Share
  • Link copied

المْسيّح في حَديث عَنْ “قرآن مَكناسْ” وتَهريب المخطُوطَات واتهامه بـ”الكُفرِ والزَندّقة”

قال مُحمد المْسيّح، الباحث المغربي المتخصص في علم المخطوطات القديمة، والذي اشتغل على دراسات وأبحاث متعلقة بالنص القرآني صدرت في كتاب “مخطوطات القرآن، مدخل لدراسة المخطوطات القديمة”، إنّ علماء المسلمين إلا أقلية منهم، للأسف، يرون في العلوم الحديثة “بدعة”، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالشأن الديني.

وأضاف المسيح في حوار مع جريدة “بناصا” الإلكترونية، أنّ معظم علماء المسلمين، لا يعترفون بعلم الخطاطة ولا بعلم المخطوطات ولا حتى بعلم فقه اللغة المقارن، لعدم معرفتهم بها وأهميتها من الناحية التاريخية كمواد تشهد على العصور الماضية، في حين انتبه المستشرقون لأهميتها منذ القرن السادس عشر الميلادي، فاشتروا آلاف المخطوطات من البلدان الإسلامية، ونقلوها لبلدانهم من أجل الدراسة.

من جانب آخر، اعتبر المتخصص في علم المخطوطات القديمة، أنّ مصحف مكناس، يُعتبر من أعظم المصاحف التي عرفها بلدنا المغرب خلال الحقبة الإسلامية، ونُسخ بالخط الكوفي القديم وعليه نقط حمراء لأبي الأسود الدؤلي لتحديد حركات الإعراب، يعود بحسب التقديرات الفنية لنهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي.

وفي ما يلي نص الحوار:


محمد المسيّح..  بصفتك عالم وباحث في المخطوطات القديمة، ومتخصصا في المخطوطات القرآنية، هل يمكن لك أن تشرح لنا هذا العلم الدقيق وأهميته ؟

أولا لا أعتبر نفسي عالم مخطوطات؛ فهذا اللقب أكبر من مستواي العلمي بكثير، أنا مجرد باحث في هذا المجال، وقد حالفني الحظ بأخذ هذا العلم من علماء مشهود لهم عالمياً كالأستاذ جيرد بوين Gerd-R. Puin وزوجته الدكتورة إليزابيث بوين Elizabeth Puin، حيث أخذت عنهما علم الخطاطة (Palaeography) وهو علم يختص بدراسة أصول الخط وتطوره عبر العصور، ومساره التاريخي من حيث الإضافات التي طرأت عليه لتسهيل قراءة المخطوط، من إدخال حروف المدّ، والتنقيط لتبيُّن حروف الإعجام، ثم علامات الوقف والتشكيل لتحديد علامات الإعراب، والهمز لتسهيل فهم معاني الكلمات ذات الرسم المشترك.

وعن الدكتور فرنسوا ديروش François Déroche  أخذت علم المخطوطات (Codicology)، وهو علم يختص بدراسة المادة التي كُتب عليها النص سواء كانت من الجلد وهي الأقدم، أو من ورق البردي أو الورق الصيني وهي الأحدث، وكذلك دراسة المراحل التي مرت منها صناعة هذه المادة حتى أصبحت جاهزة للاستعمال؛ فهاتين المادتين مادة علم الخطاطة، ومادة علم المخطوطات ضروريتان لمعرفة عمر المخطوطات الافتراضي.

ثم تلقيت علم فقه اللغة المقارن (Philology) على يدي أستاذي كريستوف لكسنبيرغ  Christoph Luxenberg وهو علم ضروري لاستنطاق المخطوط من الناحية اللغوية، ومعرفة سياقه التاريخي بمقارنة كلمات النص بنظيرتها في اللغات الأخرى ذات الجذر المشترك، كاللغة العبرية والآرامية -السريانية واللغات المهيمنة في زمن ظهور النص كاللغة الفارسية واليونانية، وذلك لتسليط الضوء على المقاطع الغامضة في النص الذي اختلف فقهاء اللغة والتفسير في معرفة معناه الحقيقي.

وتبرز أهمية دراسة المخطوطات القديمة في معرفة تطور الخط العربي من مرحلته البدائية إلى مرحلة النضج والإبداع، ثم قياس المخطوطات القرآنية القديمة على ضوء هذا التطور والتأكد من تاريخية القرآن ومعرفة المراحل التي مر منها المصحف إلى أن وصلنا بشكله الحالي غني بفن الخط والزخرفة.

ما هي أبرز النتائج التي توصل لها المسيّح في مجال تخصصه ؟

من أهم النتائج التي توصلت إليها في مجال تخصصي عند تحقيقي لمخطوطة مارسيل 18 بصفة خاصة، ومصحف باريسينو-بتروبوليتانس (Parisino-petropolitanus) بصفة عامة، هو وجود تغيرات على بعض الكلمات، من أهمها كلمة كلالة التي أشار إليها الدكتور فرنسوا ديروش François Déroche في كتابه “النقل الكتابي للقرآن في بداية الإسلام مصحف باريسينو-بتروبوليتانس” La transmission écrite du Coran dans les débuts de l’islam. Le codex Parisino- petropolitanus

وفي دراسة معمقة قام بها الأستاذ ديفيد باورز David S. Powers على هذا المصحف (باريسينو-بتروبوليتانس)، كشف عن التغيير الذي وقع في الآية 12 من سورة البقرة على كلمة “كلالة” والتي كانت في الأصل “كلة” وتعني في اللغات السامية زوجة الابن المتوفى قبل والديه، فهذه الكنة الأرملة كان لها الحق في الإرث من أم أو أب زوجها المتوفى بنسبة السدس من الميراث، أما كلمة “الكلالة” في آخر السورة فلم يطرأ عليها أي تغير وتعني الميت نفسه.
كذلك قدمت مقالا علمياً بعنوان “قصة الفيل في القرآن بين الأسطورة والتاريخ” نشر في المجلد 8 لمعهد إنارة الألماني INÂRAH، وقد كَتبت مؤخراً كتابًا بعنوان “مخطوطات القرآن مدخل لدراسة المخطوطات القديمة” نشرته واتر لايف الأمريكية Water Life أعيد طبعه بالأبيض والأسود من مؤسسة دار الوطن المغربية.

تحدثت في إحدى حلقات صندوق الإسلام مع حامد عبد الصمد عن “قرآن مكناس”، ما المقصود بقرآن مكناس، وكم يوجد من قرآن؟ 

مصحف مكناس من أعظم المصاحف التي عرفها بلدنا المغرب خلال الحقبة الإسلامية، نُسخ بالخط الكوفي القديم وعليه نقط حمراء لأبي الأسود الدؤلي لتحديد حركات الإعراب، يعود بحسب التقديرات الفنية لنهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي، وبالتالي يكون من بين أقدم المصاحف التي وصلت إلى شمال أفريقيا، ولا يقل أهمية عن المصاحف التي نُسبت إلى الخليفة عثمان بن عفان، كمصحف المشهد الحسيني بالقاهرة، ومصحف طوبي كابي سراي HS 44/32.

وسمي هذا المصحف بمصحف مكناس؛ لأن أول مرة أخذت له صورًا من طرف المستشرق الألماني أوتو بريتزل  Otto Pretzl عند رحلته للمغرب ربيع سنة 1934م بمدينة مكناس، وكان هذا المصحف في ملكية نقيب الشرفاء العلويين المرحوم عبد الرحمن بن زيدان، وهذه الصور موجودة ضمن قائمة الجرد الخاصة بأرشيف المستشرق الألماني جوتهلف برجشتريسر Gotthelf Bergsträßer‏ ؛ فانقطعت أخبار هذا المصحف إلى أن ظهر جزء منه في متحف طارق رجب بالكويت الذي فتح أبوابه سنة 1980م.

وفي السنوات الأخيرة بيعت رقع من هذا المصحف في دور المزادات بلندن ابتداءً من سنة 2008م وأكتوبر 2009م بدار المزاد بونهامز Bonhams ، وفي 7 أبريل 2011م بمزاد كينج ستريت King Street، وفي أكتوبر 2012م بمزاد بونهامز Bonhams ، وفي 10 أكتوبر 2014م بمزاد كريستيز في ساوث كنزنغتون South Kensington Christies، وفي 23 أبريل 2015م، وكذلك في 8 أبريل 2015م بمزاد كينج ستريت King Street.

وهناك احتمال وجود جزء من هذا المصحف في المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط تحت رقم 12610، وللتأكد من أنه نفس المصحف، نحتاج للمقارنة بين الجزء الموجود بمتحف طارق رجب بالكويت والجزء الموجود بالمكتبة الوطنية بالرباط.

لماذا تحدثت عدة مرات عن هذا المصحف؟

الجواب، لأني أعتبر نفسي مسؤولاً بحكم عملي عن الإهمال غير المقصود الذي يتعرض له المخطوط المغربي بصفة عامة، وتنبيه المسؤولين للنزيف الذي يتعرض له الموروث والثقافة المغربية من ضياع مخطوطات مغربية نادرة لا تقدر بثمن من مخطوطات عربية إسلامية، ومخطوطات أمازيغية تراثية، ومخطوطات عبرية دينية، تباع في الأسواق السوداء دون ترخيص أو مراقبة وتُهرب خارج المغرب، لنجدها تُباع في دور المزادات العالمية، ولا نحرك لضياعها ساكن.

وبحكم عملي توصلت إلى العديد من الرسائل والصور لمخطوطات مغربية وسورية وعراقية لا تقدر بثمن يريد أصحابها معرفة قيمتها التاريخية، وما تحمله من أسرار عن ماضينا المجيد، وتقدير ثمنها المناسب، وكنت ولا زلت أطالب هؤلاء بالتريث في بيعها وتهريبها للخارج لأنها مواد محظورة بموجب اتفاقية اليونيسكو 1970م تحت إشراف مجلس الأمن الدولي، والتي تجرم نهب وسرقة الآثار والمخطوطات وبيعها واستيرادها وتصديرها دون إذن من الوزارات المعنية بالأمر، لكن لا حياة لمن تنادي، فما أحوجنا لهذه الكنوز التي تشهد على تاريخ المغرب، فبدونها لا نستطيع التأكد من حقيقة هذا التاريخ.

كيف يستقبل علماء المسلمين أبحاثك، ولماذا سمَّيت القرآن بالدستور؟

للأسف علماء المسلمين إلا أقلية منهم يرون في العلوم الحديثة “بدعة” خاصة عندما يتعلق الأمر بالشأن الديني، فمعظم هؤلاء العلماء لا يعترفون بعلم الخطاطة ولا بعلم المخطوطات ولا حتى بعلم فقه اللغة المقارن، لعدم معرفتهم بها وأهميتها من الناحية التاريخية كمواد تشهد على العصور الماضية، في حين انتبه المستشرقون لأهميتها منذ القرن السادس عشر الميلادي، فاشتروا آلاف المخطوطات من البلدان الإسلامية، ونقلوها لبلدانهم من أجل الدراسة والبحث حتى أصبحوا روادًا في هذا المجال، وسبقوا علماء الإسلام بمئات السنين في معرفة أسرار هذه المخطوطات.

وبالتالي أي بحث سواء مني أو من غيري لا يلقى أي اهتمام من علمائنا الأفاضل، بل على العكس ربما تُتَّهم بالكفر والزندقة، وبالتالي ربما هذا ما يفسر عدم اهتمام المسؤولين في الدولة بتدريس هذه المواد العلمية في المعاهد والجامعات الكبرى ببلداننا العربية الإسلامية، باستثناء تركيا وإيران في الآونة الأخيرة.

القرآن هو دستور الدولة المدنية في التاريخ المبكر للإسلام؛ حيث يضم تشريعات وأحكام تنظم حياة الرعية تحت راية الإسلام، ويقدم لها حِكمًا ومواعظًا من قصص الأنبياء والموروث الثقافي المحيط ببيئته الثقافية التي ظهر فيها من أجل تهذيب النفوس ورفع مستوى الأخلاق، وعلاقة الفرد بخالقه ومجتمعه، وقد استوحى هذه القصص والأحكام من العقائد التي سبقته خاصة في الديانات الإبراهيمية، ففي معظمها قصص رمزية وليست تاريخية، والفائدة منها تكوين شخصية المسلم، وجعله قادرًا على تحمل مسؤولية تكوين المجتمع والسير به نحو التقدم والازدهار. 

Share
  • Link copied
المقال التالي