يهرب النظام الجزائري من أزمته إلى المكان الخطأ. يهرب في اتجاه قطيعة مع المغرب.
أن تردّ الجزائر على اليد المغربيّة الممدودة بـ”إعادة النظر” في علاقاتها مع الرباط بعد اتهامها، ظلما، بالتورط في الحرائق الضخمة التي اجتاحت شمال البلاد، أمر مثير للاستغراب فعلا.
لكنّه أمر يكشف في الوقت ذاته عمق الأزمة التي يعيش النظام الجزائري في ظلّها والتي تجعله في حال من التخبطٌ المزمن. في أساس أزمة النظام، الذي أسّسه هواري بومدين في العام 1965، تحوّل مجموعة من الضبّاط إلى الحكام الفعليين لبلد غنيّ بدّدت ثرواته على كلّ شيء باستثناء التنمية.
ما ذنب المملكة المغربيّة إذا كانت الجزائر لا تمتلك، مثل المغرب، طائرات مخصّصة لمكافحة الحرائق؟
الأكيد أن ردّ النظام الجزائري على التقصير لا يكون بالهرب منه… إلى المغرب. ليس مثل هذا الهرب سوى تعبير عن مدى عجز النظام وعقمه من جهة وعمق القطيعة القائمة بينه وبين الشعب الجزائري من جهة أخرى. قطيعة النظام الجزائري هي مع الشعب الجزائري وليست مع المغرب بأيّ شكل.
كلّ ما في الأمر أن النظام يخشى أن يزور الجزائريون المغرب لاكتشاف كيف استطاع بلد لا يمتلك ثروة نفطية بناء نفسه.
يحاول النظام الجزائري افتعال أزمة كبرى مع المغرب لعلّ ذلك يعفيه من مصالحة حقيقية مع الشعب الجزائري. لن تحلّ له أي أزمة مفتعلة مع المغرب أيّ مشكلة. لا لشيء سوى لأنّ الشعب الجزائري ليس بالسذاجة التي يظنّها.
لو كان الشعب الجزائري ساذجا، لما أجبر عبدالعزيز بوتفليقة على الاستقالة بعدما حاول الحصول، عبر المحيطين به، على ولاية خامسة.
النظام الجزائري يحاول افتعال أزمة كبرى مع المغرب لعلّ ذلك يعفيه من مصالحة حقيقية مع الشعب الجزائري
ليس في استطاعة هذا النظام اختلاق خطر خارجي غير موجود أصلا. الموجود فعلا هو المرض الذي يعاني منه النظام الذي يرفض الاعتراف بأنّه مفلس سياسيا واقتصاديا وفكريّا وأنّ عليه الاستفادة من المغرب ومن التعاون معه بدل الاستمرار في ممارسة لعبة لا يعرف غيرها. اسم هذه اللعبة تصدير الأزمة الداخلية الجزائرية إلى خارج الحدود.
سبق للمغرب، بتوجيهات من العاهل المغربي الملك محمّد السادس أن عرض مساهمة طائراته في إطفاء الحرائق في الجزائر. تجاهلت الجزائر العرض مثلما تجاهلت تأكيدات العاهل المغربي حرصه إعادة فتح الحدود المغلقة بين البلدين “التوأمين”. الحدود مغلقة منذ العام 1994.
بدل الاستعانة بالمغرب الحريص دائما على مصلحة الشعب الجزائري والجزائر نفسها، لجأ النظام إلى استئجار طائرات تستخدم لإطفاء الحرائق من دول أوروبية. زاد على ذلك كلّه كيل كلّ أنواع الاتهامات إلى المغرب. شملت هذه الاتهامات العلاقات التي أقامها المغرب مع إسرائيل في سياق سياسة متوازنة تخدم مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيتّه.
قد يكون أغاظ الجزائر أن المغرب استقبل إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” ثم يائير لابيد وزير الخارجية الإسرائيلي.
كلّ ما يفعله المغرب، إنّما يفعله من فوق الطاولة. لم يتاجر المغرب بالشعب الفلسطيني وقضيّته يوما. لم يستضف جماعة “أبونضال” أو “جماعة وديع حدّاد” التي اخترعت عمليات خطف الطائرات ومنشقين عن “فتح” من أجل المتاجرة بهم مع إسرائيل وغير إسرائيل، خصوصا مع الأجهزة الغربيّة أو تلك التابعة لبلدان أوروبا الشرقيّة في مرحلة ما قبل انهيار جدار برلين.
لم يكن غريبا إحباط إسرائيل عمليّات عدّة كان مفترضا أن يشنها فلسطينيون انطلاقا من الجزائر. آخرها كانت في العام 1985 عندما فجّر كوماندوس إسرائيلي سفينة أعدت للانطلاق من ميناء عنابة الجزائري في اتجاه الشواطئ الإسرائيلية. ما هذه القدرة الإسرائيلية على اكتشاف وجود مثل هذه السفينة في المياه الجزائرية قبالة عنّابة؟
مضحك البيان الصادر عن اجتماع استثنائي للمجلس الأعلى للأمن برئاسة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون. خصص الاجتماع لتقييم الوضع العام للبلاد عقب الحرائق الضخمة التي أودت بحياة 90 شخصا على الأقل في شمال الجزائر، أي في مناطق قبائلية تعاني من ممارسات النظام منذ سنوات. جاء في البيان أن “الأفعال العدائية المتكررة من طرف المغرب ضد الجزائر (تطلبت) إعادة النظر في العلاقات بين البلدين وتكثيف المراقبة الأمنية على الحدود الغربية”.
تعليقات الزوار ( 0 )