لقد شكلت سنة 2022 منعطفا مهما في ظل مسلسل التعافي المستمر من آثار جائحة كوفيد وما خلفته على مستوى تطور النمو الاقتصادي والتشغيل والتضخم واستعادة التوازنات الماكروـاقتصادية، فحسب تقرير صادر عن مؤسسة البنك الدولي فإن المغرب تمكن من العودة إلى مستوى قريب إلى ما قبل الجائحة في ما يخص قدرات الإنتاج و التشغيل مع تراجع في الناتج الداخلي الخام بنسبة 6،4% مقارنة مع مرحلة ما قبل كوفيد، وقد كان لقلة التساقطات المطرية آثر كبير على نسبة النمو التي لن تتجاوز 1% حسب نفس التقرير وهو ما أكده تقرير صندوق النقد الدولي في ظل التوقعات المتفائلة للحكومة والتي كانت تتوقع نسبة نمو في حدود 3,2%.
وبفعل السياق الدولي المرتبط بتداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وانكماش سلاسل التوريد العالمية الذي نتج عنه ارتفاع أسعار مصادر الطاقة شهد المغرب موجة تضخم مضطرد جعلت بنك المغرب يرفع نسب الفائدة في ثلاث مناسبات حيث انتقل من نسبة 1,5% إلى 2,5% وهو ما يؤشر على استمرار مسلسل الانكماش الاقتصادي وتقليل حركية الأموال في سلسلة الاقتصاد وهو ما قد يؤثر على السيولة المالية بالنسبة للمقاولات خصوصا المقاولات الصغرى والناشئة ما دامت المقاولات الكبرى تستفيد من خطوط سيولة قائمة و بنسب تفضيلية تابثة، هذا الوضع الذي وصلت فيه نسبة التضخم 6,3% جعل الحكومة تضاعف الميزانية المخصصة لدعم المواد الأساسية عبر صندوق المقاصة التي وصلت اعتماداتها إلى 38 مليار درهم معظمها خصص لدعم الغاز للحفاظ على سعره الثابت، بالإضافة إلى ذلك شكل إطلاق حزمة الإجراءات المتعلقة بالمشروع الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية في غياب إصلاح جذري لصندوق المقاصة من أجل توفير اعتمادات لهذا الورش الاجتماعي ضغطا على الميزانية و هو ما سيجعل نسبة العجز تتجاوز سقف 6% وبلوغ نسبة الاستدانة ما يقارب 80% حسب تقديرات مؤسسات مالية دولية.
فرغم هذه الإكراهات المتشابكة والمتعددة و المرتبطة أساسا بسياق دولي عرف موجات من التضخم وارتفاع أسعار المواد الأساسية و الطاقية، إلا أن الإجراءات الحكومية و توفير دعم لمهنيي النقل و فتح باب الحوار الاجتماعي مكن من احتواء الآثار الاجتماعية لارتفاع أسعار المحروقات و بعض المواد الغذائية وهو ما يجعل المغرب في محيط إقليمي مضطرب وجهة للمستثمرين و السياح حيث عرف تجاوزت نسبة الاستثمارات الخارجية المباشرة نسبة 50% مقارنة مع السنة الفارطة، هذا ويعرف القطاع السياحي انتعاشة مهمة خلال هذه السنة خصوصا مع عودة حركة الطيران و فتح الأجواء إلى ما قبل فترة كوفيد 19.
شكلت سنة 2022، مرحلة جديدة في مسار السياسة الصناعية للمملكة حيث برز مفهوم السيادة الصناعية والاقتصادية عبر دعم وتطوير المقاولات الصناعية عبر شركات بين القطاعين العام و الخاص حيث تم إنشاء بنك المشاريع و إطلاق علامة “صنع بالمغرب” من أجل دعم المنتوج الوطني في مجالات متعددة أهمها الصناعات الغذائية وصناعة النسيج وصناعة السيارات حيث سيتم إطلاق أول سيارة مغربية 100%، كل هذا في ظل إكراهات مرتبطة بصراع سوق موارد الطاقة حيث ضمن المغرب عبر شركائه الاقتصاديين إمدادات ثابتة من الغاز الطبيعي لتعويض الخصاص الناجم عن توقف أنبوب الغاز الجزائري، كما تم في نفس الاتجاه توقيع خمس مذكرات توافق لتأكيد التزام الأطراف المعنية بمشروع أنبوب الغاز النيجيري و هو ما سيمكن المغرب من ضمان الأمن الطاقي وكذلك من دول غرب إفريقيا.
لقد كانت سنة 2022 سنة الإعلان عن نجاح مشروع النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية والذي رصدت له غلاف مالي يقدر ب 77 مليار درهم تم إنجاز ما يقارب 80% من اعتماداتها عبر مشاريع في مجال الطرق والطاقات المتجددة و تحلية مياه البحر و الفلاحة عبر توفير ستة ألاف هكتار مستصلحة للزراعة و الفلاحة بأقاليم بوجدور و الداخلة وهو ما سيرفر فرص شغل لأبناء الأقاليم وسيمكن من توفير إنتاج فلاحي يحقق اكتفاء ذاتيا لجهات الجنوب وباقي أقاليم المملكة.
وبغلاف مالي قدره 130 مليار درهم أعلن المكتب الشريف للفوسفاط عن برنامج استثماري في الطاقات النظيفة عبر إنشاء محطات ريحية و محطات إنتاج الهيدروجين الأخضر و عبره الامونياك الأخضر من أجل صناعة أسمدة خالية من الكربون في أفق 2040 وكذلك الاعتماد على مياه البحر عبر محطات التحلية، وهو ما سيمكن من ربط المحطات الصناعية بالطاقة النظيفة في أفق 2027، كما سيخصص هذا البرنامج دعما للمقاولات الصناعية الناشئة و توفير 25000 منصب شغل.
إن تطوير البنية الاقتصادية عبر حزمة البرامج و المشاريع المعلنة خلال هذه السنة سيمكن المغرب من تحقيق السيادة الاقتصادية عبر تعويض الواردات وهو ما سيضمن تزويد السوق المحلي بحاجياته، هذا مع تقوية الشركات المتعددة و المثمرة والمستدامة بمنطق رابح رابح و هي التي تم اعتمادها مع تركيا عبر تعديل اتفاق التجارة الحرة، لكن يبقى إكراه إمدادات الطاقة والمحروقات إشكالية كبرى في ظل آثار الأزمة الروسية الأوكرانية واستمرار حالة لا استقرار في سوق النفط و الغاز و صراع الدول الغربية من أجل توفير مخزون يضمن توفر المحروقات خصوصا في فصل الشتاء البارد، ذلك أن أي انقطاع في هذه المواد الحيوية سيكون له آثار اجتماعية كارثية قد تهدد استقرار مجموعة من الدول الغربية.
تعليقات الزوار ( 0 )