تروج أنباء حول إقدام الجيش الجزائري على تصفية عنصرين مدنيين يقطنان في مخيمات تيندوف، حيث لقيا مصرعهما بعد أن وجهت إليهما دورية عسكرية جزائرية وابلا من النيران حين كانوا بصدد نقل كميات من المحروقات خارج المخيمات.
الحادث لم يكن الأول من نوعه، فقد سبق أن تداولت وسائل الإعلام عديد الحوادث المشابهة التي يقدم عليها الجيش الجزائري في حق المدنيين الصحراويين في تيندوف، كان آخرها ما راج حول إقدام دورية تابعة للجيش الجزائري على حرق مدنيين كانوا ينقبون عن الذهب في منطقة عوينة بلكرع قرب مخيمات المخيمات.
وللوقوف على تفاصيل الحادث المتعلق بمقتل مدنيين صحراويين على يد عناصر الجيش الجزائري، وعلى الوضع الحقوقي في مخيمات تيندوف بشكل عام، أكد محمد سالم عبد الفتاح، الناشط المهتم بملف الصحراء، ورئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان بمدينة العيون، أن الجزائر تتحمل مسؤوليتها في حماية المدنيين الصحراويين بالمخيمات، وربط محمد سالم ما بين مسؤولية الدولة الجزائرية إزاء استهداف جيشها للمدنيين الصحراويين، وما بين الانتهاكات التي ترتكبها البوليساريو في حق قاطني مخيمات تيندوف.
وبسط محمد سالم عبد الفتاح في حوار مع جريدة بناصا أهم مظاهر تلك الانتهاكات الحقوقية، وانعاكسها على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المخيمات وعلى ملف النزاع عموما.
إليكم الحوار..
بداية هل رشحت أي تفاصيل بخصوص حادث مقتل المدنيين الصحراويين مؤخرا بتيندوف؟
إلى الآن لم يصدر أي بيان أو توضيح رسمي من أي جهة جزائرية أو حتى من البوليساريو، فما يرشح هو أنباء يتم يتداولها على نطاق واسع عبر منصات وتطبيقات التواصل الإجتماعي، حيث تتحدث بعض المصادر عن مدنيين يقطنان في مخيمات يتندوف، كانا بصدد نقل كميات من المحروقات إلى خارج المخيمات، حيث داهمتهما دورية تابعة للجيش الجزائري وصبت على السيارة التي تقلهما وابلا من الرصاص، قبل أن تردي أحدهما قتيلا على الفور، فيما اختلفت المصادر حول مصير الضحية الآخر، ما بين أنباء تشير الى نقله جريحا الى مستشفى تيندوف وأخرى تفيد بمصرعه هو الآخر.
وكان لافتا أن نفس المصادر تشير الى انتماء ضحيتي الحادث الأخير لكبير ولد محمد المرخي ومحمد فاضل ولد لمام شغيبين، إلى مكون اجتماعي يوصف بالأقلية في تيندوف، سبق أن تم استهدافه من طرف البوليساريو عبر مخططات أمنية عنصرية واستئصالية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، عبر إلصاق تهم العمالة والاندساس وغيرهما من التهم الجاهزة بالعديد من المنتمين لهذا المكون إلى جانب مكونات اجتماعية أخرى، ثم الزج بهم في المعتقلات السرية الرهيبة التابعة للبوليساريو، فيما لا تزال قيادة البوليساريو ترفض أي شكل من أشكال معالجة تلك الانتهاكات التي تدخل في نطاق الجرائم ضد الإنسانية.
إذن أنتم تربطون بين حالات القتل التي يقدم عليها الجيش الجزائري في حق القاطنين في مخيمات تيندوف، وما بين الانتهاكات الحقوقية التي سبق ان ارتكبتها البوليساريو؟
بالتأكيد، لا يمكن عزل هذه التجاوزات عن سياقها القانوني والحقوقي، فمن جهة فدولة الجزائر هي المسؤولة قانونيا عن مخيمات تيندوف، وعن أي انتهاك يطال حقوق ساكنتها، فكما هو معلوم فالمخيمات تقع داخل التراب الجزائري، فرغم ما تروج له الجزائر من أن البوليساريو هي من المسؤولة عن تسيير المخيمات، إلا أن السلطة الوحيدة المعترف بها دوليا هي الدولة الجزائرية وليست أي سلطة مفوضة أخرى، وبالتالي فالولاية القضائية للسلطات الجزائرية تشمل المخيمات طبعا. فضلا على أن البوليساريو ككيان سياسي لا يمكن أن يرقى إلى مستوى الدولة، والمجتمع الدولي لا يتعاطى معه على هذا الأساس، فكل المنظمات الحقوقية الدولية توجه أصابع الاتهام إلى الجزائر رأسا بخصوص الانتهاكات التي تطال ساكنة المخيمات، ولا تستفسر غير الجزائر.
ماهي أهم مظاهر هذه الانتهاكات الحقوقية المسجلة في مخيمات تيندوف؟
الانتهاكات تشمل كل مظاهر الحياة في المخيمات، فعموما لا تزال عديد المنظمات الحقوقية الدولية الوازنة تثير في تقاريرها السنوية التضييق الكبير على حرية تنقل ساكنة المخيمات، حيث تعكف السلطات الجزائرية على فرض نظام تراخيص التنقل عليهم، وهي تراخيص يمنحها الجيش الجزائري حصرا عن طريق البوليساريو، كما تثير أيضا ذات التقارير الحرمان من حقوق اللاجئ المتعارف عليها دوليا، فرغم توقيع الجزائر على عديد المعاهدات الدولية المؤطرة لحقوق اللاجئين، إلا أنها تتنصل من مسؤولياتها إزاء ساكنة مخيمات تيندوف عبر تقديم البوليساريو كسلطة مشرفة عليها، فينجر عن هذا التنصل حرمان قاطني المخيمات من بطاقة اللاجئ، ومن الحق في الشغل وفي الحق الاستطباب والحق في التعليم وعديد الحقوق الأخرى.
المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الانسان كهيومن رايتس ووتش، وأمنيستي وفرونت لاين وغيرها تتحدث أيضا عن ظاهرة الإفلات من العقاب إزاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي ارتكبتها البوليساريو، والتي سبق أن ثبت تورط العديد من العناصر القيادية فيها، حيث تعطل الدولة الجزائرية المساطر القضائية المتعلقة بمعالجة تلك الانتهاكات، وتوفر الحماية للجلادين المتورطين فيها، عبر تمتيعهم بالحماية والحصانة من خلال منح بعضهم جوازات سفر دبلوماسية، أو حتى تهريب بعضهم بهويات مزورة كما حدث مع زعيم البوليساريو براهيم غالي مؤخرا حين تم تسفيره الى اسبانيا بغرض العلاج، رغم كونه متابع بعديد القضايا وبتهم ثقيلة لدى القضاء الاسباني، من بينها ممارسة التعذيب والاغتصاب والقتل خارج القانون.
لكن في اعتقادي تبقى التجاوزات الأكثر وقعا على ساكنة مخيمات تيندوف، هي تلك المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، حيث يتم فرض نظام الحزب الواحد عليهم ممثلا في البوليساريو، كما يحرمون من المشاركة في أي شكل من أشكال العملية السياسية، فينص “دستور” البوليساريو على حظر تأسيس الأحزاب السياسية وكافة التجمعات السياسية، ويمنع تأسيس الجمعيات أيضا، أو أي شكل من أشكال التأطير المدني.
كيف ينعكس هذا الوضع الحقوقي على ساكنة المخيمات وعلى ملف النزاع بشكل عام؟
أرى أن تنصل الجزائر من مسؤولياتها القانونية إزاء مخيمات تيندوف، ينعكس أيضا على الظروف الاجتماعية والاقتصادية لقاطنيها، فمثلا عدم تمكين منظمة غوث اللاجئين من الإشراف المباشر على المخيمات يتسبب في استغلال قيادة البوليساريو والمسؤولين العسكريين الجزائريين لتلك المساعدات والاغتناء من المتاجرة بها، وبالتالي حرمان ساكنة المخيمات وتعميق معاناتهم. كما أن حرمان ساكنة المخيمات من الحقوق المترتبة عن وضعية اللجوء يكرس الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتأزمة أصلا في المخيمات، ويحرم ساكنتها من فرص الشغل والاستثمار المنعدمة فيها.
أوضاع إقتصادية واجتماعية تدفع بالشباب لامتهان التهريب والأنشطة غير القانونية من قبيل التنقيب غير المرخص عن المعادن، وهو ما يعرضهم لمضايقات الجيش الجزائري الذي أقدم على تصفية بعضهم في حوادث قتل عديدة. كما تعمق حالة السخط والامتعاض التي يعيش على وقعها فئات واسعة من الشباب في المخيمات، ما يدفع ببعضهم إلى متاهات الجريمة المنظمة، والالتحاق بالجماعات الإرهابية في بلدان الجوار، وهو ما أثارته صحيفة التيلغراف البريطانية مؤخرا عبر تقرير حول الأوضاع في تيندوف.
أما بخصوص تداعيات هذا الوضع سياسيا، فلا شك أنه يساهم في تأخير حل النزاع بشكل كبير، فمن جهة فممارسات البوليساريو غير القانونية تتسبب في فشلها في تدبير المخيمات، وفي تعميق الوضع الانساني والاجتماعي فيها، ما يدفعها لمحاولة تصدير أزمة التدبير الداخلية عبر التصعيد السياسي والعسكري، ومن جهة أخرى فتورط بعض القيادات العسكرية الجزائرية وقيادة البوليساريو في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بشكل مباشر، يدفعهم الى عرقلة أي فرصة للتوصل إلى تسوية الملف، باعتبار أن انتهاء النزاع سيفتح الباب على مصراعيه أمام محاسبة المتورطين في تلك الجرائم والتجاوزات، وينهي أي مبرر لتأجيل طرق تابو الماضي الحقوقي.
تعليقات الزوار ( 0 )