Share
  • Link copied

قراءة في النظام الأساسي لقطاع التربية الوطنية

كثر الحديث عن النظام الأساسي الجديد لقطاع التربية الوطنية الذي اشتغلت عليه الوزارة الوصية بشراكة مع بعض النقابات لمدة تقارب السنتين، وصار موضوعه ومواده حديث الخاص والعام، وبسببه وقعت انتفاضة في القطاع متمثلة في وقفات احتجاجية وإضرابات، خصوصا في سلك التأهيلي.

وبعد نشره في الجريدة الرسمية، تبينت لنا جملة ملاحظات حوله نجملها في الآتي:

1 – تضمن النظام الأساسي جملة من الإيجابيات، منها إدماج أطر الأكاديميات في نظام موحد مع الموظفين، وقد نصت المادة الثالثة بوضوح على ذلك حين قالت: “تسري على الموارد البشرية أحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المطبقة على موظفي الدولة”، كما تضمن النظام الأساسي استفادة أطر التعليم الابتدائي والإعدادي من الترقية خارج السلم، إضافة إلى تضمين النظام للباب السابع، وهو باب التحفيز المهني، وهو باب لم يكن مدرجا ضمن النظام الأساسي السابق، وهناك إيجابيات أخرى لا نشك في المجهودات التي بذلت لتقنينها وتضمينها في الوثيقة القانونية.

2 – على مستوى الشكل، وقع السيد وزير التربية الوطنية في خطأ جسيم حين أصر على سرية الاشتغال مع النقابات التي بدورها اجتهدت في التكتم وعدم تسريب محتوى القانون، مع العلم أن هذه السرية المشددة لا تكون إلا في ما يكون محتاجا إلى الكولسة، أو في بعض المفاوضات مع العدو كشأن تبادل الأسرى أو تطبيع العلاقات أو غيرهما، أما أن يكون الاشتغال على نظام أساسي إطار فليس في حاجة إلى هذه المنهجية في الاشتغال، لأنها مخالفة لأبجديات الحداثة، والأخطر من هذا، أن هذه المنهجية التي اعتمدها الوزير مخالفة تماما للمنهجية التي يشتغل  بها الملك الذي يصر على المقاربة التشاركية في مثل هذه الأوراش، وما مدونة الأسرة عنا ببعيد، حيث نصت الرسالة الملكية الموجهة لرئيس الحكومة على الشراكة الوثيقة مع بعض المؤسسات، والانفتاح الواسع على المهتمين والمختصين، ولو استلهم السيد شكيب بنموسى روح العمل التي يشتغل بها الملك لانفتح بدوره على المعنيين والمهتمين والمختصين، بدل أن يكتفي – في جلسات مغلقة – بالحديث مع نقابات لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، وكان حريا به أن يستمع إلى النقابات الأكثر والأقل تمثيلية، لأنه لا وجود لقانون يمنع الوزارة من الانفتاح على النقابات الأقل تمثيلية، إضافة إلى الجمعيات المهتمة بالعمل التربوي والهيآت والمؤسسات والمختصين في مجال تدبير الموارد البشرية، وغير ذلك من الفعاليات ذات الصلة.

هذا المنهج الانغلاقي الذي اعتمدته الوزارة أفرز نظاما أساسيا قد تسجَّل عليه بعض الملاحظات، لكنه أسهم في احتقان شديد، وقد يكون هذا الاحتقان راجعا إلى التوجس من السرية، مضافا إليه الضعف الشديد للوزير والوزارة في مجال التواصل، وهذا ما سمح للشائعات أن تنتشر كالنار في الهشيم، وأن يعتمد عليها البعض في تأطير الشغيلة وخلق رأي عام منتفض داخل القطاع. ومن أمثلة هذه الشائعات ما يروج حول المهام المسندة إلى هيأة التدريس لزوما، وهو ما لا نجده في المتن القانوني كما سنجليه لاحقا.

3 – أحال النظام الأساسي على نصوص قانونية قديمة تعود إلى سنوات القرن الماضي، كما أحال إلى مواد ونصوص ومراسيم تعود إلى فترة ما قبل 2023، مما يعني أن النظام الأساسي أراد تجميع هذه المواد وعدم تركها مشتتة أمام دارسي التشريع المدرسي وأمام الأطر المعنية بهذا النظام، ولذلك نجد كثيرا من مواد النظام الأساسي تحيل على نصوص قانونية وتنظيمية سابقة، مثل:

المادة 8 التي تحيل على القانون 54.19، وهو قانون صادر سنة 2021،

المادة 22 التي تحيل على مرسوم 2.02.376 الصادر سنة 2002،  

المادة 41 والمادة 48 تحيلان على مرسومين صادرين سنة 1963.

المادة 49 تحيل على مرسوم صادر سنة 2005.

المادة 59 تحيل على مراسيم متعددة صادرة سنة 2003.

وهناك مواد أخرى تحيل على مراسيم سابقة، دون أن ننسى الإحالات على ظهير 1958،

هذه الإحالات تدل على أن النظام الأساسي ليس نظاما جديدا محضا، بقدر ما هو تجميع لنصوص صادرة قبل 2003، ونصوص قانونية أخرى صدرت بين 2003 و 2023، مع إضافة مواد أخرى لم يكن منصوصا عليها. وهذه الإشارة قد نفهم منها أن الانتفاضة الحالية قد يكون مردها لهذه المواد الجديدة دون القديمة التي كانت تؤطر القطاع.

4 – بالنسبة للعقوبات التأديبية، لأول مرة يتضمن النظام الأساسي موادا تأديبية لأطر القطاع الذين كانوا يخضعون في السابق للعقوبات التأديبية الواردة في قانون الوظيفة العمومية الصادر سنة 1958، وقد عرفت العقوبات المثبتة في النظام الأساسي الحالي تطورا إيجابيا وسلبيا.

أما التطور الإيجابي، فإن العقوبات السابقة كانت تتضمن الانحدار من الطبقة، وهو القهقرة في الدرجة، بحيث يتم إنزال الموظف من السلم العاشر أو الحادي عشر إلى ما دونه، وهذه العقوبة غير متضمنة في النظام الأساسي 2023. كما أن النظام الحالي أضاف عقوبة الحرمان من المشاركة في الحركة الانتقالية، وهي العقوبة التي تؤجل تطبيق العقوبة التي تليها، وهي الحذف من لائحة الترقي. أما في النظام السابق، فكانت أول عقوبة بعد الإنذار والتوبيخ هي الحذف من لائحة الترقي.

بالنسبة للتطور السلبي، فيتجلى في الآتي:

** الإكثار من العقوبات المفصلة بقي مفتوحا دون تقييد، ولطمأنة المعنيين بالأمر، كان لزاما على الوزارة أن تضيف مادة أساسية في باب العقوبات التأديبية، تنص لزوما على ضرورة إخضاع الإطار إلى عقوبة واحدة، أما عدم التنصيص على ذلك فقد يخول للجهة التأديبية أن تعاقبه بعقوبتين أو أكثر، ما دام أن القانون لم يقيد إرادتها.

** الأخطر مما سبق، أن النظام الأساسي افتتح باب العقوبات التأديبية بالعبارة الآتية: “تطبق على الموارد البشرية العقوبات التأديبية …”، وبنى الفعل للمجهول، فمن الذي سيطبق هذه العقوبات؟

أما في النظام السابق، فتضمنت العقوبات والتأديب عدة فصول، منها إعطاء الموظف المتهم الحق في الاطلاع على ملفه الشخصي، وتشكيل المجلس التأديبي المتكون من أعضاء، منهم ممثلو الموظفين، وينص الفصل 69 على ضرورة إصدار المجلس لقرار معلل، وينص الفصل 70 على الأجل الأقصى لذلك، وينص الفصل 71 على ألا تصدر الجهة المؤدبة عقوبة أقسى من العقوبة المقترحة من المجلس إلا بقرار من الجهة الحكومية، إلى غير ذلك من التفصيلات التي تقيد الإدارة، أما النظام الأساسي فخِلْوٌ تماما من هذه التقييدات، ما قد يطلِق يد الإدارة في العقاب، خلافا للتوجه الحداثي الذي يجب أن يؤطر روح النظام.

** من سلبيات الباب الخاص بالعقوبات، تضمينه لعقوبة الإعفاء بالنسبة للمتمرنين، وهي عقوبة قاسية جدا، من اللازم تدارك الأمر وحذفها في أقرب تعديل.

5 – بالنسبة لأطر الأكاديميات الذين أدمجوا في هذا النظام الأساسي، فإن أعضاء هيأة التدريس ينقسمون إلى قسمين، أساتذة الابتدائي، وأساتذة الثانوي، والقسم الثاني يمكن أن يدرّس في الثانوي التأهيلي أو الثانوي الإعدادي، ويمكن أن يدرس موسما هنا وموسما هناك، وهذا قد لا نتوقف عنده، لكن، وفي إطار التعسف في استعمال الحق، من الممكن أن تعين المديرية الإقليمية أستاذا للتدريس في التأهيلي والإعدادي في موسم دراسي واحد، ولا يوجد نص يمنعها من ذلك، لذا، وسدا للذرائع، كان لزاما على المشرع أن ينص في مادة مستقلة على عدم الجمع بين السلكين في موسم واحد، وألا يترك هذا الفراغ التشريعي لشطط الإدارة.

6 – بالنسبة للمهام، تدوولت على نطاق واسع أخبار مفادها أن الأستاذ ملزم بالقيام بكثير من المهام والأعباء، ومنها مهام عجائبية، تعمل على تأجيج مشاعر أطر القطاع ضد النظام الأساسي، وبالرجوع إلى هذا الأخير، نجد مهام أطر التدريس منحصرة في الآتي: [التربية والتدريس – التقييم والدعم المدرسي والمواكبة التربوية – التعاون والتنسيق ضمن الفريق التربوي – المشاركة في عملية التنمية والتطوير المهني – المشاركة في تنظيم الامتحانات المدرسية والمباريات وامتحانات الكفاءة المهنية – المشاركة في الأنشطة المدرسية والأنشطة المندمجة]، وهذه المهام هي ذاتها كانت منصوصا عليها وموجودة في الواقع والممارسة المهنية، إذ من كان يشرف ويؤطر الأنشطة المدرسية والمندمجة؟

نعم، في هذا النص إطلاقات يمكن تقييدها بحسن النية، وبما أن هذه الأخيرة أضحى منسوبها قليلا في صفوف غالبية هيأة التدريس تجاه الإدارة، فإنه كان حريا بالمشرع أن يضع بعض العبارات التقييدية، مثال:

** نصت المادة على المشاركة في تنظيم الامتحانات المدرسية والمباريات وامتحانات الكفاءة المهنية. هكذا أطلقت عبارة [المباريات]، فما المقصود بها؟

هل مباريات ولوج المراكز الجهوية للتكوين؟ أم يمكن إشراك هيأة التدريس في مباريات أخرى خارج القطاع؟

** نصت المادة على المشاركة في عملية التنمية والتطوير المهني، وهي ما يصطلح عليه بالتكوين المستمر، ونظرا للمحاولات الحثيثة للحد من العطل في هذا القطاع، فإن الإدارة ملزمة بتحديد أوقات هذا التكوين، وهذا سيخلق احتقانا آخر إذا بُرمجت هذه التكوينات إبان العطل المدرسية.

وعلاقة بالزمن، فإن الهيأة التعليمية رأت نوعا من الاستهتار من قبل الإدارة، خصوصا حين استدعتهم للمشاركة في إحدى المباريات في السنة الماضية يوم الأحد، لذا صار مطلب التحديد الزمني للمشاركة في هذه المهام مطلبا ملحا لضمان حد أدنى من الوضوح.

7 – علاقة بالشائعات التي أطرت الرأي العام التعليمي في الآونة الأخيرة، انتشرت مادة منسوبة إلى النظام الأساسي مفادها أن عملية تقييم أطر التدريس ستكون من قبل أطر الإدارة والمراقبة التربويتين إضافة إلى غرباء آخرين، هؤلاء الغرباء تفتقت عبقرية المحللين في تعيينهم وتحديدهم، وهذا ما لا يوجد في النص القانوني المنشور في الجريدة الرسمية، إذ نصت المادة 53 على أن الذي يتولى تقييم الأداء المهني لأطر التدريس هم: مدير المؤسسة والمفتش التربوي المعني، فأين هم هؤلاء الغرباء الذين تروجهم الشائعات؟ أليس هذا أمارة من أمارات وجود جهات ما تريد الاحتقان في الجسم التعليمي لتحقيق مآرب سياسوية أو اقتصادية ذات صلة بمؤسسات تعليمية ذات صبغة غير عمومية؟

8 – علاقة بالشائعات وتأجيج الرأي العام وإحداث شرخ داخلي بين مكونات الجسم التعليمي، يجتهد البعض في توزيع أرقام التعويضات التي سيحصل عليها أطر الإدارة التربوية، مع التركيز على حصول هيأة التدريس على صفر درهم، ويتم التركيز على صفر درهم بملصقات ذات إخراج يحقق الإثارة، في حين أن التعويضات كانت ممنوحة لأولئك الأطر في النظم الأساسية السابقة، وتمت الزيادة فيها، ولا يمكن سلبها منهم، فهل يمكن أن نتعامل مع الأستاذ مثل الحراس العامين أو المديرين الذين يشتغلون دواما أطول وتلقى على عاتقهم أعباء أكثر؟

أظن أن الترويج لمثل هذه القضايا الثانوية وتضخيمها له علاقة بالجهات السابقة التي تريد الاحتقان في الجسم التعليمي. خصوصا أن “النضال” الحالي تقوده تنسيقيات لا نعلم ظروف تأسيسها ومراحل احتوائها أو الركوب عليها كما سبق أن وقع في نضالات غير مهيكلة سابقة، مع العلم أن الذين يتقنون الركمجة كثيرون، ولكل واحد منهم أجندته أو أجنداته الخاصة.

9 – بالنسبة للعطلة، نصت المادة 70 على تحديد العطلة السنوية في 22 يوما من أيام العمل، وهذا هو المنصوص عليه في الوظيفة العمومية، لكن النص لم يكتف بهذا فقط، بل أضاف لغما لا يجوز الإبقاء عليه مبهما، فقال: “يُسمح لأطر التدريس وأطر التفتيش التربوي بالاستفادة من الرخصة السنوية المذكورة لأكثر من 22 يوم عمل خلال عطلة نهاية السنة الدراسية”، وهنا نركز على عبارة: “يُسمح”، وهي عبارة لا تفيد الإلزام، بمعنى أنه قد لا يُسمح لأطر التدريس بذلك، ولا يوجد نص ملزم يحتكمون إليه عند النزاع.

وأحيانا، قد يبقى أطر التدريس بعد ذهاب التلاميذ وانتهاء مهامهم معلقين بدون عمل، ومجبرين على الحضور، نظرا لأنه لم [يُسمح] لهم بتجاوز 22 يوم عمل.

وهنا أفتح قوسا وأذكر ثلاث إشارات:

** أطر الوظيفة العمومية يستفيدون من 22 يوم عمل متأرجحة داخل السنة، قد يستفيدون منها في أي وقت شاءوا، بخلاف أطر التدريس الذين لا خيار لهم.

** يستفيد أطر الوظيفة العمومية 22 يوم عمل، ويضاف إليها أيام السبت والأحد والعطل الرسمية، فتصير عطلتهم شهرا أو ينيف، أما بالنسبة لأطر التدريس، فإن يوم السبت يعد يوم عمل، وبالتالي، إذا حسبوا 22 يوم عمل، فستكون عطلتهم أقصر من عطلة أطر الوظيفة العمومية.

** إذا أرادت الوزارة تسوية أطر التربية الوطنية بأطر الوظيفة العمومية في 22 يوم عمل، فإنها ملزمة بتسويتهم بنظرائهم في جعل يوم السبت ضمن العطلة الأسبوعية.

وأضيف إشارة رابعة ليست من صلب ما سبق: التسوية في العطلة  أمر محمود لا ننكره ولا نرفضه، لكن بتحقيق شرط المساواة كما سبق، وبتحقيق المساواة في الأجور والتعويضات أيضا، وكما لا يخفى على المسؤولين أن أطر بعض القطاعات تستفيد من أجرة الشهر الثالث عشر، وبعضها له تعويضات دورية، وبعضها زيدت في أجورهم ككتاب الضبط والمساعدين الطبيين والأساتذة الجامعيين وغيرهم.

هذه بعض الملاحظات الخاصة بالنظام الأساسي لقطاع التربية الوطنية، تضمنت الإشارة إلى بعض السلبيات دون إغفال بعض الإيجابيات، والسلبيات أو النقائص يمكن تفاديها بيسر وسهولة إذا استلهم الوزير المنهجية الملكية التي تتبنى العمل التشاركي والانفتاح على الفعاليات والمهتمين، كما يمكن الضغط على الوزارة لجبر هذه النقائص بعمل نضالي معقلن وراشد بعيدا عن التهور والاندفاع الذي قد يضر بكل المرتفقين في القطاع.

Share
  • Link copied
المقال التالي