بدأ اليأس يتسرب إلينا ونحن نرى أنه رغم كل التضحيات التي قدمت من طرف قطاع مهم من المواطنين أطباء وممرضين ورجال قوة عمومية ومحامين وقضاة وصحفيين وباعة وأصحاب مهن حرة، والذين تضرروا في أرزاقهم، وفقدوا أرواحهم، وكذلك الأطفال والشبان الذين احتجزوا في منازلهم لما يقرب من الشهرين فتضررت نفسياتهم .
ورغم كل ذلك، ورغم التدابير الاحتراز ية العاجلة التي اتخذتها الحكومة من إغلاق للحدود وللمساجد والمدارس والمقاهي، و توزيع للتعويضات على المواطنين الفاقدين للشغل والأرامل، والمعوزين ، ورغم تضامن المواطنين ومساهماتهم، لا زلنا نشهد يوميا تصاعدا مطردا لهذا الفيروس اللعين.
في البداية كان يحذونا الأمل أننا سننتصر، كما انتصرت الصين، وقد كنا من السباقين لهذه الإجراءات الصحية في العالم قبل أي دولة عربية أخرى مثل مصر والجزائر وغيرهما، وأشادت بنا فرنسا وبرلمانها، والتقارير الصحفية الدولية ومنظمة الصحة العالمية، لكننا ورغم ذلك ومع الأسف أصبحنا خلال شهر رمضان نتراجع القهقرى، فبدأت عزيمتنا وإرادتنا تهتز، وتتراخى.
ماذا كان من الممكن القيام به ولم نقم به،؟ كل شيء فعلناه اشترينا المواد المعقمة والكحولية والتزمنا بالماء والصابون في كل حركة وسكنة، ودخول وخروج، ونزعنا ملابسنا وأحذيتنا عند الأبواب.
لكن هاهي أفواج بشرية تخرج من منازلها عند كل صباح، بعضها يسير على غير هدى وبدون غاية وبعضها يخبط خبط عشواء، والمنايا تجول من تصب تمته ومن تخطأ يعمر فيهرم على حد قول الشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى.
فبعضهم يخرج بحثا عن قوت يومه ، وبعضهم يخرج سأما وضجرا وقنوطا ، ولم تنفع مع هؤلاء كل الدعوات والأعلانات والأشهارات، ولم تنفع معهم التهديدات و الاعتقالات، وقد امتلأت السجون مرة أخرى بعد أن أفرغت بالعفو، فماذا عسانا نفعل، هل نلوم الناس البسطاء وغير البسطاء.
أننا مجتمع نعيش الهشاشة الاقتصادية والثقافية المعرفية لأننا اولا لسنا دولة نفطية وثانيا لأننا دولة ضعيفة الموارد ومجتمعاتنا مجتمعات أمية، وبالكاد خرجنا من الاستعمار منذ أقل من سبعين سنة، ماذا عسانا أن نفعل هل نلوم الشعب على جهله أم نلوم الدولة وسياسات الحكومات المتوالية منذ الاستقلال على تفريطها الاستثمار في العنصر البشري والاهتمام بالتعليم والبحث العلمي، كانت سنوات السبعينات والثمانينات رائدة، لكن بداية التسعينات كانت سنوات الانتكاسة التعليمية، كانت السبيعات جيل الأدب والعلم والفكر والنظال السياسي والفن الراقي ،كانت السبيعينيات جيل الكبار وجيل الانتصار والآمال العريضة والكبيرة، والآن نتجرع التفاهة سما علقما، فهل نلوم هؤلاء الخارجين أم نلوم أنفسنا،.
في الآيام الأولى لبداية الأزمة شعرت بفخر واعتزاز بانتمائي لهذا الوطن الرائع، واقشعر بدني عند سماع المواطنين يرددون النشيد الوطني من الشرفات والنوافذ وخشعت وأنا اسمع الأطفال والشيوخ والنساء والرجال يكبرون من على أسطح المنازل ، ورأيت القيادة حورية تخاطب الشيخ الهرم والطفل النزق بلغة المغاربة القديمة الجميلة ،ورأيت ذلك الشرطي الشهم يمسك مكبر الصوت والدموع تنهمر على خده، لكنني وجلت وخفت لما رأيت خروقات لحقوق الإنسان، ووضعت يدي على قلبي خوفا من تقييد حرية التعبير وتكميم الأفواه ،وأصابني الرعب من سيناريو النكوص والرجوع إلى الوراء، والتخلي عن التجربة الديمقراطية الوليدة المترعرعة على استحياء.
وبعض أطراف من اليمين واليسار والوسط أصبحوا يتراشقون الاتهامات ويكيلون السباب والشتائم لبعضهم، غير آبهين للموت القادم والخاطر الداهم، وكأ نهم في موسم انتخابات وكل منهم يحاول يصرع صاحبه أو أن يكسب نقاط على حسابه.
ولا زلنا في انتظار جودو، وجودو لم يأت رغم مرور الآيام والشهور، فماذا عسانا نفعل، هل نلوم أنفسنا أم نلوم الناس أم نلوم كورونا، هل نتشدد في الحجر أكثر في هذه الأيام والآيام المقبلة أم نخرج خروجا انتحاريا،؟
هل يخرج الجيش فعليا إلى الشارع؟ لإجبار الناس على الوعي والفهم وتنبيههم لخطورة الانهيار، ونضحي بالحرية أعز ما نملك، ونؤسس بذلك للدولة الحارسة هل نترك الناس على هواهم،؟ ولقدر وقضاء الله؟
، لقد تاهت البوصلة، ولكن ولكن لن نييأس ياكورونا إننا نؤمن بالله، ونؤمن أنه مرت على البشرية والإنسانية أوبئة قاتلة من طاعون أسود وأنفلوانزا أهلكت الملايين من البشر وكوارث وزلازل وفياضانات وانفجار براكين، وحروب دموية ونووية طاحنة، ومع ذلك أينعت الزهور في الفيفي والأشجار في الغابات وحلقت الطيور في السماوات، وعادت الحياة إلى أجمل وأحسن مما كانت، ونؤمن في النهاية بأن الحياة هي هدف ووسيلة وأنه معبر وقنطرة إلى حياة أبدية، ونؤمن أنه كلما اشتدت الأزمة تنفرج، وأن رجأءنا في الله بلا حدود، وأنه ولو كانت القيامة، ستقوم.
تعليقات الزوار ( 0 )