في زمن ليس ببعيد، عرفت الأخوة المغربية الجزائرية أبهى تجلياتها في كفاح استعمار قاتل للنساء والأطفال ومغتصب للأرض ولخيراتها، اختلطت دماء الشعبين وتوافدت حشود رجال المقاومة على بلاد الأوراس مدعمة صمود الثورة الجزائرية بالسلاح والمال والغذاء.
كانت الأرض المغربية خلفية لانتاج السلاح ولحماية الثوار وصيانة كرامتهم أمام آلة قتل فرنسية، وآلة إشعال الحرائق في جبال الأوراس وفي جميع تراب الجزائر. بالأمس القريب من القرن الماضي أحرقت فرنسا دورا على أهلها وحقولا على فلاحيها وغابات على رعاتها، وهي نفسها اليوم، فرنساالجمهورية الخامسة، تعرض طائرتها لإخماد حرائق تيزي وزو، وهي التي زرعت عود ثقاب إشعالها منذ زمن الاستعمار، وكأنها تلعب دور الاطفائي الذي يشعل النار ليجعلك تقبل قدميه لإطفائها. وللغرابة الجزائريون الرسميون يقبلون بذلك، ويرفضون مد يد المساعدة الممتدة من الرباط التي طبعا لم تستعمر الجزائر يوما ما!
المشكل أن الجيل الموالي لفرنسا في القيادة الجزائرية خصوصا العسكرية، لايزال متحكما بقوة في القرار، بعدما تم القضاء على تيارات جمعية العلماء والكشافة الإسلامية والعروبيين وحتى التقدميين داخل الجيش.
المغرب رغم درجة الخصومة الكبيرة مع الجزائر، ورغم حجم العداء السياسي والديبلوماسي والإعلامي، فإنه يتصرف كدولة عريقة رزينة تميز مابين الحزم في الخصومة، ومابين شرف تقديم المساعدة لجريح ساقط على الأرض مثخنا بالجراح المتنوعة، فليس من الشرف أبدا أن تضرب خصما واقعا على الأرض، هكذا قيم أجداد المغاربة بل وقيم كل إنسان نبيل على الأرض.
القيادة العسكرية المسيطرة على جهاز الدولة الجزائرية هي وريثة ذهنية و عقلية قديمة، ووريثة عقد نقص ثقافية ونفسية، تكره أن ترى شخصية المغربي يحافظ على قيمه وتاريخه وتقاليده وطريقة تدينه، في الوقت الذي بإمكانها أن تحرر من هذه العقد، وأن تبحث عن الذات والذاكرة الجزائرية في الذات المغربية.
القيادة العسكرية الجزائرية لطالما تغنت بقوة الجيش الشعبي الجزائري، وبترسانة أسلحته، وهي تدري أن المعارك والحروب أصبح لها منطق آخر، وأصبح الذكاء والتنظيم مع قلة الموارد والإمكانات، هو سلاح حروب الجيل الجديد. ما جدوى امتلاك قوة عسكرية ضخمة بملايير الدولارات اذا لم تستطع بناء مستشفى عسكري ميداني مجهز لمحصارة كورونا؟ وما جدوى امتلاك طائرات الميغ الروسية بملايير الدولات اذا لم تملك طائرة صغيرة أقل كلفة لإطفاء الحرائق؟
اذا كان العسكر الجزائري يفكر بأنه بترسانته الحربية الحالية سيغير المعادلات، فهو قد خسر كل الحروب مسبقا، لأنه ببساطة لم يقدر مجاراة حرب الحرائق خلف ظهره وفي داخل مربعه.
أحيانا عندما نعود إلى بعض العناصر الانثروبولوجية الثقافية، نفهم جيدا مزاج دولة ما وسلوكها نحو الآخرين ونفهم مزاجها العام.
هناك مثل أو مقولة شعبية جزائرية ذات معنى عميق، تفسر جزءا من ذهنية عناد الحكم الجزائري والمزاج العام.
يقول هذا المثل أو الشعار: ” ماعندناش وما خاصناش”، ويقال هذا المثل الذي أصبح يتغى به في الأغاني الشعبية، في مواجهة خصم يمد يد النعومة. بمعنى إذا كان الخير سيأتي على يديك فإننا نفضل البقاء في الحاجة والأزمة على أن نقبله منك. ينظرون إلى معونة الخصم أو المنافس على أنها مذلة واحتقار. المفارقة والتناقض النفسي الغريب، هو أنه كان من الأولى أن ترفض الجزائر مساعدة فرنسا الاستعمار حفاظا على ماء الوجه أمام حجم الخلافات التاريخية والسياسية والإعلامية التي نراها في خطاب القادة الجزائرين كل يوم، فأي نوع من الزهايمر السياسي أو الفصام في الشخصية الذي تعرفه قيادة الجزائر؟!
هذا المثل الشعبي البسيط يعكس ذهنية الحاكم الجزائري في علاقاته الدولية مع المنافسين الذين لا يتقبل تفوقهم عليه كالمغرب، وربما آن الأوان لتغيير هذه العقيدة، لأنها في عمقها نفسية لاتليق بالأجيال الجديدة في الجزائر، وإلا فإن مزيدا من العزلة والتقوقع ومحاصرة الذات، وربما الانفجار قادم في الطريق لا محالة.
تعليقات الزوار ( 0 )