواضيع أخرى …

كيف ترى المواجهة الأوروبية مع تركيا حاليا؟

المواجهة الأوروبية لتركيا ليست وليدة اليوم، بل تدخل في إطار صراع مستمر منذ قرون، صراع تغذّيه الكثير من العوامل الجغرافية والتاريخية والدينية. وقد أخذ هذا الصراع أشكالا ووجوها متعددة عبر التاريخ، بين مد وجزر.. خلال السنوات الماضية، كانت المواجهة مقنعة؛ لكنها أصبحت، الآن، مكشوفة وعلى جبهات متعددة.

إن الغرب عموما وأوروبا خصوصا ترى دوما في تركيا امتدادا للدولة العثمانية ورأس حربة العالم الإسلامي؛ حتى في فترة مصطفى كمال أتاتورك، الذي عمل على تقريب تركيا من العالم الغربي عن طريق فك ارتباطها بعمقها الحضاري.

وهكذا، عاشت تركيا فترة تاريخية في شبه عزلة عن محيطها العربي الإسلامي امتدت إلى أكثر من سبعين سنة فتح لها الغرب أبواب الانضمام إلى منظمات عملت على تعميق الهوة بين الأتراك وبين عمقهم الإستراتيجي الحضاري، وجعلت من تركيا الحارس والمراقب الجنوبي للحلف الأطلسي. كما أن الغرب دعم الجيش، ليبقى متحكما في زمام الأمور؛ بل ساند الانقلابات المتتالية ضد الديمقراطية، من قبيل إعدام رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، والصمت بعد انقلاب كنعان ايفرين، والانقلاب الفاشل الذي حدث منذ ثمانية أشهر.

ما هي الأسباب الحقيقية التي تجعل دولا أوروبية تقف ضد تركيا؟

هناك أسباب كثيرة؛ ولكن يبقى من أهمها أن تركيا عملت، خلال السنوات الأخيرة، على استرجاع موقعها بالمشهد الإقليمي للعالم الإسلامي، ولم ترد أن تبقى ورقة ثانوية تتحرك في فلك الدول الأوروبية دون أن تكون لها سياسة اقتصادية لا ترتبط بالغرب كلية، بل تعمل على تنويع أسواقها ومجالاتها؛ وذلك بالارتكاز على مشاريع ضخمة ستجعل منها محور استقطاب وجلب للاستثمار.

ومن خلال المعطى الاقتصادي، تريد تركيا أن تؤثر في مجالها الجيو-إستراتيجي الحيوي، خصوصا بالعالم العربي والإسلامي، مع عقد اتفاقيات مع دول آسيا وأمريكا الجنوبية إضافة إلى دورها في ما بات يعرف بـ”الربيع العربي”.

كل هذا التطور حدث في ظل قيادة حزب العدالة والتنمية، الذي ترى فيه أوروبا عودة وحنينا إلى فترة الدولة العثمانية واسترجاعا لأمجادها.

ومن ثم، فإن الأسباب الحقيقية هي ذات بُعد حضاري اقتصادي إستراتيجي، ولا سيما مع تنامي النفوذ التركي بالبلقان على أبواب فيينا وتمكن الأتراك من منافسة الأوروبيين بالعديد من المجالات.

وهكذا، استطاعت تركيا أن تخرج من دائرة التبعية الاقتصادية، بنهج سياسات أعطت أكلها مع نهاية العشرية الأولى من بداية القرن الحادي والعشرين. وبرز هذا التحول من خلال تمكن تركيا من إنهاء المديونية الثقيلة ورسم سياسة اقتصادية تعتمد على الصناعة والبحث العلمي والتكنولوجيا المتطورة وتنويع المنتجات والبحث عن أسواق خارج التبعية التقليدية لأوروبا، حيث برزت نتائج هذه المجهودات نهاية سنة 2008 عندما حقق البلد ثاني نسبة نمو بعد الصين إبان الأزمة الاقتصادية التي عرفها العالم ساعتها.

هل الأحزاب المعارضة للحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية تقف إلى جانب الحكومة؟

أثبت الأتراك قدرة كبيرة على الالتفاف عند كل تهديد خارجي عبر التاريخ، وظهر هذا جليا ليلة الانقلاب منذ ثمانية أشهر. لذلك، يرى المراقبون أن تعامل النمسا وألمانيا وهولندا ضد مسؤولين حكوميين أتراك دفع بالكثير من معارضي حكومة بنعلي ايلدريم إلى الالتحام وتجاوز الخلافات ولو مرحليا.

وحسب قراءتي للمشهد السياسي التركي، وحتى ما قبل الأزمة الحالية مع أوروبا، يظهر أن النتائج ستكون لصالح التصويت بنعم بنسبة الثلثين تقريبا.

وهل أوروبا جادة في قطع علاقاتها مع تركيا؟

لن تصل الأمور حد قطع العلاقات، بل هي مرحلة شد الحبل في محاولة لإعادة تركيا إلى بيت الطاعة والاستجداء أو للضغط عليها وإرباكها لإيجاد شرخ بين مختلف الفصائل السياسية.

ويدرك الغرب هذا الأمر جيدا؛ وهو عامل يلعب عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمهارة في كل المناسبات، لأن الأتراك عاشوا فترة عزلة عن محيطهم، ولم يجدوا من الغرب إلا تكريسا للهيمنة وطمسا للهوية؛ وهي تحديات ستجعل الأتراك يلتفون حول الحكومة، خصوصا وهم يرون الشرطة الهولندية تطلق الكلاب لتنهش أجسام مواطنين أتراك.

وماذا عن الملف الكردي؟

من أسباب أزمة الملف الكردي توجد المواقف الأوروبية التي تعمل على تأجيج الأوضاع وتكريس الانقسام؛ لأن الملف الكردي يتعامل معه الغرب كورقة يستثمرها في الضغط المستمر ضد تركيا. ولا ننسى أن الملف كان على وشك أن يجد حلا حضاريا منذ خمس سنوات لولا تجنيد الأوروبيين لبعض فصائلهم لإحباط كل عملية تقارب مع الحكومة. ومن ثمّ، إرغام الجميع على إعادة حمل السلاح والاقتتال.

للأسف، يعود الملف إلى الحسم العسكري المكلف؛ وهو الخيار الذي تسير فيه تركيا مرغمة، إلى حدود اللحظة.

هل هي حرب حضارية ضد تركيا؟

لم تتوقف الحرب الحضارية يوما، إذ تتخذ أشكالا متعددة الأوجه؛ لكن الآن مع تصريحات المسؤول الهولندي، الذي قال بأنه لن يسمح لتركيا ممثلة الإسلام بالتمدد، يظهر شكل آخر من الحرب، ظاهرها منع الوزراء الأتراك من الاجتماع بمواطنيهم لشرح مضامين التعديلات الدستورية، وباطنه مواجهة حضارية ممتدة عبر التاريخ.

إن الدكتور المهدي المنجرة تحدث عن الحرب الحضارية بكل أشكالها، الاقتصادية والعلمية والأستراتيجية على مستوى العالم الإسلامي، وها هي تركيا تتعرض لجزء من هذه المواجهة.

Share
  • Link copied
المقال التالي