Share
  • Link copied

أزمة كورونا… ولادة جيل مقاومة وجيش تحرير جديد

رغم كل الآلام والمعاناة التي تحملها الأزمات الجماعية الكبرى، فإنها أرحام ولادة تلد أجيالا صلبة قوية، تطعمها وتقوي مناعتها على صد باقي أزمات المستقبل.

في جحيم المعركة القاسية ضد جيوش جائحة كورونا “الإمبريالية” الجديدة، نشهد اليوم ولادة جيل جديد للمقاومة والتصدي لهذا الغازي القاهر. جيل يحمل نفس قيم وتجرد وتضحية جيل التحرير من الاستعمار التقليدي. ولعلها في عمقها نفس المعركة، معركة البقاء والوجود الجماعي بإيمان صادق في مصير مشترك، أمام مستعمر يحاصرنا ولا نراه في كل باب، في كل شارع في كل سوق وفي كل مكان. شبح يطوف ويخطف ضحاياه وينثر الرعب من بعده.

إنه يمارس نفس عدوان وإرهاب الاستعمار. حصار ومنع من الحركة وتقييد للحريات وقتل وغدر للأبرياء، وتخريب للاقتصاد، وتهديد لاستقلال القرار والسيادة. إنه نوع جديد من الاستعمار له خونته وعملاؤه الذين يتاجرون به وفي آثاره، رغم أنه غير مرئي وغير مسموع، ولا يستعمل المدافع والبنادق، لكنه يخترقنا بيولوجيا واجتماعيا بشكل ناعم.

مقاومتة الشديدة ظهرت من كل أطياف الدولة والمجتمع. مقاومة سلاحها وحدة الكلمة والصف والتضامن، وغايتها القضاء على الخوف وعلى الموت الذي يتربص بنا على بوابات مساكننا وعلى مشارف الطرقات والأزقة.

لقد خلخل هذا المستعمر الجديد، قواعد تعاملنا. لنقل أنه فرض علينا تعديلات شكلية وجوهرية في حياتنا على جميع المستويات. عدل دستورنا وحطم قواعد قانونية تعبر عن إرادة أمة، كنا نظنها خطا أحمر. لقد تطاول على قانون ماليتنا وألغاه قانون ماليتنا وعددا من تشريعاتنا بضربة واحدة و دون مبارزة. حاصر قضائنا وعطل رسالته الانسانية الكبرى وأدخله إلى ملعبه وطوارئه. فرض علينا نظريات اقتصادية جديدة قديمة كنا نرفضها، مضادة للدستور في عدد من فصوله وأولها المادة 77 عن الماكرو اقتصاد، التي كانت تشهرها الحكومة دائما أمام البرلمان لعدم المساس بالتوزانات المالية الكبرى، وأرجعنا إلى كينز ومدارس الاقتصاد السياسي للقرن التاسع عشر.

ومع ذلك كله، المقاومة صامدة وتدبيرها منطقي وعقلاني. مقاومة جماعية تحررية من الخوف، متميزة بالتضامن والتطوع ونكران الذات. هذه الروح ينبغي أن تسري ما بعد الأزمة عندما تعود للوطن عافيته المثلى.

لذلك ينبغي اليوم قبل الغد، أن تنصرف عقول فئات المثقفين والنخبة المتعلمة، إلى مطارحة أسئلة بحثية لما بعد الجائحة. مدارسات علمية بعمق استشرافي توقعي للبحث أن أجوبة لها. ولا ينبغي أن ينصرف الجهد ما بعد الأزمة لتحقيق مكاسب فئات لتوسيع مساحة تدخلها في شؤون الدولة والمجتمع.

أسئلة متنوعة تطرح اليوم، عن الاقتصاد لما بعد الأزمة ودور الدولة التدخلي كفاعل رئيسي في توجيه المجالات الإنتاجية.

سؤال الفلاحة والزراعة وضرورة التفكير في خطط للأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي. سؤال الصناعة الطبية والغذائية وارتباطها بالاستقرار العام وبتوقع الأزمات.

سؤال المدرسة والتكوين المهني وأولوية الإنفاق على الجامعة في البحث العلمي والمختبرات وابتكار الحلول العلمية والطبية والاقتصادية.

ما هو شكل مؤسسات “الاستقلال” عن حصار الفيروس العالمي. وما هو دور الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني في التأطير وترسيخ قيم المقاومة الحالية، في المجال العام؟

كيف نمأسس العمل الخيري والتطوعي، وندمج المغاربة في تصورات للضمان الاجتماعي والصحي بمقاربات جديدة؟

كيف نتوقع علاقاتنا الدولية ما بعد الأزمة ومن هم شركاؤنا الحقيقيون الذين يمكن الاعتماد عليهم مستقبلا؟

كيف ندير جاليتنا في الخارج، ونجعلها في خدمة الوطن علميا وثقافيا ورقما حقيقيا في معادلات الضغط على بلدان الإقامة، عندما يتعرض المغرب لأزمات؟ ذلك أن الوضع الحالي أظهر أن قطاع الخارجية لا يتوفر على أي تصور لهذا الوضع، بل أكد أنه مجرد قناة تواصل ديبلوماسي، لا تشتغل بعمق اجتماعي وعلمي مع الجاليةالمغربية.

كيف يمكن عقلنة العمل الحكومي والبرلماني، لتصبح كل القطاعات تحمل خططا طوارئ تتوقع الأزمات وتستشرف المستقبل؟

هذه بعض من الأسئلة على سبيل المثال وليس الحصر، وواجب المثقفين والنخب المنتجة للأفكار، التعامل معها. فريضتهم الوطنية اليوم، ألا يظلوا في موقع المتفرج على الوضع الحالي، وإصدار التعليقات، أو ترديد ما يروج في الغرب من أفكار عن ما بعد كورونا، وإنما هي الخوض من الآن في مقارعة الأسئلة وغيرها.

وعلى الدولة أيضا ألا تغفل هذا الجانب، وألا تنشغل كليا بطاقتها القصوى لمحاربة تفشي الوباء، بل يتعين أن توكل بعض الجهد لافتراض وتصور ما بعد الجائحة، وتفوضه لبعض خلايا التفكير، أو على هامش لجنة إعداد النموذج التنموي، في نسق فكري موضوعاتي متكامل.

ما نخشاه هو أن ينسى هذا الجيل. هذا الوقود البشري الذي يحترق اليوم، للحفاظ على الوحدة والصمود، أوينسى الدرس الذي أعطاه في الانضباط والتضامن والصبر، ثم نعود إلى عاداتنا القديمة.

جيل المقاومة هذا الذي يكافح اليوم، في كل شبر من الدولة والمجتمع، يجب الانتباه إليه غداة الخروج من قيود المستعمر الجديد، وأن يرد له الاعتبار وأن يتم الاعتراف به رسميا وعلنا ليأخذ المكانة الذي يستحق في عملية إعادة بناء الدولة ومؤسساتها واقتصادها من جديد. العبرة بالتاريخ هي ألا تتكرر التفرقة التي عانها من قاوموا الاستعمار الغربي، بعد الاستقلال أواخر الخمسينيات، والذين امتدت إلى عقود بعد ذلك، ذلك من أجل قطع الطريق أمام المتفرجين و التافهين عملاء كورونا والرداءة للعودة إلى سطح البلاد من جديد.

*باحث في العلوم السياسية

Share
  • Link copied
المقال التالي