Share
  • Link copied

أوراق حزبية (1) العنصر: “أزمة كورونا شكلت فراغات اجتماعية وجب ملؤها”

السياسة والأزمات، أو لنقل الحزب السياسي ومواجهة الأزمة، بينهما علاقة شبيهة بتلك التي تعتمل بين الفاعل والنسق، باعتبار التلازم الدائم بين الفعل السياسي والنسق العام أو الأنساق الفرعية التي تدير عجلة حياة مجتمع أو نظام ما.

الفعل السياسي سواء من خلال ممارسة التمثيلية المؤسساتية أو التدبيرية المباشرة للشأن العام، أو بواسطة قوة الاقتراح والمساهمة في النقاش العمومي والتفكير الجماعي لإدارة المرحلة أو توقع واستشراف المستقبل، هو فعل يهدف في آخر المطاف إلى إنشاء كميات جديدة من معيشة الجماعة البشرية وأيضا من أجل تجديد الموقع على خريطة أطراف القوة داخل البلد.

أزمة كورونا حركت جمود خامات الأحزاب المغربية، صهرت خزانات من الافكار غير المفكر فيها خارج سياق الأزمة، فانتجت كما غير يسير من كتل التشخيصات والمقترحات بشأن المرحلة الراهنة وأيضا آفاق التفاوض الجماعي مع نتائج الأزمة للعبور خلالها بأقل الاضرار.

جريدة بناصا تفتح النقاش العمومي مع القيادات الحزبية لمناقشة آرائهم وتقديراتهم وتنبيهاتهم حول مآل الوضع المغربي الحالي. في كل بنيات حركة الدولة، نحاول أن نجد إجابات أو أسئلة حقيقية صحيحة ومثيرة للاجتهاد والبحث.

في هذه الورقة نحاول مناقشة الموضوع مع الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، السيد محند العنصر، الذي تقلد أيضا عدة مناصب تمثيلية انتخابية وحكومية في الاتصالات والفلاحة والداخلية والتعمير، وهو اليوم رئيس منتخب لمجلس جهة فاس مكناس. في هذه الورقة، يتحدث العنصر أيضا كمواطن خبر تجارب كثيرة ومتابع ومتفاعل مع الظرفية الحالية، يقدم أفكاره الشخصية الحياتية كعصارة كمسار طويل بغض النظر عن رؤيته الحزبية التنظيمية.

يعتبر حزب الحركة الشعبية من أقدم الأحزاب السياسية المغربية، ولدت فكرته وتنظيمه في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي مباشرة بعد استقلال المغرب. نشأ في مرحلة تميزت بصراع عميق بين الدولة وبين أحزاب الحركة الوطنية، صراع من أجل السيطرة على جهاز الدولة ومن أجل فرض هوية جديدة للدولة وللمجتمع، بين توجهات وصفت نفسها بالتقدية وتيارات تقليدية محافظة.

لم تكن الحركة الشعبية التي تأسست حينئذ أضلاعها على قطبين متناقضين من حيث التكوين والأفكار، وهم رجل السلطة والمخزن والقبيلة المحجوبي أحرضان ورجل الأفكار المحافظة المتجددة بجرعات اسلامية المستقلة عن الايديولوجيا،الدكتور عبد الكريم الخطيب، لم تكن وليدة فكر خارجي أو لقراءة مشرقية للدين بقدر ماكانت حركة اجتماعية تحاصر امتداد التيارات الأخرى، وتتقرب من الفئات المهمشة تنظيميا وسياسيا واجتماعيا، وهي فئات البوادي والقرى المغربية، والأكثرية الأمازيغية.

لذلك كان ذكاء الرجلين مركز على إقرار الحريات العامة كضامنة أمام بعض رغبات السيطرة الحزبية، ثم على الجهوية والاهتمام بالقرى بالنظر إلى أنها تجسد التنوع الثقافي وتحمي الأمازيغية. وقد كانت تجربة الحزب في العمل السياسي والنيابي سواء داخل الحكومة الأولى والولاية التشربعية التي شاركت فيها الحركة بداية الستينيات، متميزة بتوجه اجتماعي ملحوظ، سواء في مقترحات أعضائه داخل الحكومة، أو من خلال معارضة بعض القرارات الحكومية المضرة وغير المنصفة للفئات الفقيرة والهشة خصوصا في العالم القروي.

العنصر الأمين العام المخضرم الذي عاش فترات تقلب الحياة السياسية وتطورها، وفي محاولة الإجابة على سؤال التشخيص،يرى بحكم التجربة الطويلة، أن هذه الأزمة وإن كانت “منهكة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمجتمعي، وإن كانت قاسية جدا ومجهدة ومتعبة لموارد الدولة ولجميع الفاعلين، وإن لحظة مهددة لنا إلا أنها تشكل فرصة تجدد فينا قيمة تصحيح ذواتنا وتقويم سلوكاتنا وبالتالي قد تتحول من محطة تهديد إلى فرصة نجاح جماعي”.

هذا التهديد لا يتجسد فقط على مستوى القطاعات الإنتاجية المتضررة والموارد المالية لتدبير متطلبات الأزمة حاليا، ولا يظهر أيضا فقط على مستوي حجم انتظارات المغاربة ما بعد مرور الجائحة، وإنما حسب محند العنصر، فإن الآثار تضرب مناطق أوسع من ذاتنا الجماعية وتشمل الرجات الشديدة والتغيرات الكبيرة التي “قد تحدث على مستوى معتقادتنا، لقيمنا، لفلسفتنا للتدبير العمومي، لنظرتنا لبعضنا البعض، فالمخاطر محدقة بعاداتنا وبخطابنا وبمقارباتنا لحل المشاكل، لقد علمتنا هذه الأزمة دروس كبيرة وكثيرة علينا الاستفادة منها”.

وفي باب الاستفادة من دروس الأزمة، والتي تناولها الباحثون في كل المجالات كل من وجهة نظره، فإن أمين عام حزب السنبلة، لخصها في نقاط مركزة وجامعة، يرى العنصر أن من أهم مستنتجات تدبير الأزمة، هو تفوق المغاربة على “النزعة الفردانية”، حينما عبروا عن تعبئة جماعية مادية ونفسية لمواجهة هذه الكارثة مما يؤشر على وجود قدرات يمكن استعمالها مستقلات، حسب نظره.

ويقول وزير الداخلية السابق في حكومة بنكيران، أنه راقه ما لاحظه من قوة في انخراط للشباب في عملية التصدي للجائحة، “لقد رأينا كيف عبر الجيل الجديد، جيل الشباب عن اهتمامهم الكبير بالوضع وبالمستقبل، لقد عبروا عن ثقافة وطنية عالية وعن حس انساني رفيع، بعدما كان البعض يظن أنهم غير مهتمين أو طائشين، على النقيض من ذلك تماما، لقد برهنوا لنا جميعا في درس بليغ كيف يستطيعون ويملكون القدرة على التخلي عن منطق الاحتجاج من أجل المساهمة في انقاد البلد، لذلك علينا الإنصات إلى هذا الدرس والتعلم منه كيف يمكن أن نفهم أبناءنا الشباب مستقبلا”، وفق تعبيره.

إلى جانب الانبهار بهذه الفئة، فإن العنصر عبر أيضا عن ثقته في المستقبل بعدما لاحظه من “وجود جيل قوي شجاع ومؤمن بقيم العيش المشترك، من أطباء وأطر صحية وإدارة عمومية ومجتمع مدني ومقاولين ورجال تعليم وقوات الأمن وأطر حزبية ومنتخبون، كلهم أبانوا عن قيمة الانتماء للمغرب ولقيمه ومتجاوزين النظرة الحزبية أو الفئوية الضيقة، ولم يكن ذلك ليحدث لولا الإرادة الملكية الإنسانية العميقة في قيادة وتحفيز كل مواطن من موقعه للعمل لصالح الأمة المغربية”، وخلاصة هذا الجهد المتكاثف حسب المتحدث السياسي، أنها “تحمل في طياتها أملا كبيرا في المستقبل رغم معاناة وآلام الازمة حاليا، الشيء الذي يدعو إلى القيام بالتغييرات المناسبة مستلهمين من قوة رأسمالنا البشري، ورأسمالنا اللامادي القيمي الذي يعيننا في هذه الفترة على تجاوز الأزمة وعلى التضامن والتلاحم بنكران ذات وتضحية”.

مسترسلون في هذا النقاش مع محند العنصر، لسبر بعض أفكار التدبير المستقبلي لآثار الأزمة الوبائية، ينظر محدثنا إلى ما بعد كورنا، نظرة متفاءلة بحكم تجارب سابقة في معالجة أزمات عرفتها المملكة. نظرته ترتكز بالأساس على الجانب البشري وضرورة الاهتمام به لقيادة المرحلة، من خلال إعادة النظر في كل “خططنا لتدبير قطاع الصحة والتعليم والرقمنة والانتاج الغذائي، والرقمنة وتحويل منصف لجزء من الثروة للعالم القروي، وللفقراء والمهمشين اقتصاديا واجتماعيا”، كما أنه لمواكبة عملية إعادة البناء يتعين “اعتماد مقاربة الشفافية وقول الحقيقة مهما كانت قاسية في تقييم الماضي، لأنه بدون تشخيص لهناصر ضعف الماضي لا يمكن بناء المستقبل”

وفيما يتعلق بحكامة التدبير المستقبلي، فإن العنصر وفاء منه لمطالب حزبه منذ نشأته، لا يستسيغ الاستمرار في نهج تدبير “مركزي بعيد وغامض، وينبغي التحول إلى منطق تدبير الاحتباجات على المستوى الجهوي، ينبغي التوقف عن اعتبار الإدارات اللاممركزة مجرد إدارات فرعية تابعة، مما يعتبر هدرا لزمن الدولة والمجتمع في فهم وتلبية حاجيات القرب”.

وفي نفس النسق الاستشرافي لما بعد الأزمة، يوضح العنصر أنه آن الأوان للاهتمام الحقيقي بالقرى والبوادي وهوامش المدن، باعتبارها خزانا للأطر والكفاءات المغربية. هذا الاهتمام يتصوره رئيس مجلس جهة فاس مكناس، من خلال ” إنشاء قواعد التمييز الإيجابي من خلال الانصاف والتحفيز الجبائي والدعم المادي لتحفيز الاستثمار وتوطين المهن الحرة والمنتجة”، مستشهدا بمقولة للرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك سنة 1995، عندما تحدث عن ضرورة “إعادة اكتشاف” الضواحي الفرنسية، عن طريق تقديم جميع أنواع الدعم الفوري لها، من إعفاءات ضريبية واسثتناءات عن القانون العادي المطبق في المناطق الأخرى، وهي مقاربة إجرائية يعتبرها العنصر ممكنة في الهوامش والقرى، باعتبارها فراغات قاتلة اقتصاديا واجتماعيا يجب ملئها، للتخفيف من هجرة هروب الشباب وأيضا لإعطاء هذه المناطق إمكانات الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي الذاتي” حسب تعبيره.

Share
  • Link copied
المقال التالي