Share
  • Link copied

شبح الخراب يهدد زاوية “تناغملت” بإقليم أزيلال

تعتبر زاوية “تناغملت” بجماعة آيت تاكلا (إقليم أزيلال)، نموذجا أصيلا للتراث العمراني الجبلي التقليدي بالمغرب، الذي يتطلب إعادة تثمينه ورد الاعتبار إليه، بهدف تعزيز مساهمته في التنمية السياحية والثقافية المحلية.

فعلى بعد ثمانية كيلومترات من شلالات أزود الشهيرة، وبين هضاب وجبال عالية وشلالات منسابة وسواق وعيون عذبة رقراقة تخترق المجال، تنتصب زاوية “تانغملت” ، التي شيدت في القرن السابع عشر الميلادي على يد الإدريسي النسب أبو عمران موسى بن يعقوب البوكمازي (نسبة لآيت بوكماز بإقليم أزيلال)، وانتظمت حولها قرية جبلية ذات طبيعية خلابة، وخصوصية عمرانية متميزة، بشكل بناياتها وبيوتاتها الطينية التقليدية المتراصة والمتداخلة ، المترامية من أسفل الهضبة إلى أعلى الجبل بشكل متلاصق، المغطاة بسقوف قصبية وخشبية، وجدران مكونة من مزيج من التراب والتبن والجير ، ومبلطة بقليل من الإسمنت.

وتتوفر هذه القرية على مخزون مهم من الموارد المائية التي تعتمد عليها ساكنة المنطقة في أنشطتها اليومية المعتادة من شرب وري لبساتينها ومزارعها الفلاحية الصغيرة، وأشجارها المثمرة خاصة الرمان والتين والزيتون ، الموجودة بكثافة في هذه المنطقة الجبلية.

واشتهرت هذه القرية بحمامها البلدي التقليدي العتيق المشيد منذ قرون، تشرف عليه الساكنة وفق أعراف قبلية تمتد لعشرات السنين، حيث تتناوب على العناية به وتسخينه كل يوم أسرة من تناغملت ، متيحة بذلك المجال أمام مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية للاستحمام فيه يوميا مجانا ، وبالتناوب بين النساء والرجال.

وعلى مدى عقود طويلة منذ تأسيسها اضطلعت زاوية تناغملت، التي كانت تضم مسجدا عتيقا مصنفا ضمن التراث الوطني وخزانة مزينة بكتب قيمة في مجال الفقه والتصوف والعلوم والفلسفة ، بأدوار دينية وعلمية وعمرانية وتربوية واجتماعية هامة، مكنت الساكنة من الاستقرار بهذه القرية ، وطلاب العلم القادمين من مختلف أنحاء المملكة من تلقي دروس وحصص في تلاوة وتجويد وحفظ القرآن الكريم والنهل من علومه ومعارفه.

ولطالما شهدت القرية أنشطة ثقافية وفنية واجتماعية واقتصادية ، حيث شكلت المواسم الصيفية والدينية مناسبة احتفالية للساكنة المحلية والقبائل المجاورة خاصة آيت عتاب وآيت بوكماز والنتيفة ، للقيام بزيارة للزاوية، محملة بمحاصيل زراعية ، ومرفوقة بفرقها الموسيقية المحلية من أحواش وعبيدات الرمى وعازفي الكمان و”الغيطة” وفرق موسيقية ترقص على إيقاعات البارود و”بوالجلود”، وشعراء أمازيغ متخصصين في المدح و الهجاء ، يجترحون لحظات انشراح ومرح وبهجة….

علاوة على ذلك كانت هذه الزيارات تشكل فرصة لتنشيط دورة اقتصادية محلية تسمح لنساء القرية بتسويق منتوجاتهن النسيجية من زرابي وأثواب محلية مصنوعة من الصوف، وتمكن الفلاحين بالمنطقة من عرض منتوجاتهم الفلاحية للزوار، مما كان يساهم في حركية اقتصادية تؤمن شروط الاستقرار الاجتماعي والإنساني.

غير أن حال هذه القرية اليوم أصبح يغني عن السؤال، حيث لم تعد تحتضن بين جنباتها سوى 600 نسمة، وتعاني من إكراهات متعددة، أبرزها هجرة ساكنتها المتواصلة، وتوقف الإشعاع الثقافي والاجتماعي والسياحي لزاويتها بسبب التصدعات الكبيرة والتشققات التي طالت جدرانها نتيجة الإهمال والخراب الذي بات يتهددها ، وشبح انهيار منازلها وبناياتها التقليدية المتراصة التي تميز تراثها العمراني، علاوة على عزلتها الجغرافية وهشاشة بنياتها التحتية، وصعوبة الولوج إلى القرية.

هذا الوضع تسبب في انحسار اقتصادي وثقافي وسياحي، اللهم من بعض الأنشطة الفلاحية المعاشية، والصناعة النسيجية (الزربية المحلية اعتمادا على مواد محلية)، وأنشطة جمعوية ذات بعد اجتماعي، لا تستقطب اهتمام أكثر من جمعيتين ، إحداهما تحمل اسم التعاونية الحرفية “إفسر” للنسيج ، تشكل الملاذ الوحيد للنساء بتانغملت للخروج من حالة التهميش، والسعي للاندماج الاجتماعي والاقتصادي، من خلال تسويق الزربية المحلية.

لكل هذه الأسباب يدق رئيس “جمعية تناغملت للتنمية المحلية” محمد هشام، في تصريح لقناة إم 24 التابعة للمجموعة الإعلامية لوكالة المغرب العربي للأنباء، ناقوس الخطر ، داعيا إلى رد الاعتبار إلى هذه الزاوية التاريخية، من أجل أن تشكل من جديد “نقطة جذب” سياحي وثقافي ، ضمن رؤية تراعي خصوصيات التراث العمراني والاجتماعي الإنساني بالقرية..

وفي هذا الصدد، شدد السيد هشام على ضرورة إصلاح وترميم “زاوية تناغملت” ، وإعادة فتح مكتبتها وتوفير نسخ من الكتب التي كانت تضمها في السابق بهدف الاحتفاء بتراث وتاريخ المنطقة، وكذا تطوير البنيات التحتية لتسهيل عملية الولوج إليها، وهو ما من شأنه أن يعزز السياحة الثقافية والتضامنية ، ويطلق دينامية تنموية ورواجا اقتصاديا محليا وجهويا.

ومن جهته، أوضح محمد أولمير رئيس جماعة آيت تاكالا أن هذه الجماعة تتوفر على مواقع سياحية مهمة مثل شلالات أوزود وزاوية تناغملت، يتعين تأهيلها وتثمينها للمساهمة في تعزيز جهة بني ملال-خنيفرة كوجهة وقطب سياحي جهوي بامتياز.

لقد اضطلعت زاوية “تناغملت” ، بموقعها الطبيعي المميز وعمرانها الأمازيغي وتراثها الديني والثقافي العريق، بأدوار ثقافية ودينية واجتماعية واقتصادية محورية، ساهمت في تطور المنطقة ، وتأمين ظروف استقرار ساكنتها على مدى أربعة قرون، غير أن عوامل عديدة تحول دون اندراجها في الدورة التنموية المحلية والجهوية، وتهدد بخراب تراثها العمراني هذا، واندثار معالمها ، وهجرة واسعة لمن تبقى من قاطنيها الذي يستعيدون ذكريات ماضيها الجميل، وهم يتحسرون على واقع حالها، متهيبين من مآلها المنظور…

Share
  • Link copied
المقال التالي