هذه الأحداث الواقعة بمنطقة الشرق الاوسط يطبع عليها مسار التراكم الكمي للأحداث و سرعة تطورها عكس نظيرتها الحرب الأوكرانية الروسية كملف جديد قديم على الساحة الدولية، رغم معرفتنا المسبقة بذلك و انقلاب الموازين بين مؤيد و معارض، و النتيجة أنتم تعرفونها
هناك من يشعل نار الحرب و يؤثت لها ثم المرور للدبلوماسية عبر قوى المنتظم الدولي وطاولة الحوار هكذا هي القاعدة سياسة، ثم حرب، ثم دبلوماسية، و الجلوس على طاولة الحوار للتفاوض كما ذكرنا سالفا.
لا بد من إشارة مهمة في هذا الصدد و التي تتمحور على الركيزة الأساسية التي يقوم عليها كل منتظم دولي ويتميز بها اذ هي نمط توزع القوة بين الوحدات التي تتفاعل في بنيته بشكل دائم ومتين. لذلك، يفترض أن ينطلق كل تحليل للتوازن العالمي أو السلام العالمي من دراسة دقيقة لنمط توزع القوة وتحولاتها في بنية المنتظم، لأن كل تغير لتوزع القوة والنفوذ ستلحظه بنية المنتظم، كصعود لقوى وانحدار لقوى أخرى، سيغير مسار التوازن العالمي بين القوى التي هي في حالة دائمة من الصراع أو المنافسة. بمعنى آخر، إن التوازن العالمي ليس مسارا جامدا، بل ديناميكيا أو متحركا له وظيفة أساسية في تثبيت الاستقرار أو السلام العالمي من خلال المحافظة على فوضوية بنية المنتظم أي عدم وجود حكومة عالمية، وهو أمر يترجم في استقلالية القوى العظمى، التي تسعى دائما لزيادة قوتها حتى لا تخضع لسلطة أعلى منها. لذلك، فإن تحقيق الاستقرار العالمي لا يعني إنهاء الحروب، إنما قبول القوى بنمط توزع القوة أو توازنها، وترجمة هذا الرضى بالتزامها قواعد اللعبة أو التفاعل السياسي أي النظم الدولية، ومنع تفاقم الاضطرابات والنزاعات أو خروجها عن إطار معين.
مثال سياسة أمريكا التي تضرب في عمق الشرق الأوسط تحضيرا لصفقة من طراز عالي و هذا ما يدل على دعمها الشامل الى جانب بريطانيا و حلفائها لإسرائيل في حربها التي تخوضها مرحليا ما تأكد عبر ما عبرت عنه الحكومة الأمريكية عن قلقها من تصاعد التوثر
على الحدود بين إسرائيل ولبنان، مؤكدة دعمها لإسرائيل ومحذرة جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران من مغبة القيام بإجراءات قد تهدد أمن لبنان صراع يمتد و يتطور.
في الجانب الٱخر الصين و روسيا و الملاحظ دخولهما على الخط مباشرة باستخدامهما حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن بشأن إسرائيل و غزة استمرار الحرب، و هذا ما تأكد الى جانب ارسال الصين ست بوارج حربية للمنطقة في قلب للمعادلة وخروج مباشر لأرض المعركة.
وتظهر الصين جليا، باعتبارها لاعبا عالميا رئيسيا، اهتمامها بتحقيق استقرار الوضع في الشرق الأوسط وتحاول تكثيف دورها الدبلوماسي إضافة إلى ارسال رسائل واضحة المعالم.
على الضفة الأخرى إيران تخوض حربا بالوكالة عبر ميليشياتها بالمنطقة ضد اسرائيل و هذا واقع سرمدي فيه غياب وحضور في أرض المعركة، رغم تطبيع علاقتها التي كانت متوترة مؤخرا بأكبر قوة بالخليج و هنا الحديث عن المملكة العربية السعودية التي ما فتئت أن عرف رصيدها الدبلوماسي تطورا ملحوظا بينها و بين إيران بما يعرف بالاتفاق السعودي الإيراني يوم 10 مارس خلط الأوراق و علاقة التأثير و التأثر في ملف ما يعرف بالحوثيين و المناوشات الحاصلة من هجمات و اطلاق نار و مدى التشنج الذي عرفه الملف سابقا إلا أن ما يقع مرحليا سيعيد واقع الاصطفاف اذا لم تكن هناك مفاجئة خاصة بعد الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية
الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، إذ حذر الولايات المتحدة الأميركية من على منبر الأمم المتحدة في نيويورك، مساء يوم 26 أكتوبر، من أنها لن تسلم «من هذا الحريق» إذا استمرت «الإبادة الجماعية» في قطاع غزة.
وكشف عبد اللهيان أن قادة حركة «حماس» مستعدون لإطلاق سراح الأسرى المدنيين وتسليمهم لطهران، مؤكدا أن إيران لا تريد توسيع نطاق الحرب في فلسطين.
هناك ثابت و كذلك هناك متحول في قادم الأيام، ما يبرز تحولات جيوسياسية على مستوى خارطة المنطقة حيث يذهب بعض المحللين فيها إلى أبعد المستويات، توجه يقدم قراءة و توقعات تقسيم و توزيع الثروات على مستويات عالية و هذا ما قدمه أقوى مستشار لقصر الكريملين ومن يوصف بعقل الرئيس فلاديمير بوتين السياسي ألكسندر جليفيتش دوغين، حيث تنبأ و قدم فرضية تروم بإعطاء صحراء سيناء للفلسطينيين و بعض من جزء اراضي فلسطين المتنازع عنها لهم و هذا لن يكون سهلا على الجمهورية المصرية بقيادة رئيسها الحالي عبد الفتاح السيسي و النظام المصري ما يتطلب إرضاء للإخوة المصريين، وهنا تكون العملية المفصلية في تقديم أجزاء من أرض ليبيا لمصر إرضاء لما قدمته لإنهاء التوتر و دورها في عملية السلام في الشرق الأوسط هذا إن لم تتطور الأحداث، هنا تتضح صورة أخرى من تحول الصراع من الشرق الأوسط إلى شمال افريقيا.
بهكذا مسار تكون مصر تموقعت في أكبر عملية توافقات عقدتها التعددية القطبية الجديدة على مستوى المنظومة العالمية، في الجانب الٱخر هناك رأي ٱخر يذهب في مستوى وقوع رجة، فوضى خلاقة على مستوى الداخل المصري خاصة أن مصر تعد بوابة رئيسية لتدفق النازحين من قطاع غزة عبر معبر رفح، و هذا ما يجعل الجيش المصري دائما على أهبة الاستعداد لأي تسارع للأوضاع.
نخلص في الأخير إلى مسألة مهمة في معركة تعددية الأقطاب و حرب المواقع هاته أن الملعب هو ملعب استخبارات في أعلى مستوياته و ليس ملعب سلاح كما يظن العديد من المتابعين لهذه الأوضاع.
*باحث في التواصل السياسي جامعة الحسن الثاني كلية الحقوق المحمدية،كاتب رأي
تعليقات الزوار ( 0 )