Share
  • Link copied

السياحة الصحراوية في المغرب: ثروة غير مُستغلة.. كيف يمكن للإعلام أن يُشعل الثورة السياحية في الأقاليم الجنوبية؟

رمال ذهبية تمتد بلا نهاية، وواحات خضراء تنبض بالحياة وسط مشهد صحراوي أخّاذ، حيث تعانق الكثبان المهيبة شواطئ الأطلسي في لوحة طبيعية آسرة.

تمتزج هذه الجغرافيا الفريدة مع إرث ثقافي عريق، تحمله أنغام الموسيقى الحسانية وعبق التاريخ المنسوج في خيام الرحل وأسواق الحرف التقليدية.

ورغم كل هذه المقومات، لا تزال السياحة الصحراوية في المغرب كنزًا غير مستغل بالكامل، في انتظار رؤية إعلامية استراتيجية تضعها في صدارة الوجهات العالمية.

وهنا، يبرز الإعلام كأداة حيوية وفعالة لإبراز المقومات السياحية المتميزة للجنوب المغربي، وتحويله إلى وجهة دولية تنافسية تسحر قلوب الزوار.

وبحسب عدد من الخبراء المغاربة، فإن هذا التحول يتطلب اعتماد استراتيجيات مدروسة تعزز من جاذبية هذه المنطقة، وتسهم في تسليط الضوء على سحرها الفريد.

وفي سياق إعداد هذا التقرير، قمنا بجولة ميدانية في عدد من المناطق الصحراوية بالمغرب، حيث عاينا عن كثب جمالها الأخّاذ وتنوع تجاربها السياحية، التي تجمع بين سحر الطبيعة وأصالة الموروث الثقافي.

واستطعنا من خلال جهودنا في فريق جريدة “بناصا” الإلكترونية، جمع آراء مجموعة من المختصين، بما في ذلك اقتصاديين وباحثين ومخرجين سينمائيين ومختصين في علم الإعلام والتواصل، لنقدم رؤية شاملة حول إمكانيات السياحة في هذه المنطقة الغنية.

ويهدف هذا التقرير إلى استكشاف الفرص الواعدة التي تزخر بها السياحة الصحراوية في المغرب، مع التركيز على آليات الترويج الفعّال واستراتيجيات التنمية المستدامة، بما يضمن تعزيز جاذبية هذه الوجهة الفريدة وترسيخ مكانتها على خارطة السياحة العالمية.

المؤهلات السياحية للصحراء المغربية: تنوع جغرافي وطبيعي وفرص سياحية بحرية

1. التنوع الجغرافي والطبيعي:

وأكد الأستاذ محسن الجعفري، الباحث في الاقتصاد السياسي، على أهمية تعزيز التسويق الإعلامي للاستفادة من الموارد الغنية التي تتمتع بها الصحراء المغربية، مشيرًا إلى أن هذه الجهود يمكن أن تسهم في جذب السياح من مختلف أنحاء العالم.

وأضاف في تصريح لـ”بناصا”، أن الثقافة الصحراوية الغنية، والتي تشمل تقاليد عريقة، تبرز في فن الطهي مثل “المدفونة”، فضلاً عن المناظر الخلابة في واحات محاميد الغزلان ليلًا ونهارًا.

ومع التطور الرقمي، بات الإعلام الرقمي أداةً رئيسية لتسويق هذه المؤهلات، حيث يمكن لوثائقيات موضوعاتية أن تسلط الضوء على هذه الوجهات، كما فعلت شبكة الجزيرة سابقًا بعرض برنامج حول حمام الرمال في هذه المنطقة ومنطقة زاكورة.


2.السياحة البحرية:

وتعد مدينة الداخلة وجهة عالمية لعشاق الرياضات البحرية، حيث تستقطب مسابقات دولية لرياضات التزلج على الماء (كايت سورف) وتستضيف أحداثًا رياضية تجذب وسائل الإعلام العالمية.

وفي هذا السياق، أكد الجعفري، أن السياحة البحرية بدورها تلعب دورًا أساسيًا في جذب السياح، خاصة في مدينة الداخلة، التي أصبحت مركزًا عالميًا لرياضات التزلج على الماء (كايت سورف) وتستضيف مسابقات دولية تحظى باهتمام الإعلام العالمي.

وبحسبه، فإن هذا التسويق القوي جعل الداخلة نقطة جذب مقارنةً مع جهات أخرى مثل العيون والسمارة، حيث استقبلت الداخلة نحو 150,000 سائح في عام 2023، وهو رقم يفوق بكثير ما سجلته هذه المدن الأخرى، ما يدل على الحاجة إلى برامج تسويقية موجهة وتعزيز الرحلات الجوية المباشرة نحو هذه المناطق.

3.الثقافة والتراث:

وشدد الباحث في الاقتصاد السياسي، أن الأقاليم الجنوبية تزخر برصيد ثقافي غني يشمل الفلكلور الحساني، الصناعات التقليدية، والمواسم السنوية مثل موسم طانطان، المصنف ضمن التراث اللامادي الإنساني لليونسكو، ما يشكل عنصر جذب قوي للسياحة الثقافية.

أما المواقع الأثرية، فتروي تاريخ المنطقة من خلال الزوايا الدينية العتيقة، القلاع الأثرية، ومسارات القوافل التجارية القديمة، والتي يمكن استثمارها في تنظيم مسارات سياحية متخصصة.

وتشير الإحصائيات إلى أن منطقة درعة تافيلالت جذبت نحو 500,000 سائح، معظمهم من شمال أوروبا، بعد جائحة كوفيد-19، مما يعكس اهتمامًا متزايدًا بالسياحة في هذه المناطق.

4. السياحة الدينية:

أما السياحة الدينية، فتستفيد من التأثير والامتداد الإفريقي لحقل إمارة المؤمنين، حيث تمثل الطرق الصوفية مثل التيجانية والقادرية والبرهانية والسمانية عناصر جذب للمريدين من القارة الإفريقية.

وقال الجعفري، إن المغرب، باعتباره بوابة التصوف لجنوب الصحراء الكبرى، يزخر بمعالم دينية مهمة مثل زاوية الشيخ الركيبي وزاوية الشيخ ماء العينين في نواحي السمارة، مما يمنحه دورًا رياديًا في استقطاب السياح الروحيين.

محسن الجعفري: التسويق الإعلامي هو الجسر الذي يربط بين ثرواتنا الطبيعية والثقافية واستقطاب المريدين والسياح من كل بقاع العالم.

ولتعزيز هذا الدور، يتطلب الأمر تنظيم مواسم روحية عالمية لتثمين هذا الامتداد الروحي، مما سينعكس إيجابيًا على التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.

ورغم هذه المؤهلات المتعددة، لا تزال الصحراء المغربية بحاجة إلى جهود أكبر في مجال التسويق السياحي وتطوير العرض السياحي بما يتناسب مع تنوعها الطبيعي والثقافي.

وأشار إلى أن تعزيز الرحلات الجوية المباشرة، وتطوير البنى التحتية السياحية، واستثمار الإعلام الرقمي للترويج لهذه الوجهات، كلها عوامل يمكن أن تسهم في تحقيق نهضة سياحية مستدامة في الأقاليم الجنوبية للمملكة.

الاستثمار في السياحة الصحراوية: رافعة للتنمية الاقتصادية في الأقاليم الجنوبية للمغرب

من جانبه، أبرز الخبير في التخطيط الاستراتيجي وقيادة التغيير، أمين سامي، الدور المحوري للسياحة الصحراوية في الأقاليم الجنوبية للمغرب في تعزيز الاقتصاد الوطني.

وأشار في حوار مع “بناصا”، إلى أن تنوع المنطقة الجغرافي، بما في ذلك كثبان مرزوكة الرملية والمحميات الطبيعية، يجذب عشاق المغامرات البيئية، مما يستدعي تطوير البنية التحتية السياحية لزيادة عدد السياح وخلق فرص عمل في مجالات الإرشاد والضيافة والنقل المحلي.

أمين سامي: السياحة الصحراوية قد تساهم بـ5% من الناتج المحلي وخلق 60,000 وظيفة بحلول 2030

كما لفت إلى أن مدينة الداخلة أصبحت وجهة عالمية للرياضات البحرية، خاصة الكايت سورف، مما يتطلب تعزيز هذا النوع من السياحة لزيادة العائدات الاقتصادية وخلق وظائف جديدة في الضيافة والتدريب الرياضي.

وفي هذا السياق، يرى سامي أن تحويل الأقاليم الجنوبية إلى وجهة سياحية عالمية متعددة الأبعاد، تجمع بين المغامرة والثقافة والاستدامة، يمكن أن يسهم بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب بحلول عام 2030، مع خلق 60,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

الإعلام والترويج السياحي: أين نحن من التجارب الدولية؟

أصبح الإعلام والترويج السياحي من الأدوات الأساسية لجذب السياح وتعزيز مكانة الدول كوجهات سياحية عالمية. وبفضل استراتيجيات مدروسة، تمكنت بعض الدول من تسويق صحرائها بطرق إبداعية، مما جعلها قبلة للسياح من مختلف أنحاء العالم.

وتعتمد هذه الاستراتيجيات على الإعلام الرقمي، الإنتاج السينمائي، والمهرجانات الدولية. فكيف نجحت بعض الدول في تسويق صحرائها؟ وأين نحن من هذه التجارب؟

1. الإمارات: استثمار ضخم في الإعلام والسياحة الصحراوية

نجحت الإمارات في تحويل صحرائها إلى واحدة من أبرز الوجهات السياحية العالمية بفضل استثمارات ضخمة في الإعلام والترويج السياحي، ما جعلها مقصدًا جذابًا لعشاق المغامرات والسياحة الفاخرة.

ولعبت صناعة السينما دورًا محوريًا في هذا النجاح، حيث تم تصوير مشاهد من أفلام هوليوودية بارزة مثل the star wars (2015) في صحراء أبوظبي، مما سلط الضوء على جمال الكثبان الرملية وجذب السياح من عشاق الأفلام والمغامرة.

تصوير فيلم Dune أو “الكثبان الرملية” في منطفة ليوا في صحراء الإمارات سنة 2021

كما ساهم فيلم Dune” (2021)”، الذي صُوّر جزئيًا في منطقة ليوا، في تعزيز شهرة هذه الوجهة عالميًا. بالإضافة إلى ذلك، تحتضن الإمارات مهرجانات صحراوية سنوية بارزة مثل مهرجان قمة المغامرات في دبي، الذي يجمع محبي السياحة البيئية والأنشطة الصحراوية، ومهرجان ليوا الدولي، الذي يشمل سباقات سيارات الدفع الرباعي وعروضًا ثقافية تعكس تراث المنطقة.

ولم يقتصر الترويج السياحي على الفعاليات المباشرة، بل امتد إلى الحملات الرقمية، حيث أطلقت الإمارات حملة “Visit Dubai”، التي استفادت من وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات الرقمية لاستهداف المسافرين الباحثين عن تجارب فريدة في الصحراء، مما ساهم في تعزيز مكانة الإمارات كوجهة سياحية عالمية متميزة.

2. الأردن: الترويج من خلال السينما العالمية

وتمكنت الأردن من تحويل وادي رم إلى وجهة سياحية عالمية من خلال استراتيجيات تسويقية مبتكرة تعتمد على الإنتاج السينمائي والترويج الإعلامي.

ولعبت الأفلام العالمية دورًا رئيسيًا في هذا النجاح، حيث استخدمت هوليوود المشاهد الطبيعية الخلابة للوادي في أعمال شهيرة مثل The Martian” (2015)”، الذي أظهر تضاريسه المشابهة لسطح المريخ، مما ساهم في زيادة شهرته عالميًا، بالإضافة إلى Lawrence of Arabia” (1962) “وRogue One: A Star Wars Story” (2016)”، اللذين عززا مكانة وادي رم كموقع سينمائي وسياحي مميز.

تصوير فيلم “المريخي” أو The Martian الأمريكي في صحراء الأردن بواد رم سنة 2015

وبفضل هذا الترويج غير المباشر، شهد القطاع السياحي الصحراوي في الأردن نموًا ملحوظًا، حيث ارتفعت أعداد السياح بشكل كبير، مما دفع الحكومة إلى تحسين البنية التحتية وجذب استثمارات جديدة في المخيمات الصحراوية والفنادق البيئية الفاخرة.

كما أطلقت الأردن برامج سياحية مصممة خصيصًا لعشاق الأفلام، تتيح لهم زيارة مواقع التصوير والاستمتاع بتجارب فريدة تشمل رحلات السفاري والمغامرات الصحراوية، ما جعل وادي رم نموذجًا ناجحًا في استثمار الإعلام والسينما لدعم السياحة.

3. تونس: التسويق الرقمي لجذب السياح الأوروبيين

واستطاعت تونس أن تستثمر في الإعلام الرقمي والتسويق الموجه لجذب السياح الأوروبيين إلى صحرائها، مستفيدة من عناصر جذب فريدة عززت مكانتها كوجهة سياحية عالمية.

ولعبت السينما دورًا بارزًا في هذا الترويج، حيث تم تصوير أجزاء من سلسلة “Star Wars” في صحراء تونس، مما جعل مناطق مثل تطاوين وميدنين مواقع شهيرة لعشاق الأفلام والخيال العلمي.

تصوير أجزاء من سلسلة Star Wars أو “حرب النجوم” في صحراء تونس سنة 2022

وإلى جانب ذلك، أطلقت تونس حملات تسويقية مبتكرة، مثل حملة “I love Tunisia”، التي ركزت على إبراز جمال الطبيعة الصحراوية وعرضت الصحراء كملاذ مثالي لمحبي المغامرة والاسترخاء.

كما عززت تونس حضورها السياحي من خلال تنظيم مهرجانات وفعاليات كبرى، أبرزها مهرجان الصحراء الدولي في دوز، الذي يجذب آلاف الزوار سنويًا ويقدم عروضًا تراثية وفنية تعكس ثقافة المنطقة.

ولم تقتصر الجهود على الترويج الإعلامي فقط، بل امتدت إلى الاستثمار في البنية التحتية للسياحة الصحراوية، حيث تم تطوير مخيمات فاخرة توفر تجربة متكاملة للسياح، تشمل أنشطة متنوعة مثل ركوب الجمال، التزلج على الرمال، والتخييم في بيئة طبيعية ساحرة، مما جعل السياحة الصحراوية في تونس تجربة فريدة تجمع بين الأصالة والحداثة.

تقييم للإعلام المغربي:

وعلى الرغم من بعض الجهود الإعلامية التي تسلط الضوء على الصحراء المغربية عبر برامج وثائقية وتقارير صحفية، إلا أن الترويج السياحي ما زال يفتقر إلى استراتيجية إعلامية ممنهجة تستهدف الأسواق العالمية.

هذا الرسم البياني من إنجاز “بناصا” يمثل تطور عدد السياح في الأقاليم الجنوبية المغربية خلال السنوات العشر الأخيرة، بالإضافة إلى تأثير الإعلام على زيادة أعداد الزوار.

وبالمقارنة، فقد نجحت الإمارات، كما أشرنا سابقا، في تحويل صحرائها إلى وجهة عالمية عبر استثمارات ضخمة في الإعلام وصناعة الأفلام، كما استغلت الأردن وادي رم لتصوير إنتاجات سينمائية عالمية مثل The Martian، ما عزز جاذبيته السياحية.أما تونس، فاعتمدت على حملات تسويقية رقمية مثل I love Tunisia لاستقطاب السياح الأوروبيين.

وفي المقابل، يركز الإعلام المغربي بشكل أساسي على السياحة الداخلية، مع غياب حملات ترويجية واسعة عبر المنصات العالمية الكبرى، ما يستدعي تطوير استراتيجية إعلامية أكثر فاعلية لتعزيز مكانة الصحراء المغربية على الخريطة السياحية الدولية.

وفي سؤال حول كيف يمكن للإعلام أن يُشعل الثورة السياحية في الأقاليم الجنوبية ، أكد محمد بنعزيز، الناقدٌ والمخرج السينمائيّ المغربي، أن “تصوير الجانب الجمالي لفضاء وزمن الصحراء يعد أمراً ضرورياً، فمثل الجنة الصغيرة، تنبثق هذه البقعة الخضراء، الواحة، في وسط الصحراء القاسية العنيدة”.

وأوضح بنعزيز في حديث مع “بناصا”، أن الصحراء تتوفر على ديكورات فريدة من نوعها، مثل التلال والكدية، بالإضافة إلى “الكنتور”، وهو صخرة مرتفعة في الصحراء قد تتخذ أشكالاً تشبه المنحوتات.

محمد بنعزيز: ” أيها المخرجون، أديروا كاميراتكم صوب جنوب الصحراء… لكشف جذور تاريخ المغرب”.

وأشار إلى أن هذه الديكورات الطبيعية تذكرنا بأشهر الأفلام التي تم تصويرها في الصحراء، مثل فيلم “أسيرة الصحراء” للمخرج جون فورد عام 1956 وفيلم “لورانس العرب” للمخرج ديفيد لين عام 1962.

وتعتبر شواطئ ومتاهات الصحراء مثالية لتصوير مشاهد المطاردات، وتعد الداخلة من أفضل المواقع لذلك، حيث تجمع بين البحر والكثبان الرملية.

وبالإضافة إلى ذلك، تشتهر الداخلة عالمياً بين أبطال الرياضات البحرية، مما يجعلها وجهة سياحية تستحق الأفضل في ظل الظروف الجيوسياسية العالمية الصعبة.

وشدد المصدر ذاته، على أن دول الساحل تواجه صعوبات في القيام بوظائفها الاقتصادية والسياسية والأمنية. فوي هذا المشهد الإفريقي غير المستقر، يبرز المغرب كدولة حديثة ومستقرة سياسيًا، وقادرة على تقديم العطاء الثقافي.

وبفضل موقعها الجغرافي، تحمل ملحقة المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما، التي تم إنشاؤها، أخيرا، بمدينة الداخلة في أقصى جنوب المغرب، بعدًا إفريقيًا يفتح المجال لدعوة المخرجين المغاربة “لإدارة كاميراتكم صوب جنوب الصحراء” لكشف جذور التاريخ.

وفي هذا الإطار، يشير أستاذ مناهج التحليل السوسيولوجي محمد الشرقاوي في كتابه “Mohamed Charkawi Le Sahara liens sociaux et enjeux géostratégiques” إلى أهمية الصحراء في تاريخ المغرب، حيث كتب: “بدون صحراء، تاريخ المغرب غير مفهوم، وبدون مغرب، الصحراء مجرد خلاء”.

ولعل مثال الهيبة ماء العينين، الذي كان طالبًا في مدينة فاس ثم ورث عن أبيه مشيخته الصوفية في مدينة تيزنيت، يعكس تلك الروح المقاومة. فقد جمع جيشًا لمحاربة الفرنسيين في مراكش في 15-07-1912، ووحد الشيخ الهيبة القبائل لمواجهة المد الاستعماري الإسباني الفرنسي في المغرب، حيث كان يحارب في مراكش.

وبحسب بنعزيز، فهذا ما يجب على السينما تصويره: أثر الصحراء وأهميتها في تاريخ المغرب، فهو إنجاز، ودورها في مستقبله، وهو قيد الإنجاز.”

السياحة الصحراوية في المغرب: إمكانات هائلة في حاجة إلى دعم إعلامي

وتزخر الأقاليم الجنوبية للمغرب بمؤهلات سياحية استثنائية، تتنوع بين السياحة البيئية والرياضات البحرية والتراث الثقافي الحساني، مما يجعلها وجهة واعدة للسياحة الدولية.

ورغم الجهود المبذولة لتنمية هذه القطاعات، لا تزال الحاجة ملحة لتوظيف الإعلام بشكل أكثر فاعلية في الترويج لهذه الوجهات، كما نجحت في ذلك دول مثل الإمارات والأردن عبر استراتيجيات تسويقية قوية.

واحات كلميم: السياحة البيئية المستدامة في حاجة إلى دعم إعلامي

وتعد منطقة كلميم واد نون من أبرز الوجهات السياحية البيئية في المغرب، بفضل واحات النخيل الخلابة ونظمها البيئية المتنوعة.

وفي السنوات الأخيرة، تم إنشاء منتجعات بيئية مستدامة تعتمد على الطاقة النظيفة وتوفر تجربة سياحية فريدة، تشمل الإقامة في خيام تقليدية فاخرة، والتجوال بين الواحات، وركوب الجمال، والتزلج على الرمال، فضلاً عن التخييم تحت السماء الصحراوية المليئة بالنجوم.

ورغم هذه الإمكانيات، تظل السياحة البيئية في كلميم بحاجة إلى حملات إعلامية قوية عبر المنصات الرقمية ووسائل الإعلام العالمية.

وأثبتت التجارب الدولية أن الإعلام يمكن أن يكون مفتاحًا لجذب السياح والاستثمارات، كما فعلت الإمارات من خلال إنتاج أفلام عالمية تسلط الضوء على صحرائها، أو كما استغلت الأردن وادي رم في الترويج السياحي عبر تصوير أفلام مثل The Martian.

الداخلة: من مدينة ساحلية إلى عاصمة عالمية للرياضات البحرية

ونجحت الداخلة في التحول إلى مركز عالمي للرياضات البحرية، بفضل موقعها المميز على المحيط الأطلسي ورياحها القوية التي جعلتها وجهة مثالية لرياضات مثل التزلج الشراعي وركوب الأمواج. وجاء هذا النجاح نتيجة لاستثمارات كبيرة في البنية التحتية السياحية، إضافة إلى دور الإعلام في الترويج لهذه الوجهة.

وقد ساهمت عدة عوامل في شهرة الداخلة عالميًا، من أبرزها: تنظيم بطولات دولية استقطبت آلاف الرياضيين والمشجعين من مختلف أنحاء العالم، وإنتاج محتوى مرئي جذاب على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر جمال الداخلة كوجهة للمغامرات البحرية، ثم استثمارات محلية ودولية في منتجعات سياحية متكاملة تقدم خدمات متخصصة لمحبي الرياضات البحرية.

وكان للإعلام دور أساسي في نقل صورة الداخلة إلى العالمية، حيث تم الترويج لها عبر قنوات رياضية شهيرة مثل Red Bull TV وEurosport، بالإضافة إلى تغطيات واسعة من منصات السفر الكبرى مثل National Geographic Traveler وLonely Planet، مما جعلها تنافس وجهات عالمية مثل هاواي وكيب تاون في هذا المجال.

إحياء التراث الحساني وتحويله إلى منتج سياحي

ويشكل التراث الحساني عنصرًا محوريًا في السياحة الصحراوية، حيث تم إطلاق العديد من المبادرات التي تسعى إلى الحفاظ على هذا الموروث وتحويله إلى منتج سياحي جذاب.

ومن أبرز هذه المبادرات: تنظيم مهرجانات ثقافية مثل مهرجان الموسيقى الحسانية، الذي يبرز الفنون التقليدية الصحراوية ويجذب السياح لاكتشاف الثقافة المحلية، ثم إنشاء متاحف ومراكز ثقافية تقدم تجارب تفاعلية حول العادات والتقاليد الحسانية، بما في ذلك فنون الخيام والصناعات اليدوية التقليدية.

ويمكن القول إن السياحة الصحراوية في المغرب تمتلك إمكانات هائلة، ولكنها تحتاج إلى دعم إعلامي متكامل يسهم في تعزيز الوعي وترويج هذه الوجهات الفريدة، مما سيعزز من مكانتها على الخريطة السياحية العالمية.

الإعلام كعنصر حيوي في تعزيز السياحة بالأقاليم الصحراوية: دعوة لاستثمار الإمكانيات والترويج للمقومات الثقافية والطبيعية

وفي إطار تعزيز السياحة في الأقاليم الصحراوية، صرح محمد عبد الوهاب العلالي، الأكاديمي المغربي في علم اجتماع الإعلام، ومسؤول ماجستير التواصل السياسي والاجتماعي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، بأن “الإعلام يمكن أن يلعب دوراً مهماً وفعّالاً في دعم وتعزيز السياحة في هذه المناطق، من خلال مجموعة من الآليات والتوجهات التي تساهم في تسليط الضوء على المقومات السياحية”.

وأضاف العلالي في تصريح خص به “بناصا”، أنه “من الضروري الحديث عن الإعلام بصيغة الجمع فيما يتعلق بتنمية القطاع السياحي في الأقاليم الجنوبية، حيث يجب استثمار كافة الإمكانات التي تتيحها المنظومة الإعلامية والإتصالية الوطنية والدولية، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية ومؤسسات الإشهار”.

وأوضح العلالي أن “برامج متخصصة في السياحة الطبيعية يمكن أن تُبرز جمال الطبيعة الصحراوية، مثل الكثبان الرملية، الواحات، والمناظر الجبلية، مما يعزز من السياحة البيئية”.

كما أشار إلى أهمية “البرامج الثقافية التي تسلط الضوء على العادات والتقاليد المميزة لهذه الأقاليم، مثل المهرجانات، الفعاليات الثقافية، الفلكلور المحلي، والحرف اليدوية، مما يزيد من جاذبية المنطقة”.

محمد عبد الوهاب العلالي: “الإعلام هو الجسر الذي يربط بين جمال الصحراء المغربية وتطلعات السياح، حيث يمكنه إبراز كنوزها الطبيعية وثقافتها الغنية، مما يعيد للأقاليم الجنوبية بريقها كوجهة سياحية تنافسية”

وأكد العلالي أن “وسائل الإعلام الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً مهماً في نشر صور وفيديوهات جذابة للأقاليم الصحراوية، مما يساعد في إبراز جمال وروعة هذه المناطق وجذب السياح من مختلف أنحاء العالم”.

وتطرق إلى “الترويج لأنشطة الرحلات الصحراوية على الجمال أو السيارات الرباعية الدفع، والتخييم في الصحراء، ورياضات مثل ركوب الدراجات الهوائية، وغيرها من الأنشطة الترفيهية، التي تقدم تجربة ممتعة ومميزة تجذب السياح وتؤثر إيجابياً على الاقتصاد المحلي”.

وأشار العلالي إلى أهمية “تعزيز الرحلات الاستكشافية للصحفيين من المغرب وخارجه لهذه الأقاليم، ودعوتهم لزيارة هذه المناطق، حيث يمكنهم نقل تجربتهم إلى جمهورهم”.

واعتبر أن “هذه الخطوة تسهم في زيادة الوعي والتشويق لزيارة هذه المناطق وتصحيح التصورات الخاطئة عنها، مما يساعد في تصويرها كمقصد سياحي جذاب، يتمتع بجمالية خاصة ويُعتبر مركزاً للتراث الثقافي والطبيعي المميز للبيئة الصحراوية”.

وختاماً، دعا العلالي إلى “ضرورة تكاتف الجهود بين كافة الفاعلين في المجال السياحي والإعلامي، لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز السياحة في الأقاليم الصحراوية”.

توصيات لتعزيز دور الإعلام في تنمية السياحة الصحراوية

وأوصى المتحدثون لجريدة “بناصا” بتعزيز الترويج للسياحة الصحراوية في المغرب عبر عدة مبادرات استراتيجية. أولاً، إطلاق حملات إعلامية رقمية موجهة للأسواق العالمية بالتعاون مع مؤثرين ومنصات متخصصة في السفر، لتعزيز جاذبية الصحراء المغربية كوجهة سياحية مميزة.

ثانياً، إنتاج وثائقيات وبرامج سياحية تسلط الضوء على سحر الصحراء المغربية عبر قنوات دولية مثل “ناشيونال جيوغرافيك” و”ديسكفري”، مما يساهم في رفع الوعي العالمي بجمال وتنوع المنطقة.

ثالثاً، تعزيز الشراكات بين الإعلام والقطاع السياحي لتنظيم رحلات ميدانية للصحفيين وصناع المحتوى إلى المناطق الصحراوية، لتمكينهم من تجربة فريدة تنعكس في محتواهم الإعلامي، وبالتالي جذب مزيد من السياح.

وأخيراً، تشجيع الإنتاج السينمائي العالمي في الصحراء المغربية عبر تقديم حوافز لشركات الإنتاج لتصوير أعمالها في المنطقة، مما قد يسهم في جعلها وجهة مفضلة لتصوير الأفلام العالمية، على غرار وادي رم في الأردن.

وتأتي هذه التوصيات في سياق الجهود المبذولة لتعزيز السياحة الصحراوية كرافعة للتنمية الاقتصادية والثقافية في الأقاليم الجنوبية للمملكة.

إعادة إحياء الجواهر المخبأة: الصحراء المغربية تستحق أن تُكتشف من جديد

وفي ختام هذا التقرير، يتضح جليًا أن الصحراء المغربية تمتلك كل المقومات لتصبح واحدة من أبرز الوجهات السياحية على مستوى العالم، ومع ذلك، فإن ضعف الترويج الإعلامي يعوق استغلال هذه الثروة الفريدة بالشكل الأمثل.

وإذا تم توظيف الإعلام بشكل استراتيجي ومدروس، يمكن أن يتحول إلى محرك حيوي يعيد للأقاليم الجنوبية بريقها ويجعلها قطبًا سياحيًا تنافسيًا.

ومن خلال تسليط الضوء على جمالها الطبيعي وثقافتها الغنية، يمكن للإعلام أن يسهم في تحقيق تنمية مستدامة لهذا القطاع الحيوي، ويعزز من إشعاع المغرب السياحي في الأسواق العالمية.

لذا، آن الأوان لإعادة إحياء هذه الجواهر المخبأة تحت الرمال، وفتح أبواب جديدة لمستقبل السياحة الصحراوية. ويعتقد أغلب الخبراء الذين استطلعت آراءهم “بناصا”، أن صحراء المغرب تستحق أن تُكتشف من جديد، ولعل هذا التقرير يكون خطوة أولى نحو تحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس.

Share
  • Link copied
المقال التالي