شارك المقال
  • تم النسخ

2020 هل سيكون عام الطبيب في الجزائر والعالم؟

كما كان عام 2019 في الجزائر عاما للمحامين، الذين برزوا فيه بقوة، كنخبة دافعت عن شرف المهنة، خلال هذه السنة الحاسمة من تاريخ الجزائر السياسي، بما عرفته من حراك شعبي، وما ميزها من اعتقالات ومحاكمات جائرة. فإن عام 2020 سيكون عام الأطباء بكل تأكيد، بعد انتشار وباء كورونا خلال هذه السنة، بما عرفوا به من مواقف مهنية مشرفة، وبداية تسجيل إصابات بين أبناء وبنات المهنة، كما هو حاصل في العديد من الدول، في عالم يدشن حرب الكمامات!

عام الأطباء الذي سأبدأ بالحديث عنه، من خلال هذه الصورة التي عشتها في مطار الجزائر العاصمة، الذي اتعامل معه، في الغالب، كمجال مفتوح للملاحظة الاجتماعية، كنت على أهبة الاستعداد لمغادرة البلد، وأنا أمام الجمارك في المطار. في انتظار دوري، لاحظت تلعثم شابة جزائرية، وهي تحاول أن تجيب الجمركي الذي سألها عن مبلغ الأموال التي تحملها معها، بكل صدق وكثير من الاضطراب، أعلنت الفتاة انها تحمل أكثر بقليل، مما هو مسموح به قانونا، جمعته من عائلتها ومن عملها… لأنها تريد مغادرة البلد نهائيا والذهاب للعمل في الخارج.

تدخلي في النقاش سمح لي معرفة أن الأمر يتعلق بطبيبة مختصة، قررت الهجرة نهائيا والاستقرار في فرنسا، بعد فشل الإضراب الذي شاركت فيه مع زملائها لمدة طويلة 2017، وكانت نتيجته الاعتداء عليهم في الشارع من قبل قوات الأمن ورفض القبول بمطالبهم، التي كان يمكن أن تساعد على نقاش اجتماعي حول قضايا الصحة في البلد، لم يعد من المقبول السكوت عنها، كان يمكن أن تسمح للجزائر بمواجهة وباء كورونا في ظروف أحسن بكثير.

صورة المطار هذه التي تلخص فشل تعامل النظام في تسيير النخب العلمية، التي انتجتها الدولة الوطنية على مرّ العقود، جعلها تهاجر بكثرة إلى كل بلاد العالم، خاصة الدول الفرنكوفونية بحكم عامل اللغة، على حساب الحاجيات الوطنية التي تبدوا أكثر بروزا هذه الأيام مع انتشار وباء كورونا، بما يفرضه من تحديات على نظام طبي متهالك، الخوف كل الخوف أنه لن يكون قادرا على مجابهة تحديات انتشار الوباء في الأسابيع القليلة المقبلة لا قدر الله، بعد التطور في أرقام انتشار الوباء وإعلان الحجر الوطني على كامل التراب الوطني.

فشل في تسيير النخب العلمية والمهنية، لابد من البحث له عن جذور داخل سوسيولوجية النظام السياسي ذاته. كما حاول شرحها أكثر من باحث ومختص. يمكن تلخيصها في سيطرة العسكر على الحكم، كعامل سياسي بارز، في مجتمع عانى طويلا من ضعف حضور النخبة كمعطى سوسيو- ثقافي مساعد على التفسير. النتيجة كانت تحول المثقف والمتعلم، وكل من نسميه نخبة اختصارا إلى «كاتب» لدى هذا العسكري ـ السياسي صاحب المستوى التعليمي المتواضع، يكتب له الخطب، ويغلف له قراراته بالبحث في الكتب والمراجع، كواسطة مع ما يحصل في العالم، الذي يفترض أن هذا المثقف يعرفه ويقرأ له أو حتى درس في جامعاته. مواقع تحول بموجبها المثقف، مع الوقت إلى خبير في التغليف والتعليب السياسي لقرارات من كل نوع. لا دور له في صناعتها، احتكرت من قبل هذا العسكري ـ السياسي. مثقف ممكن أن يغلف القرار «الاشتراكي» المدافع عن الثورة الزراعية، وهي تؤمم أراضي الملا كين الكبار، في بداية السبعينيات، ليعود ويُعلب، بحجج مختلفة قرار إعادة الأراضي نفسها إلى ملاكها، عشر سنوات بعد، من قبل النظام نفسه، بعد تغييرات طفيفة على واجهته، تماما كما يحصل هذه الأيام بعد ابعاد بوتفليقة ـ الفرد واستمرار نظامه.
وضعيات شاهدنا ما يشبهها في الحالة المصرية، رغم «الفسحة «الأوسع التي تمتع بها جزء من الانتلجنسيا المصرية ـ أفكر في محمد حسنين هيكل وتجربة مؤسسة الاهرام خلال حكم ناصر العسكري- ليكون الاختلاف أكبر، رغم القرب الجغرافي مع الحالتين التونسية والمغربية، التي سيطرت فيهما نخب مدنية على الدولة الوطنية، وقبلها الحركة الوطنية، ما أنتج أوضاعا مختلفة على مستوى الممارسات مع النخب وعلاقتها بالنظام السياسي. هذه العلاقة المتميزة بين النخب العلمية والمهنية، مع النظام السياسي في الجزائر، هي التي تفسر حالة الريبة التي يعيشها المثقف في علاقته مع السلطة، التي تعامله كصاحب «عقد عمل محدود المدة». تتخلى عنه في أي لحظة، لأن هناك زميلا له على استعداد للقيام بوظيفة التغليف والتعليب، ربما أحسن منه وبسعر أقل.

لم يكن التعبير السياسي الجماعي هو السائد لدى هذه الفئات المثقفة في الجزائر، كما ظهر بمناسبة الحراك الشعبي في 2019، الذي تميز بحضور كبير للنخب داخله. السائد كان الحل الفردي في الغالب، تعلق الأمر بالهجرة إلى الخارج، بالنسبة للرافضين القيام بدور الكاتب، أو الانزواء إلى مواقع ما قبل المواطنة التي سادت لدى أبناء الفئات الوسطى، على غرار مقاطعة الانتخابات، وقلة الانخراط في الأحزاب السياسية، التي لا يكون الاهتمام بها إلا كونها سلًما للتقرب من صاحب القرار، ليرضى عنها ككاتب ومكلف بالتعليب داخل الحزب، قبل الوصول إلى مؤسسات النظام الأخرى. ليستمر في كتابة الرسائل والخطب والتقارير، كما هو سائد عند المثقف المعرب، تحديدا، الذي احتكر هذه الأدوار داخل الحزب السياسي قبل أن تفتح له بعض أبواب مؤسسات النظام الأخرى. كصاحب خط جميل، داخل مؤسسات عانت تاريخيا من حالة توحد في علاقاتها بالمجتمع.

على الرغم من أن هذا الوصف قد لا ينطبق تماما على الأطباء في الجزائر، الذين حافظوا على مهنية كبيرة، وإصرار على أداء أدوارهم العلمية المطلوبة منهم، داخل مجتمع عبّر على الدوام عن تقدير كبير لمهنة الحكيم، تعلق الأمر بالطبيب في المستشفى العمومي، أو العيادة الخاصة، رغم ما طفا على السطح من علاقة متوترة في السنوات الأخيرة، كما بينتها حالات الاعتداء على الأطباء في المستشفيات العمومية، كطريقة تعبير عن سوء الاستقبال الذي يلاقيه المواطن في المؤسسة الاستشفائية، التي تدهورت خدماتها أكثر، مقابل ارتفاع الطلب كميا ونوعيا عليها.

قناعتي في هذه الأيام الصعبة، أن معركة كورونا، بكل تداعيتها الوطنية والدولية، يمكن أن تكون بداية القطيعة مع هذا التسيير البالي للنخب، الذي ميز النظام السياسي الجزائري، على الدوام. فهل ستستغل هذه الفرصة للانطلاق في سياسة جديدة، ليس في مجال تسيير النخب، بل في إصلاح جذري لكل مؤسسات الدولة، كما طالب بذلك الشعب الجزائري، وهو يخرج في مسيراته الوطنية التي أعادته إلى سكة تاريخ البشرية، أكد انتشار وباء كورونا على انه واحد بالنسبة لكل أبناء الأرض.

*كاتب جزائري

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي