Share
  • Link copied

اختيّارُ الأسرِ لشريكِ حياةِ الأبناءِ يهدّد بمفاقمة ظاهرة الطّلاق في المغربِ

بالرغم من كل التغيّرات التي طرأت على المجتمع المغربي، خاصة في العقدين الأخيرين، إلا أن العديد من الأسر، مازالت حريصة على التدخل في اختيار شريك حياة الأبناء، متجاهلة رغبتهم، الأمر الذي يهدد بميلاد زواج فاشل منذ بدايته، وينذر بمفاقمة ظاهرة الطلاق.

وتَعتبر بعض الأسر، بأن اختيار الشريك المناسب لأبنائهم، سواء تعلق الأمر بالذكور أو الإناث، هو مسؤولية خاصة لهم وحدهم ولا يمكن حتى للمعنيين بالأمر، أن يتدخلوا فيها، وهو ما ينتج عنه في كثير من الأحيان، معاكسةُ رغبات الأبناء، والوقوف حجرَ عثرة في وجه إتمام العديد من العلاقات التي يسعى طرفاها لإدخالها في إطارٍ شرعي.

ويختار مجموعة من الآباء والأمهات، التدخل في هذا الأمر، بالرغم من كون الشاب، قادرا على اختيار الشريكة المناسبة له، وتحمل مسؤولية القرار، حيث يقومون بربطه بـ”السخط” في حال تمرد الابن على قرارات أهله، و”الرضا”، في حال انصاع لرغباتهم ووافق عليها، وهذا الأمر لا يقتصر على سكان القرى والبوادي، بل إنه حاضر بقوة في المدن أيضا، وخاصة عند العائلات الأكثر “جاها”.

ويبرر الأهل فرضهم شريك الحياة على أبنائهم، في أن الشبان لا يعرفون ما يفعلون، وفي الغالب تحكمهم العاطفة، في حين أن اختيار الأسر، يكون مبنيا دائما على العقل؛ ومراعيا للظروف الاجتماعية والمادية والثقافية للطرف الآخر، فيما لا مكان لـ”العاطفة” أو “الحب”، في معايير الاختيار عندهم.

وفي أحيان كثيرةٍ تشترط الأمهات أن تكون شريكة حياة ابنهم، متقنة لأمر معين، أو تتوفر على مواصفات جسدية معينة، انطلاقا من رغباتهم الخاصة، رغم أن العلاقات الزوجية الناجحة ليست بالضرورة تلك التي تتضمن الشروط التي تفرضها الأسر، إلى جانب أن الزواج الناجح، حسب الخبراء، لابد وأن يكون للجانب العاطفي والوجداني، حيز كبير فيه.

ويعتبر أخصائيو علم الاجتماع، بأن ظاهرة فرض الأسر اختياراتهم في تحديد شريك الحياة انطلاقا من رغباتهم الخاصة، لها سلبيات عديدة على الحياة الأسرية للأهل وللأبناء معا، مطالبين بضرورة تجنب فرض الزوج أو الزوجة على الابن أو الابنة، نظرا لأن اختيار الشاب أو الشابة لشريك حياتهم ينبني على معايير مناسبة لشخصياتهم والتي قد لا تتوافق مع معايير الأسر.

ويرى الأخصائيون بأن الزواج يعتبر من أهم المحطات في حياة الإنسان، واختيار الشريك هو واحد من أهم القرارات في الحياة كلها، ولابد من أن يكون المعني به، صاحب الاختيار فيه، لأن الأمر يمكن أن يكون له انعكاسات سلبية في المستقبل، ففي الحالات التي يفشل فيها الزواج التقليدي، الذي تدخّل الأهل في اختيار طرفه الآخر، تنعكس تداعياته على الأسر التي فرضت قرارها، ويحملها الأبناء مسؤولية ما آلت إليه الأمور.

ونبه الأخصائيون إلى أن تدخل الأسر في اختيار شريك الحياة، يحكم على العلاقة بالفشل منذ بدايتها، وهو ما كشفت عنه العديد من الدراسات الحديثة، التي أكدت أن نسبة الطلاق في بعض علاقات الزواج التي لم يختر أصحابها الطرف الآخر، بلغت 30 في المائة خلال الخمس سنوات الأولى، فيما ترتفع في السنوات اللاحق لـ 44 في المائة.

وفي المقابل، فإن اختيار الشباب لشريك حياتهم، يزيد من التوافق الفكري والوجداني والعاطفي في العلاقات الزوجية، ويحقق الرضا بين الطرفين، ما من شأنه أن يضفي، حسب خبراء، الاستقرار النفسي والعاطفي والأسري، مشيرين إلى أن معضلة تدخل الأهل في اختيار الطرف الآخر، يعتبر من ضمن أبرز المشكلات التي عانت منها المجتمعات العربية في الماضي.

ويرى باحثون في علم الاجتماع، بأن هذه الظاهرة يمكن أن تساهم في مفاقمة الطلاق، ورفع عدده، مشيرين إلى أن العديد من الأسر لا تتدخل في قرارات زواج الأبناء والبنات، إلا أن فئة عريضة أخرى تؤثر، بل وتفرض رغباتها، وفي حال رفض الأبناء الامتثال للأوامر، فإن الأمر قد يعدو ليوصف بأنه عاصي لوالديه، وهو ما يسفر عن نظرة دونية وسط المجتمع.

وأشار الباحثون إلى أن الخوف من هذه النظرة التي يرى بها المجتمع الشخص الذي يعصي أوامر والديه، تدفع المئات من الشباب للرضوخ لقرار الأسر في اختيار شريك الحياة، وهو ما يهدد بمشاكل زوجية محتملة وبالطلاق، بالإضافة إلى الانعكاسات السلبية الأخرى التي قد تمس أهل الشخص الذي فرض عليه الاختيار.

Share
  • Link copied
المقال التالي