شارك المقال
  • تم النسخ

محمد معتصم.. الرَّعيل الأوَّل لمدرسة القانون الدستوري وأحد المؤسسين للزاوية التقليدانية بالمغرب

بمزيج من الألم والدموع والحسرة، ودع أصدقاء ورفاق محمد معتصم، الذي وافته المنية أول يوم أمس (الاثنين) عن سن ناهز 64 عاما، واحدا من رجالات الحكم في عهد الملك محمد السادس، وأحد المستشارين الذين رافقوا الملك في دراسته بالمدرسة المولوية، هذا الرجل المشهود له بالكفاءة والاقتدار في مجال السياسة والذي قال في حقة الملك إن وفاته “رزء فادح وخسارة للوطن”.

وُلد محمد معتصم في 1956 بسطات، هو جامعي وسياسي مغربي، وكان يشغل قيد حياته منصب مستشار الملك محمد السادس، وتابع دراسته الابتدائية والثانوية في مسقط رأسه، وفي سنة 1977، حصل على الإجازة في العلوم السياسية من كلية الحقوق بالرباط.

كما حصل معتصم على شهادتين للدراسات العليا من نفس الكلية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وفي سنة 1983، حصل على دبلوم الدراسات العليا من كلية الحقوق بالدار البيضاء، كما ناقش أطروحته لنيل دكتوراة الدولة في العلوم السياسية عام 1988 حول “التطور التقليداني للقانون الدستوري المغربي”.

وقد عُيِّن معتصم وزيراً منتدباً لدى الوزير الأول مكلفاً بالعلاقات مع البرلمان في الحكومتين اللتين شكلتا في 11 نوفمبر 1993 برئاسة محمد كريم العمراني و7 يونيو 1994 برئاسة عبد اللطيف الفيلالي، كما عُيِّن في 25 فبراير 1995 مكلفاً بمهمة في الديوان الملكي، وبعد مرور أربع سنوات على ذلك، عين مستشاراً للملك.

كما كان يملك محمد معتصم عضوية في كل من المجلس الدستوري ما بين عامي 1999 و2002 والمجلس الوطني لحقوق الإنسان ما بين 2007 و2011.

جريدة “بناصا” تعقبت مناقب الرجل الذي وصف بالحكمة والتوازن والحوار، وشهد بفضله خصومه قبل أعدائه، من خلال شهادات متفرقة لأساتذة جامعيين،  توقفت فيها عند المحطات البارزة في مسار حافل لواحد من رجالا الحكم في عهد الملك محمد السادس.

محمد معتصم.. أحد المؤسسين لمدرسة القانون الدستوري المغربي

الكثير ينظر اليوم إلى الأستاذ محمد معتصم رحمه الله من زاوية محطات وثيقة دستور 2011 ، ولكن دعني انطلق من زاوية أخرى هي أنه يعد أحد المؤسسين لمدرسة القانون الدستوري المغربي، فالأستاذ محمد معتصم يعد أحد المؤسسين لمقاربة تناول النظام الدستوري المغربي من زاوية التقليدانية، بحسب ما يرى المحلل السياسي، وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس، عبد الرحيم المنار اسليمي لـ”بناصا”.

وأوضح اسليمي، أن “الزاوية التقليدانية، مكون أساسي للمدرسة الدستورية المغربية إلى جانب مرجعيات ومنطلقات أخرى كزاوية المرحوم الاستاذ عبدالرحمان القادري، وأخرون الذين درسوا النظام الدستوري المغربي من منطلقات دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة أو منطلقات المرحوم الاستاذ خالد الناصري الذي درس النظام الدستوري المغربي من زاوية قواعد القانون السياسي وقانون الممارسة الدستورية، أو منطلق الأستاذ عبداللطيف المنوني بدراسته المشهورة حول الفصل 19 من دساتير ماقبل دستور 2011”.

وأضاف، أن “المرحوم الأستاذ محمد معتصم يمثل إلى جانب الأستاذ عبد اللطيف المنوني، والأستاذ عبدالله ساعف، والتوزي والمرحوم البردوزي، الجيل الذي أعد وصاغ وثيقة دستور 2011 في ظرف سياسي صعب جدا اجتازه المغرب إلى جانب بلدان عربية أخرى”.

ويرى اسليمي، “أنه بوفاة الاستاذ محمد معتصم فقدت المدرسة الدستورية المغربية أحد أعمدتها الرئيسية والجمعية المغربية للقانون الدستوري أحد مؤسسيها، حيث إن هذه المدرسة تحتاج منا اليوم الحفاظ على ثراتها وإعادة استحضاره لأنها مدرسة دستورية تشكل جزءا من الهوية العلمية للمغرب”.

وذهب المتحدث ذاته بالقول إلى أن “المرحوم محمد معتصم يحتاج إلى تكريم في كل الجامعات المغربية وخاصة الجامعيين في البيضاء والرباط لثراته العلمي، حيث إن مسار المرحوم محمد معتصم يكشف عن جانب المستشار الملكي الذي انتقل من الجامعة إلى الديوان الملكي، الانتقال الذي يبرز الدور الذي يلعبه الجامعيون في مركز القرار داخل النظام السياسي المغربي”.

كاد أن يدفع حزب “البيجيدي” للتصويت على دستور 2011 بـ”لا”

عبد العالي حامي الدين، القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية، الذي التقى محمد معتصم صدفة قبل بضعة أشهر، لدى الروبيو، بائع الكتب والجرائد الشهير في شارع محمد الخامس بالعاصمة الرباط، قال في حديث مع “بناصا” إن “أبحاث الرجل في القانون الدستوري أسست لمدرسة مغربية في القانون الدستوري تراعي خصوصية السياق الحضاري لتطور الدولة المغربية”.

وأكد حامي الدين، أن “الرجل قام بدور أساسي في صياغة دستور 2011، وكاد أن يدفع حزب العدالة والتنمية للتصويت على دستور 2011 بـ”لا” لو لم يتم استدراك تعديلات آخر لحظة بعد تدخل ملكي سامي في الدقيقة الأخيرة، عندما تم بعث مسودة الدستور للأحزاب السياسية، فلاحظنا في قيادة حزب العدالة والتنمية أن بعض الأمور التي تم التوافق حولها لم ترد في الصيغة النهائية، وهو ما دفع بقيادة الحزب الى الاتصال بالديوان الملكي التي تدارك مجموعة من التعديلات المهمة”.

وأشار القيادي في حزب العدالة والتنمية، ضمن شهادته في حق معتصم، أن “وفاته، تمثل خسارة للمدرسة المغربية في القانون الدستوري وللجامعة المغربية وللنخبة السياسية التي تملك القدرة على التوفيق بين المرجعية الاسلامية وبين قواعد النظام الديموقراطي”.

محمد معتصم توارى عن الأنظار بعد تعيين عبد اللطيف المنوني مستشارا ملكيا

صاحب كتاب”مستشارو الملك من ظل الحكم إلى ظل الحكومة”، والباحث السياسي محمد شقير، قال إن “المستشار الملكي محمد معتصم كان واحدا من المستشارين المخضرمين، حيث اشتغل إلى جانب الملك الراحل الحسن الثاني الذي انتبه إلى مؤهلاته الأكاديمية خاصة رسالة دكتوراه حول تقليدانية القانون الدستوري بالمغرب”.

ويروي شقير لـ”بناصا” أن “الملك الراحل الحسن الثاني، عينه كوزير مكلف بالعلاقات مع البرلمان قبل أن يتم تعيينه مكافأة بمهنة قبل أن يتم تعيينه مستشارا ملكيا احتفظ به الملك محمد السادس الذي كلفه بوضع أول دستور في عهده، حيث أظهر حنكة في التعامل مع مختلف الفعاليات النقابية والحزبية والمدنية والتوصل إلى صياغة نهاية لمسودة الدستور التي عرضت على الاستفتاء الشعبي”.

وأشار صاحب كتاب”مستشارو الملك من ظل الحكم إلى ظل الحكومة”، إلى “أن دور الراحل محمد معتصم قد تراجع داخل الديوان الملكي، لاسيما بعد تعيين عبد اللطيف المنوني مستشارا ملكيا حيث سجل تواريا عن الأنظار إلى أن تم الاعلان عن وفاته”.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي