أولا، نتمنى أن يُرفع هذا الوباء العالمي سريعا عن كل البشرية.
ثانيا، الأمر جلَلٌ، وللطب والفلسفة والدين والسياسة والإقتصاد مقاربات مختلفة. ننتظر المستقبل لنرى كيف ستُراجَع هذه اللحظة التاريخية. وتهمني شخصيا الكتابات السياسية والفلسفية حول الموضوع. كم من وباءٍ غيرَ من سَيرِالتاريخ وموازين القوى!
ثالثا، وهو ما أود الوقوف عنده بعجالة هو حال المغاربة مع الوباء، وقد يكون حال كل العالم العربي والعالم غير المتقدم. أمُر بأسئلة سريعة فقط.
لا أحد ينكر الدور الكبير الذي قامت به السلطات المغربية في الحد من إنتشار الوباء منذ أن بدأت ملامحه تظهر في إيطاليا منذ الأيام الأولى. ممتاز فعلا. ونتمنى السلامة للجميع. لكن!
كيف سيتم الحفاظ على الأمن الداخلي وعلى المواظبة على الحجر الصحي وحالة الطوارىء الصحية التي ستستمر لشهر كامل من 20 مارس إلى 20 أبريل، إلى قبيل شهر رمضان؟
كيف سيتم التكفل بمئات الآلاف من الأسر- إن لم تكن ملايين الأسر- ذات الدخل اليومي غير المُهيكل؟
كيف سيتم التعامل مع صاحب سيارة الطاكسي الصغير الذي يشتغل يوميا، وطول السنة بدون توقف، ودون عطلة، وبدون مساهمات في خزينة الدولة بالضرائِب وبدون إجبارية صندوق الضمان الاجتماعي، إلى أن يتوفاه الأجل أو يعجز عن السياقة؟ فهو غالبا ليس صاحب الأجرة، فهو سائِق فقط، و صاحبها حصل عليها كامتياز من الدولة، كمنحة، وقد يكون غالبا ذا دخل كبير وصاحب أراض وعقارات أخرى، أما السائق فله يومه فقط، وعضلاته، ولا يمكنه المرض أو التوقف. إن توقفَ، ليس له من دخلٍ بعدُ! كيف ستُعَوضه الدولة خلال هذا الوباء؟ كيف ستصل إليه؟ كيف ستحَوِل له مستحقات المساعدات، إن كانت ستوفرها له؟ هل ستتواصل معه عن طريق صاحب الإجرة والإمتياز؟ ألن يستفيد صاحب الإمتياز بإمتياز المساعدة كذلك عوض أن تمر للسائق مباشرة؟ ومؤسساتيا-إداريا، كيف سيتم الامر؟ أم سيتم الإعتماد مجددا على المقدم والشيخ، أعوان السلطة التقليديين؟ إن عملَهما يزيد الأمر بيروقراطية وتثاقُلا وفسادا بشكلٍ عام. لو كانت الدولة نجحت في برامج محو الأمية منذ عقود لكانت تواصلت مع مواطنيها في وقت الشدة بسرعة عن طريق الإنترنيت مثلا! ولكانت مررت المشاعدات عن طريق مصالح الضرائب وصندوق التضامن مثلا عبر الإنترنيت أيضا، كما يتم حاليا في إيطاليا مثلا، ربحا للوقت، وتفاذيا لتثاقل البيروقراطية والوساطة والفساد الإداري، وتفاذيا لنقل الوباء عن طريق الإدارات التقليدية.
نفس الأسئلة تخص كل الأعمال غير المهيكلة والتي تُدر أموالا طاىلة على إقتصاد البلد إجمالا. نذكر من صنف هذه الأعمال: سائق الحافلة، والشاحنة، الفلاح، بائِع الخضروات بالجملة أو بالتقسيط، بائِع الحلويات، الصياغ أو بائع المجوهرات، باىع الأثاث والمفروشات، الباعة المُتَجولين، البَناء، إلخ. ونفس الشيء يُقال عن المتعلمين الجامعيين العاطلين عن العمل والذين يشتغلون مع القطاع الخاص بأثمنة إستغلالية متوحشة تصل إلى مئة أورو للشهر مقابل العمل يوميا، وهي أجرة لا تكفي حتى لسد ثمن الباص أو الطاكسي إن كان الشخص بعيدلا عن العمل! أما المُشَردين فحدث ولا حرج!
لقد كان لِفتح باب الخوصصة في التعليم والصحة أساسا بدون مراقبة مستمرة وتجويد لخدماتها للمواطن المغربي تبعاته المادية والنفسية على المواطن وعلى الدولة. وعند الشدائد ترى النتائج أكثر ضحالة.
لا يُقبل من دولة تدعي المشي في طريق الديمقرطة والتنمية المستدامة والإنفتاح على العالم، وفتح أسواق للخدمات والأبناك في عدد من الدول الإفريقية أن يكون وضعها التنموي هشا لهذه الدرجة!
إن العجلة التي تَمت بها مواجهة وباء كوروبا بغلق ممرات الدخول والخروخ من وإلى البلد منذ أواخر شهر فبراير وبدايات شهر مارس كان أمرا ضروريا لأن البنية التحتية بالبلد جد ضعيفة، مهما قيل أنها أحسن مما هي عند الجيران. إن التمنية الآن تقاسُ عالميا، وليس محليا، والعالم جد متقدم، والمحلي متخلف لا يُقاس عليه!
كل مَرةٍ يقالُ فيها أنها الفرصة للقيام بإصلاحات! طبعا، هذا هو منطق التقدم والتحضر، لكن يجب أخذ الأمر فعلا بِجد. إن المستقبلَ لا يرحم الضعفاء والمتخلفين، وإن لم تتضافر الجهود لإصلاح التعليم والصحة كركيزتين للتنمية البشرية فإن المغرب كمؤسسة ودولة سيبقى دائما معتمدا على الآخر لحل مشاكله ولو كانت صغيرة، ولن يَحلَ مشاكله الإستراتيجية الكبرى، وأولها وحدته الترابية. إنه فقط عن طريق شعب متعلم وواع وصحيح العقل والبنية يستطيع أن يبني دولة حديثة. إن الإعتماد على نخبة معينة لبناء إقتصاد معولمٍ لا يكفي لبناء دولة حديثة وشعب واع ومشارك في العصر. إن الشعب وحده من يبني الحداثة، بمشاركة كل النخب، وأهمها النخب الثقافية والعلمية.
*باحث أكاديمي مغربي مقيم في روما، إيطاليا
تعليقات الزوار ( 0 )