Share
  • Link copied

ما تأثير جائحة “كورونا” على علاقة المواطن المغربي بمؤسسات الدولة؟

أعلنت وزارة الصحة، إحصائات جديدة بخصوص فيروس كورونا المستجد، حيث ارتفع العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة بالفيروس في المغرب إلى 358 حالة، فيما تم تسجيل 23 وفاة بسبب “كوفيد19”.

هي أرقام تعلن كل يوم، تعبّر عن الحالة الوبائية بالمغرب وتواكبها خطوة خطوة، لإطلاع المواطنين على كل مستجد، وإعلامهم بكل جديد، لكن غالبا ما تثير هذه الأرقام جدلا واسعا بين المغاربة، فمنهم من يصدق ومنهم من يكذب، الشيء الذي يولّد العديد من الاستفهامات حول سبب تكذيب البعض من المغاربة في تلك الأرقام، وأيضا حول التغييرات في العلاقة بين مؤسسات الدولة والمواطن المغربي قبل وبعد الجائحة.

آراء متضاربة

تتضارب الآراء بين مصدق ومشكك في الأرقام المعلنة حول فيروس “كورونا” بالمغرب، ويصرّ جزء كبير من المغاربة على الاحتفاظ بشكوكهم عن طريق الاستهانة بالفيروس، أو تهويل الوضع، متيقنين في الوقت نفسه في وجود حالات كثيرة لم تعلن عنها الوزارة، وسط تذبذب عاطفي بين التصديق والإنكار.

كما يعتبر البعض أن الشك دليل على الخوف والقلق، وله مستويات عدة تبدأ بنفي وجود الفيروس من أصله، ثم ربطه بالمؤامرات والشائعات والصراعات الوهمية.

وتنتشر آراء المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي حول الموضوع، فيقول أحد الفيسبوكيين “نحن لا نصدق ما يقولونه فبكل بساطة المواطن العادي فقد الثقة في الحكومة و المسؤولين منذ زمن بعيد…”

في حين عبّر آخر “لا أظن أن السلطات تكذب ولكن في الوقت نفسه، الأرقام لا تعكس الواقع لسبب بسيط و هو أن الكثير من الدول التي تقوم باختبارات مكثفة على مواطنيها تبين أن عدد الإصابات المعلن عنها لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من عدد الإصابات الحقيقي، و بعض الخبراء يقدرون الأعداد بين خمسة إلى عشرة بالمائة من العدد الحقيقي ولعل الحل الوحيد لمعرفة الحالات الحقيقية هو إجراء مئات أو آلاف الاختبارات يوميا”. 

وتقول إحدى الفيسبوكيات ” الأرقام صحيحة لأن عدد التحليلات المنجزة قليل جدا، وإذا ما تم إنجاز عمليات تحليل واسعة النطاق ستختلف بالتأكيد الأرقام، كما أظن أن إخفاء الحقيقة ليس في صالح مؤسسات الدولة ولا في صالح المواطنين.”

قبل الجائحة بقليل

إذا عدنا بالزمن إلى الوراء بقليل، في السنة الفارطة أعلنت دراسة للمعهد المغربي لتحليل السياسات أنجزت حول مؤشر الثقة وجودة المؤسسات، بهدف قياس وتحليل مستوى ثقة المغاربة في مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية أن “المشاركين في البحث غير راضين عن الاتجاه العام للبلاد، حيث أعرب 69 بالمائة من المبحوثين عن قلقهم إزاء الاتجاه العام للبلاد”، وهذا يكشف عن درجة عالية من الشك والقلق لدى المغاربة فيما يتعلق بالمستقبل، كما أعربت نصف العينة من المغاربة أنها غير راضية عن الوضع الاقتصادي، بحيث يرى حوالي 74 في المائة من المغاربة أن جهود الحكومة في محاربة الفساد ليست فعالة.

وفي القطاع الصحي، الثقة ليست عالية كذلك، حيث يثق 24 بالمائة فقط من المستطلعين بقطاع الصحة العمومي، علاوة على ذلك، عند النظر إلى المؤسسات المنتخبة، فإن المغاربة لديهم إحساس عدم ثقة مرتفع في هذه المؤسسات، بحيث عبّر حوالي 69 بالمائة من المغاربة أنهم لا يثقون في جميع الأحزاب السياسية،و 25 بالمائة فقط تثق بالنقابات العمالية، وتصل الثقة بالحكومة حوالي 23 بالمائة،كما أظهر 32.7 بالمائة فقط من المستطلعين ثقتهم في البرلمان.

جائحة أعادت الثقة

بالعودة للوضع الحالي، نجد دراسة حديثة لنفس الجهة، أوردت أن 77 بالمائة من المغاربة المستجوبين راضين عن الإجراءات التي قامت بها الحكومة لمواجهة فيروس “كورونا”، فمن الملحوظ أن ثقة المغاربة ازدادت شيئا فشيئا في الإجراءات التي اتخذتها الدولة لحمايتهم من الجائحة .

 وعلى الرغم من محدودية الإمكانات وهشاشة التواصل وغياب الثقة في بداية الجائحة إلا أن تسلسل الأحداث والقرارات التي اتخذتها الدولة يسير باتجاه إيجابي نحو تكريس علاقة جديدة بين المواطنين وبين مؤسساتهم.

عودة الثقة ظهرت من خلال الامتثال لقرارات الحجر الصحي الذي سجل بنسب كبيرة ، علاوة على حملة التبرعات الواسعة لفائدة صندوق تدبير تداعيات جائحة كورونا،كما التزام أغلب المواطنين بالإجراءات الصحية الوقائية التي أعلنتها السلطات، وبعد أن كان قطاع الصحة أحد أكثر القطاعات تعرضا للنقد والطعن في أوساط الرأي العام، تولّدت بعض ملامح التقدير والاحترام للأطقم الطبية التي تعمل جاهدة لرصد الظاهرة وعلاج المصابين ونشر الوعي بمخاطر الوباء. 

ويخلُص الكثيرون، بما فيهم المعارضين، إلى متانة مؤسسات الدولة وقدرتها السريعة على تنسيق الأنشطة والقرارات والإجراءات، ورفع حالة الطوارئ، والتفاعل مع مختلف النداءات التي تم توجيهها، فبينما تُعاني أنظمة صحية في دول أوربية غنية مثل إيطاليا وإسبانيا تحت وطأة الجائحة، يأمل المواطنون المغاربة أن تستمر اليقظة الوبائية المعلنة بتزامن مع ارتفاع درجات الوعي وتقيد الأفراد بإجراءات الوقاية.

كما أفرزت هذه المحنة روحا تضامنية كبيرة بين مختلف فئات المجتمع المغربي من سياسيين واقتصاديين ورياضيين وأفرادا من عامة الشعب، وانعكس الحدث المأساوي على النسيج المجتمعي بقدر كبير من روح التعاون، كما كشف المجتمع المدني عن حضور لا بأس به سواء من خلال حملات التضامن مع الفقراء، أو من خلال حملات التوعية الصحية.

ويبدو أن محنة جائحة كورونا تسير بالمغرب في اتجاه إعادة تمتين الترابط بين مختلف مكوناته الاجتماعية والسياسية، ويُتوقّع أن  يسهم هذا الاختبار بعد انتهاء الأزمة في رسم الخطوط العريضة لتمثل المشروع المجتمعي المغربي المراد بناءه، وأن تنشغل شبكات التواصل الاجتماعي اليوم في عز هذه المحنة بالنقاشات الهادفة إلى إعادة ترتيب أولويات الحكومة بالمزيد من الاهتمام بالقطاعات الاجتماعية وعلى رأسها قطاعا الصحة والتعليم بدل نشر الأخبار الزائفة وكل ما هو سلبي.

Share
  • Link copied
المقال التالي