نظم مختبر الدراسات السياسية والقانون العام بتعاون مع شعبة القانون العام بكلية الحقوق بفاس، بشراكة مع جريدة بناصا، ندوة عن بعد في موضوع ”الدستور والتدبير الإداري للوباء والطوارئ الصحية“ يوم 2 يونيو 2020.
وتطرقت فتيحــــة بشتــــــاوي، أستاذة القانون الإداري بكلية الحقوق بفاس، في موضوع حول “المدينة والمناعة الصحية: أي تخطيط ما بعد كورونا”، إلى الإكراهات التي حالت دون تمكن المدن المغربية وخاصة الكبرى منها من الخضوع لضوابط الحجر الصحي، وبالتالي اكتسابها مناعة ضد الأزمات الصحية، من ضمنها عدم توفر شريحة واسعة من الساكنة على سكن لا تتوفر على أبسط الشروط المتطلبة للعيش الكريم من راحة واستقرار وأمان نفسي.
وأكدت المتدخلة على أن الحق في السكن هو مطلب أساسي وحق من الحقوق الاجتماعية وأكثرها ارتباطا بالتعمير، لكنها تساءلت على أنه رغم دسترة الحق في سكن لائق لأول مرة مع دستور 2011 في فصله 31 ضمن خانة باقي الحقوق التي تقع على عاتق الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية مسؤولية تسيير الاستفادة منها على قدم المساواة، فإن القوانين التنظيمية والتشريعات العادية التي تلت دستور 2011 لم تقر مسؤولية المؤسسات المذكورة عن تنزيل هذا الحق.
وخلصت الأستاذة بشتاوي إلى عدة توصيات تخص تحضير المدن وتهيئتها لمواجهة مختلف الأزمات، وذلك بـ:
- مراجعة قوانين البناء والتعمير.
- الأخذ بعين الاعتبار عند التخطيط للمدن مستقبلا حجم المسكن انسجاما مع الإجراءات المعتمدة لمواجهة الأوبئة (مسافة التباعد الاجتماعي والحجر الصحي).
- توسيع الشبكة الحضرية لتغطي أغلب التراب الوطني لضمان التوزيع الديمغرافي المتساوي نسبيا مابين المدن تفاديا للكثافة السكانية.
من جانبه تناول فاروق البضموسي، أستاذ القانون الإداري بالكلية ذاتها، دور الجماعات الترابية في محاربة الوباء، حيث أكد على الدولة هي المسؤول الاول عن المجال الصحي لكن الجماعات معنية كذلك وفقا لمجموعة من الصلاحيات التي منحها لها المشرع.
كما أن الجماعات، حسب المتدخل، تعتبر شريكا للدولة في حفظ صحة المواطنين، والتي أصبحت تمارس اختصاصاتها وفقا لمبدأ التدبير الحر و تدبر شؤونها بكيفية دمقراطية مع خضوعها للرقابة الإدارية.
وأوضح المتدخل أن هناك معيقات تحول دون ممارسة الجماعات الترابية لاختصاصاتها في مجال تدبير المرفق الصحي الجماعي ومن بينها ضعف الموارد المالية التي تظل غير كافية وتظل مرتهنة بشكل كبير بالموارد المرصودة لها من طرف الدولة.
واعتبر أن ه وبالرغم من هذه المعيقات فإن الجماعات تجندت الى جانب جميع مؤسسات الدولة للتصدي لوباء كورونامن خلال مساهمة الجماعات الترابية(الجهات والعمالات والاقاليم والجماعات) في صندوق كوفيد، والترخيص لأسواق القرب للمواطنين وتنظيمها تفاديا للمخالطة، ناهيك عن الساحات العمومية والشوارع الرئيسية والأماكن العامة التي يلجها المواطنون، وتخصيص جزء من الميزانية لتوزيع الكمامات ومواد التعقيم والقفف على المواطنين.
كما أوضح المتحدث أن صدور دوريات من وزارة الداخلية لإلغاء عقد الدورات العادية مجالس العمالات والأقاليم والجماعات فيه عرقلة لعمل الجماعات الترابية التي ابانت عن انخراطها إلى جانب كل مكونات الدولة لمحاربة الجائحة ويخالف مقتضيات المادة 33 من قانون 113.14 المنظم للجماعات الذي ينص على عقد الجماعة وجوبا جلساتها اثناء ثلاث دورات عادية في السنة خلال أشهر فبراير،ماي،اكتوبر…رغم استناده الى المادة الثالثة من مرسوم قانون الطوارئ الصحية، وذلك أخذا بمبدأ احترام تدرج القواني ومبدأ توازي الاشكال.
ومن جهة أخرى فالفقه والاجتهاد القضائي الإداريين اعتبرا المناشير والدوريات والرسائل التي تصدر لتفسير النصوص القانونية ليست مصدرا للمشروعية، ولذلك يرى أن المرحلة تقتضي تشجيع الجماعات وتوسيع هامش اختصاصاتها للتصدي للوباء…عوض محاصرتها بمنشورات تعرقل عملها وتحد من صلاحياتها.
من جهته، أكد امحمد العيساوي من خلال مداخلته المعونة بـ”تدبير الوباء بين تألق أو تراجع الدينامية المحلية وثبات الذهنية المركزية ” على أن اعتناق نوع معين من التدبير الإداري ليس مسألة اعتباطية بل تكون وراءه اعتبارات وشروط ذاتية وموضوعية لها علاقة بتاريخ الدولة، بنوعية المجتمع، بطبيعة النظام السياسي القائم، وبمسلسل الديمقراطية في البلد.
وأكيد على أن القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها الجماعات الترابية في مجال الصحة العمومية، بحيث أن انه يمكن أن تشكل أحد المداخل الرئيسية في معالجة الخصاص الواضح في التجهيزات الأساسية الطبية والشبه الطبية، مع استحضار كيف يتم تغييب دور هذه الوحدات الترابية في معالجة وتدبير سياق أزمة كورونا وكيف غيبت أدوارها على مستوى الإعلام.
كما أكد أيضا على الحضور الوظيفي للجماعات الترابية في تدبير القضايا الأساسية للمواطنين والمواطنات من شأنه أن يساهم في استنهاض الفعل السياسى ومعالجة مشكلة المشاركة السياسية.
وتقدم أمين السعيد، أستاذ القانون الدستوري بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، بمداخلة تحت عنوان “عنوان الدستور وإشكاليات الطوارئ الصحية”، وأشار إلى العديد من الإشكاليات المعقدة التي أثيرت حول حالة الطوارئ الصحية.
وتطرق المتدخل إلى إشكالية بلاغ وزارة الداخلية المتعلق بالإعلان عن حالة الطوارئ الصحية والأسئلة التي طرحها البلاغ في علاقته بالدستور وقيمته القانونية وأثره القانوني، كما تطرق إلى النقاش الدستوري والسياسي حول تكييف حالة الطوارئ انطلاقا من الفصول الدستورية.
وأكد أن المؤسسة الملكية تتوفر على سلطة تقديرية واسعة في تكييف حالة الطوارئ بناء على الحالات غير العادية (حالة الحصار، حالة الاستثناء) التي تؤطرها الوثيقة الدستورية لسنة 2011، مضيفا أنه يتضح من خلال طبيعة اشتغال النظام السياسي سيادة تقدير سياسي للمؤسسة الملكية من خلال عدم اللجوء إلى حالة الاستثناء أو الحصار، وفتح المجال للحكومة بإتخاد التدابير اللازمة لحالة الطوارئ الصحية استنادا إلى مرسوم بقانون.
وفي هذا السياق، تطرق الاستاذ أمين السعيد إلى الإشكاليات المتعلقة بالمرسوم المتعلق بحالة الطوارئ الصحية وأشار إلى النقاش المرتبط بعدم الرجعية في علاقته بالبلاغ المنفلت من الشرعية القانونية، كما أشار إلى إشكالية غياب الاشارة الى تاريخ دخول المرسوم حيز التنفيذ وهو ما يحيل على تاريخ النشر في الجريدة الرسمية.
وفي هذا السياق، تحدث الاستاذ أمين السعيد عن السند الدستوري لمرسوم حالة الطوارئ الصحية المتمثل في الفصول 21 و24 و81 بالإضافة إلى ديباجة الدستور كتعبير عن احترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية ( لوائح منظمة الصحة العالمية)، كما تحدث عن إشكالية الاستناد على مرسوم الطوارئ الصحية لتعطيل مقتضيات دستورية أو واردة في القوانين التنظيمية.
وتطرق المتحدث إلى إشكالية دستورية على مستوى نمط العلاقة بين الحكومة والبرلمان في ظل حالة الطوارئ الصحية ولئن كانت هذه الاشكالية اضحت حاضرة في اغلب الانظمة الدستورية المقارنة كأصل عام، حيث يلاحظ انزياح مهول فيما يتعلق بالاساس الدستوري والسياسي لمراقبة الحكومة.
فبعد أن كان البرنامج الحكومي (الأنظمة البرلمانية /الأنظمة شبه الرئاسية (البرنامج الانتخابي(الأنظمة الرئاسية) أساسا للمراقبة، أضحت التدابير والإجراءات المتخذة من قبل السلطة التنفيذية لمواجهة الوباء منطلقا مركزيا لتحريك المسائلة البرلمانية، وهو ما يطرح إشكالية حدود وسقف تقييم عمل الحكومة والمساحات المفتوحة لتملصها من المراقبة البرلمانية في ظل حالة الطوارئ الصحية.
وتحدث الاستاذ أمين السعيد إلى إشكالية الصلاحيات الواسعة التي تتوفر عليها الحكومة بناء على المادة الخامسة من مرسوم اعلان حالة الطوارئ الصحية الذي يعطي للحكومة إذا اقتضت الضرورة القصوى ذلك، أن تتخذ بصفة استثنائية، أي إجراء ذو طابع اقتصادي أو مالي أو اجتماعي أو بيئي يكتسي صبغة الاستعجال والذي من شأنه الإسهام بكيفية مباشرة في مواجهة الأثار السلبية المترتبة عن إعلان حالة الطوارئ الصحية.
وخلص الاستاذ أمين السعيد إلى إشكالية قياس صبغة الاستعجال ومطاطية المفهوم الذي يتيح مساحات كبرى للحكومة ويكبل صلاحيات البرلمان في مراقبته للحكومة.
تعليقات الزوار ( 0 )