Share
  • Link copied

أي الأساليب أنجع من أجل ضمان تعليم ايجابي وباقل الخسائر في زمن جائحة كورونا

في عز الصراع المحموم بين الولايات المتحدة مؤازرة بمجموعة من الدول الغربية من جهة والصين من جهة ثانية بشأن الانفراد بمركز الصدارة عالميا وفرض الهيمنة الاقتصادية والتجارية والثقافية والتكنولوجيا وانشغال مختلف دول المعمور بالتوتر الحاد بين العملاقين وما قد يترتب عن ذلك من تداعيات غير محسوبة العواقب على المجتمع الدولي ، تفاجأ العالم بتفشي وباء غريب أثار الرعب والهلع في نفوس ساكنة هذا الكون وبعثر الأوراق رأسا على عقب في كل القطاعات وبدون استثناء. ومن بين القطاعات التي تضررت بتفشي الجائحة قطاع التعليم الذي هو أساس تكوين الناشئة وتقدم المجتمعات والعمود الفقري لكل الحضارات. واعتبارا لسرعة اجتياح هذا الوباء الصامت الذي كسر كل الواجز وتخطي كل الحدود فجأة ، وقفت كل الأجهزة بمختلف مستوياتها وتخصصاتها مشدوهة وعاجزة على ايجاد حل للقضاء عليه نهائيا وتخليص البشرية من تدعياته. والحالة هذه بدأت كل الدول وأجهزتها المعنية بقطاع التعليم بعمليات تجريبية لضمان استمرارية التعليم وحماية المتمدرسين والمدرسين من الإصابة بالوباء. وأمام الهول الذي صاحب شيوع الجائحة اضطرت السلطات المعنية بالأمر باتخاذ مجموعة من الإجراءات الاحترازية. ومن بين هذه الإجراءات التعليم عن بعد الذي تبنته تقريبا كل دول المعمور، خاصة وأن وسائل الوقاية مثل الكمامات والسوائل التطهيرية كانت تعرف في بداية تفشي الوباء خصاصا كبيرا. لكن هذه التجربة لم تحظ برضى الجميع وانصبت بشأنها العديد من الانتقادات. ومن بين المؤاخذات التي طالتها هي الارتجالية في اعتمادها. ذلك أن الوسائل المعتمدة خاصة في الدول النامية لم تكن متوفرة بما يفي بالغرض، مما حال دون التجاوب بين الملقن و التلاميذ على وجه الخصوص في التعليم الاولي. وقد ترتب على هذا الأمر ضعف كبير في المردودية والتحصيل. وقد اتهم المشككون في نجاعة هذه التجربة، الحكومات والأجهزة المسؤولة عن تدبيرها بأنها أرادت انقاذ السنة الدراسية بأي وجه كان دون الأخذ في الحسبان الغاية المتوخاة من المدرسة التي هي بالأساس التكوين والتربية. واعتبارا لهذه المؤاخذات وازاء غياب أنماط بديلة ناجعة ، تعددت الآراء والأفكار والتوجيهات والاقتراحات من كل حدب وصوب كما التجارب الرسمية. أصبح قطاع التعليم حقلا لمجموعة من التجارب.
هكذا نجد البعض من المتدخلين يطالبون باعتماد اسلوب التناوب في التدريس لتلافي الاكتظاظ، اي تقسيم المتحصلين في كل قسم الى فوجين ضمانا لاحترام المسافة الضرورية التي تفرضها السلطات المختصة، معللين ذلك بأن نتائج ومردودية هذا الأسلوب أنجع من غيرها من الأساليب. لكن هذا الطرح تعارضه العديد من الأصوات التي تنادي بإقرار سنة بيضاء، معللة ذلك بتجنيب التلاميذ والملقنين كارثة انسانية خاصة بعد ازدياد وتيرة تفشي الوباء وغياب اللقاحات. علاوة عن ذلك، يرى هـؤلاء أن كل الأساليب التي قد تعتمـــد

تبقى عديمة الجدوى و تنطوي على حيف وعدم المساوات في التحصيل بسبب نقص الإمكانيات اللوجستيكية
الضرورية لأداء جيد قمين بضمان مستوى دراسي كما هو الشأن في الظروف العادية . فحسب تصورهم فان أسلوب الدراسة عن بعد تجلت عيوبه ولا فائدة في التكرار للتطرق اليه. أما التعليم الحضوري فلا يخلو من شوائب في كل الحالات. ذلك أن الاكتظاظ في الأقسام عواقبه ستكون وخيمة على صحة المتمدرسين والمدرسين بسبب عدم ضمان احترام المسافة الضرورية، وان اعتماد الطريقة الآنفة الذكر ( فوجين بدل فوج واحد) ، تعتريها هي الأخرى مجموعة الاختلالات تتمثل في نقص الحجرات الدراسية والمدرسين وتقليص حصص التدريس الخ.
كما يرى بعض المهتمين بشؤون التعليم والتربية توظيف مدرسين جدد لسد الخصاص في الأطر التربوية. وهذا الرأي لا يشاطره بعض المختصين في المجال التربوي
ولتعميم الفائدة نرى من الأنسب ومن باب المقارنة بين الأفكار والآراء المطروحة في المجال وما تقرة الحكومات على أرض الواقع، إعطاء صورة ولو موجزة عن بعض القرارات التي تم اتخاذها على المستوى الرسمي. و نأخذ على سبيل المثال لا الحصر، قرارات الحكومتين الألمانية والمغربية ذات الصلة عن الموسم الدراسي 2020 – 2021. ففي ألمانية أقرت الحكومة المركزية التعليم الحضوري مع الإلتزام باحترام الإجراءات الإحترازية: كارتداء الكمامات ومراعاة المسافات وتعقيم البنايات وإجراء التحليلات كل خمسة عشر يوم لكل المتمدرسين والمدرسين والجهاز الاداري وكل من له صلة بمقرات التدريس . وفي نفس، الوقت سمحت لكل ولاية اعتماد النمط الذي تراه أنجع في دائرة اختصاصها.
أما الحكومة المغربية فقد اعتمدت أسلوب مزدوج للتدريس. فإلى جانب التعليم عن بعد، منحت أولياء التلاميذ حق اختيار التعليــــم الحضوري لأبنائهم سعيا منها لإشراكهم في تحميل المسؤولية وبالتالي تجنب اي انتقاد أو مؤاخذة كما كان الأمر في التجربة السابقة.
وتحصيل الحاصل، فانه في وقت الأزمات الحادة، يعجز المرء في البداية على الاهتداء الى حلول ناجعة. و أمام هذا التعثر، تبقى التجارب سيدة الموقف والتي تختلف من حيث الزمان والمكان ووفقا للإمكانيات المتاحة لكل بلد ومجتمع. لذا فانه مهما تعددت الآراء والتصورات والأفكار والاقتراحات، فإنها لا تخلو من أهمية ما دامت تصب كلها في سياق البحث عن حلول للمشاكل والمعضلات المستجدة.

استاذ باحث بألمانيا

Share
  • Link copied
المقال التالي