Share
  • Link copied

صبري: الجزائر تشكّ في آلية المائدة المستديرة وتضع شروطاً.. والمغرب مدعوٌّ لتقديم تفاصيلَ حول مبادرة الحكم الذّاتيّ

يسلط المحامي بهيئة مكناس والخبير في القانون الدولي وملفّ الصحراء، صبري الحو، في هذا الحوار، الضوء أهم التطوّرات التي عرفها ملفّ الصحراء المغربية، وصولاً إلى إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة، ستيفان دي ميستورا، التي قدمها في الـ 19 من شهر أبريل الجاري، أمام أعضاء مجلس الأمن الدوليّ.

ويتحدث صبري، في حواره مع جريدة “بناصا”، عن تطوّر مواصفات الحلّ المرجو من قبل مجلس الأمن، وعن آلية المائدة المستديرة التي أكد أعضاء الهيئة الأممية، في اجتماعهم الأخير، على ضرورة استئنافها بمشاركة الأطراف الأربعة للنزاع المفتعل، إضافة إلى وضع الجزائر لشروط محدد، للحضور.

إليكم الحوار كاملا…

اعتبارا لكون المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة السيد دي ميستوار موظفا أمميا، وبصفتكم خبيرا في القانون الدولي ونزاع الصحراء، هل تفويضه مطلق وعام؟ وهل من حقه التراجع على ما حققته الأمم المتحدة حتى الآن، والقيام بتقديم إحاطات إلى مجلس الأمن دون قيود؟

لقد قدم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة فعلا إحاطته إلى مجلس الأمن، بناء على نتائج الاجتماعات العلنية والسرية التي قام بها مع الأطراف داخل أروقة مجلس الأمن خلال شهر مارس، وهو من صميم العمل الذي يضطلع به ومكلف به.

والإحاطة هو تدبير في إطار عتبة وضعه مجلس الأمن كسلاح في مواجهة الأطراف، لمراقبة عمل المبعوث الشخصي نفسه، ومن أجل معاينة مدى تفاعل واستجابة الأطراف في تنفيذها لقرار مجلس الأمن.

وتبعا لذلك فإن عمل ومهمة المبعوث الشخصي للأمين العام دي ميستورا، ليست تفويضا مطلقا ولا انتدابا عاما، بل هي توكيل وولاية واختصاص مقيد في رسالة تعيينه بواجب مراعاة التزام وحيد؛ الحفاظ على التقدم المحرز من طرف مجلس الأمن، وعدم جواز النكوص والتراجع عنه وعليه، كما أن إجراء القطيعة الابستمولوجيا معه محرمة وممنوعة.

فالتراكم السابق في إطار وحدة واستقلالية المقاربات ومراكز الأطراف، هو جهد أممي اكتسب صيغة التنفيذ بتوالي صدور القرارات وعلى ما استقرت عليه، ويجب الحفاظ عليه والبناء عليه. فهو بمثابة إسناد يجب الانطلاق من مستواه الحالي، وإن مزيدا من التحقيق مطلوب من طرف الأمين العام ومبعوثه الشخصي لدعم هذا التراكم وترسيخه وتحصينه وتطويره.

إلمامكم بموضوع الصحراء المغربية، يحفزني أن أطرح عليكم سؤالاً يراودني على غرار كل المغاربة؛ هل الأمم المتحدة، وبالضبط مجلس الأمن يتوفر على عناصر للحل؟ وماهي المقاربة المعتمدة من قبله إن تكرمتم؟

لا يمكن الجواب بنعم أو لا، ولكن إذا تمعنا في قراءة تقارير الأمين العام، وركزنا في مضمونها سنكتشف عناصر الجواب على تساؤلكم. فتوجيه مجلس الأمن المرتبط بالحل في نزاع الصحراء. تم ضبطه الآن في جملة واحدة وبكلمات مركزة جدا، وهو دون شك لب وعصارة مجهود أممي لسنوات وعقود من العمل.

فطبيعة وشكل الحل الذي تم نشر معالمه وتعيين أركانه ومرجعيته من طرف مجلس الأمن، تم في إطار فلسفة الصناعة السياسية في مزج واحد متجانس مع القانون، ودون أن يخل ذلك أو يتناقض مع القانون الدولي نفسه، رغم ما تراءى للأطراف بسوء فهم لقصور معرفي فج، وتوجد أسباب تشفع لهم أمام احتكار الملف من طرف جهات سياسية جد ضيقة في كل من المغرب والجزائر، ولدى البوليساريو، ولكون الدولة والمجتمع في موريتانيا غير معنيان.

ألا ترون أستاذ أن جوابكم تم في إطار تعبير فلسفي، ويتضمن تناقضا بيّنا عندما تقولون إن الصناعة السياسية، ووحدة السياسة والقانون دون تقابل ولا تناقض، هل يمكنكم تبسيط الأمور؟

لقد تجلى وظهر لي من خلال المواظبة على قراءة تقارير الأمناء العامين للأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، أنها تتجاوز في كثير من الأحيان ما بين السطور، وأنك تحتاج لفهم الحاضر سبر وثائق ولوائح وتقارير تمت في الماضي. وكل التقارير والقرارات أؤكد أنها وثائق يتم إعدادها من طرف نفس فريق الخبراء، لا يتغيرون بتغير الأمناء العامين والمبعوثين الشخصيين، هم قابعون في مكاتبهم ومستمرون في وظائفهم وفي مسك هذا الملف. على خلاف شتات الخبرة المغربية دون مأسسة ولا عنوان. فقط سير على الله.

وعودة إلى الجواب على سؤالكم، فتذكير مجلس الأمن بعناصر الحل المطلوب الوصول إليه؛ أنه سياسي توافقي وواقعي وعملي بما يضمن تقرير المصير. يبدو أنه توجيه متناقض. فالمغرب يتمسك بالعنصر السياسي ويرتاب من تقرير المصير، وبالمقابل فالجزائر والبوليساريو يركزون على ركن تقرير المصير، ويغضون الطرف والاهتمام بالشق السياسي الواقعي والعملي. مع أنه وحدة واحدة لا تقبل التجزئة ولا الانقسام. فتوافق الأطراف على الحل السياسي الواقعي والعملي، يعدم ربط تقرير المصير بالاستفتاء من جهة أولى والتشبث بها مجرد نوسطالجيا وخيال.

ولأن الأمم المتحدة أخفقت في الإعداد للاستفتاء، ولا يمكنها الرجوع حيث سقطت وفشلت وعجزت من جهة ثانية، ولأن إطار النظر الأممي الحالي سياسي محض بعد تجاوز خطة التسوية من جهة ثالثة، فالمطلوب إذن توافق سياسي على اتفاق لحل يتسم بمواصفات الواقعية والعملية والتوافق في نفس الاتفاق، على شكل إجازة هذا الاتفاق المركب، وعلى كيفية المصادقة عليه، أي أن مجلس الأمن ملّك الأطراف ابتداء عبر التوافق، طريقة خاصة لإجازة هذا الاتفاق وسماها بتقرير المصير.

الأستاذ صبري لماذا استغرقت الأمم المتحدة كل هذا الوقت الطويل لمجرد وصف الحل المراد الوصول إليه وتحديد أركانه فقط؟

لقد استوفى مجلس الأمن نعوت وأوصاف الحل، وفي ترتيبها والإشارة إليها منذ 2018. وهي ليست شروطا تطال الحل المطلوب الوصول إليه، لأن الشروط تفرض على الأطراف في إطار وجوب تفاعلها استجابة بالانخراط الفعلي دون شروط وبحسن نية، بل هي أركان للحل المراد بلوغه عن طريق مبدأ التشارك بمعية جميع الأطراف.

فشعور الأطراف جميعها بالانتماء وبالمشاركة في صناعة الحل هو المغزى والفلسفة المتحكمة في فكرة وفي إقرار آلية المائدة المستديرة نفسها، كي ينخرط الجميع في عمليات وإجراءات بناء الحل، وفي نفس الوقت يتم بناء الثقة بمثابة التوافق كركن ثان في أوصاف الحل، وهو عنصر ضروري لحماية الحل من الفشل في لحظته، وتدعيمه من خطر الانهيار في المستقبل، في سبيل ضمان ديمومته، وبالتبعية ضمان الاستقرار والأمن وبلوغ التنمية، ليس في المنطقة وحسب، بل التنمية في كل البلدان المغاربية والأمن والاستقرار الذي يطال دول الصحراء والساحل.

قد يبدو الأمر في ظاهر هذا العمل سهلا وبسيطا، ويعطي الانطباع أن مجلس الأمن لا يبذل جهدا مؤثرا بينا وكبيرا، وإنه يكتفي فقط بتولي تدبير الزمن وحراسة ورعاية الأمر لبقائه على ما هو عليه. غير أن الغوص في جوهر الأمور تفكيكا يكشف عن معادلات معقدة وعسيرة، ذلك أن استقالة أو إقالة كريستوفر روس وبعده بنفس الطريقة هورست كوهلر لا تدل على جمود وثبات في إشراف وتسيير مجلس الأمن في علاقته بالنزاع والأطراف.

فالتغييرات المحدث في طريقة التحقيق والانتقال من خطة التسوية إلى المقاربة السياسية. ومن أسلوب المفاوضات المباشرة مرورا بالنهج المبتكرة ثم المائدة المستديرة. ومن الطرفين والمراقبين والملاحظين إلى جعل المسؤولية جماعية، حيث لا فرق بين الطرف والمراقب والملاحظ. ومن منهجية المفاوضات إلى الحوار وصولا إلى مناقشات المائدة المستديرة حاليا، كل ذلك يدل على وجود حركية دؤوبة وعمل مفعم بالتفكير لفك ألغاز صعوبات الوصول إلى الحل، وسبق الإشارة إليها منذ التقرير 249 والقرار 1675 الذي يتزامن واعتماد المقاربة السياسية.

لماذا يعول مجلس الأمن على مناقشات المائدة المستديرة لبلوغ ما لم تدركه المفاوضات المباشرة وغير المباشرة؟

إن كل المؤشرات تفيد وجود حسم نهائي من طرف مجلس الأمن في النتيجة، وإن الذي تبقى هو مسألة تطبيع الجميع مع الحل للقبول به، وإشعاره بتحمل المسؤولية في أي إرباك أو إفشال له عبر آلية المائدة المستديرة. فالأخيرة إذن ليست مجرد غاية في حد ذاتها، وليست إجراءً اعتباطيا، بل فكرة لإنتاج اعتقاد وخلق إيمان وشعور لدى الأطراف أنها تساهم ماديا وتشارك فعليا في رسم وضع وحالة لذاتها وتصلح لمستقبلها. و هي فكرة محمولة لتحقيق نفس الفكرة، أي أنها وسيلة من أجل تحقيق هذه الفكرة، عبر تسهيل ولوج نفس الفكرة إلى سيكولوجية الأطراف، وحمل الفكرة إلى اعتقادهم الراسخ كقناعة.

وقد سبق لمجلس الأمن أن أشار، أو على الأقل لمح إلى هذه الفكرة سنة 2014 ، لكن بصيغة أخرى وبتعبير خشن وغير مستساغ لأنه تضمن وعيدا، عندما حدد عتبة للأطراف لبلوغ الحل تنتهي بحلول أبريل 2015- سمتها الجزائر والبوليساريو آنذاك بسنة الحسم- تحت طائلة تدخل المجلس لمشاركتهم في ذلك عمليات الحل، انصرم الزمن وحل الأجل وفات دون أن يصل الأطراف إلى الحل، ودون أن يتدخل مجلس الأمن لتنفيذ جزائه بالمشاركة.

من خلال إشارتكم إلى سنة 2015، التي أطلقت عليها الجزائر والبوليساريو سنة الحسم، هل تخلى مجلس الأمن عن طائله بمشاركة الأطراف في عمليات الحل؟

خلافا لظاهر الأمور فمجلس الأمن لم يتخل عن تنفيذ سابق ما توعد به بعد تحقق الشرط الذي ضربه في حالة عدم توصل الأطراف إلى حل بحلول أبريل 2015، وسميته شخصيا آنذاك في مقال أنه موعد استثنائي وليس حاسما خلافا لما رحت له الجزائر و البوليساريو اللذين تهربا من المفاوضات لتحقيق الشرط ظنا منهما خطأ أن الأمور تسير لصالحها، بحيث تمكن المغرب من إجهاض المؤامرة. إذ إن مجلس الأمن تدخل إيجابا في مسار إدراك الحل بغية التعجيل في الوصول إليه، عن طريق تعيين أوصافه من مجرد الحل العادل سنة 2006، إلى الحل السياسي التوافقي سنة 2014، أثناء توجيه تحذيره للأطراف، وثم تطويره إلى الحل السياسي التوافقي والواقعي والعملي بما يضمن تقرير المصير. وهو تدرج ينطلق من الحل كفكرة وغاية مجردة ومفهوم فضفاض إلى حل محدد المعالم والنعوت، يتقاطع مع الإشهاد الذي طبع به مجلس الأمن مبادرة المغرب بذات الجدية والواقعية، وفي نفس الوقت امتلك المجلس جرأة الإشادة بجهود المغرب.

إضافة إلى ذلك، فإن مجلس الأمن اعتمد منهجية وأسلوبا جديدا، عندما دعا المجتمع الدولي إلى الانخراط في تعامله مع الأطراف بحثها وتشجيعها ودفعها والضغط عليها للمضي قدما نحو الحل من جهة. وتحريض الدول إلى المساهمة في تنفيذ الحل. وهو ما استجابت له دول كثيرة عن طريق فتح قنصلياتها في الداخلة والعيون، و ذلك الفعل والتصرف يتجاوز مجرد القناعة بشرعية سيادة المغرب، بل هو مشاركة في تنفيذ فعلي للحل على أرض الواقع وتنفيذ لقرار مجلس الأمن الذي دعا الدول إلى الانخراط الايجابي.

والمظهر الثاني لهذا الانخراط هو تجريد وسحب مجموعة من الدول سابق اعترافها بالبوليساريو كدولة، لأنه مجرد حركة مسلحة انفصالية لا تستجمع أركان قيام الدولة في القانون الدستوري ولا في القانون الدولي. أما البعد الثالث والمقابل للثاني هو حصول المغرب على تأييد مجموعة أخرى من الدول بمغربية الصحراء، أو تأييدها للمبادرة المغربية حلا جديا؛ منها إسبانيا كدولة مستعمرة للإقليم ومن الدول أصدقاء الصحراء، وهو دعم مهم لأنه يجرد الجزائر من الدعم الديبلوماسي والسياسي ويعزلها ويقزم حجمها، ودول أخرى مثل النمسا وألمانيا وقبرص والبرتغال وغيرها.

على ما يبدو أن مجلس الأمن اكتفى بدعوة الدول للانخراط لمساعدته في الحل؟ وماذا عن الدول أعضائه والمجلس بذاته أيضا؟

تساؤل وجيه ومركز، لأنه ينصب على دور وتأثير مجلس الأمن والمنتظر منه. فهو لم يكتف بدعوة بقية الدول إلى الانخراط في العملية السياسية ولو بعودة الملف إلى أجندتها السياسية الداخلية (يراجع في هذا الصدد تقرير الأمين العام 249)، بل دعا الدول أعضاءه الدائمة والمؤقتة ونفسه، إلى اتخاذ قرارات وصفها بالصعبة. تجلت بالأساس في الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، والتزام أمريكا في نفس الإعلان بالعمل في إطار خارطة محددة ومضبوطة من حيث ماهية الأطراف وتحديد الوسيلة وضبط النهاية بالوصول إلى حل في إطار الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب، انسجاما مع اعترافها بشرعية سيادة المغرب، وهو قرار صعب لأنه انتفاضة على الجمود وانقلاب على التردد الأمميين.

كما أن تدخل مجلس الأمن تجسد في رقيه بالنزاع واعتباره إقليمي يجمع في إطار المسؤولية كل الأطراف، رغم الرفض الجزائري لأنها مسؤولة في خلق المشكلة ومسؤولة سياسيا وقانونيا في إطار قانون اللجوء ومسؤولة في إطار الحل. وليس في ادعاء أي حق. ومسؤولة أيضا لكون استمرار النزاع يرهن التنمية المغاربية ويمس بأمنها، وتمتد تردداته في الأمن كما في الاستقرار حتى الساحل والصحراء. وقد يتسبب النزاع في حالة إهماله طبقا لتقارير الأمين العام وقرارات مجلس الأمن، في حرب شاملة. ولهذا فإن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، السيد ديميستورا ركز في إحاطته على موقف الجزائر الذي يرفض العودة إلى استئناف محادثات ومناقشات المائدة المستديرة، ويشترط تحديدا مسبقا من مجلس الأمن للهدف المتوخى من هذه الآلية الإجرائية صراحة، لأنها ترتاب منها وتشك في المراد منها.

عودة إلى إحاطة المبعوث الشخصي للأمين العام الأخيرة؛ هل ترضخ الجزائر لحضور مناقشات المائدة المستديرة؟ وهل صحيح أن موريتانيا وكلت الجزائر للنيابة عنها؟

لم تقف محاججات الجزائر عند حد مطالبة مجلس الأمن بتوضيحات حول اعتماد مناقشات المائدة المستديرة، وتم الكشف عن الأمر أثناء الإشارة إلى فحوى ومضمون ما دار بينها والمبعوث الشخصي من محادثات لتبرير رفضها حضور مناقشات المائدة المستديرة. بل كشفت عن قضية أخرى لا تقل أهمية وخطورة، فهي ترافع بالأصالة عن نفسها ونيابة عن موريتانيا، بما يوحي أو يؤكد على وجود تنسيق مسبق وموحد بينهما للدفع وإبداء الشك لتبرير رفض الاستجابة لحضور مناقشات المائدة المستديرة.

أو أن الجزائر تحاول نشر وتسويق فكرة مزيفة على وجود موقف موحد بينهما يتبنى نفس التساؤل عن جدوى المائدة المستديرة والغاية منها والشك حولها. ويرفضونها. دون أن تؤكد موريتانيا أو تنفي ذلك رغم معرض الحاجة إلى الكلام الذي يعتبر بيانا في مثل هذه الحالات، بيد أن المبعوث الشخصي تأكد من عدم صحة الأمر، عندما أكدت له موريتانيا على استمرارها على الحياد الإيجابي. “فالحكم بالظاهر والله يتولى السرائر”.

هل أصبحت الحكومة المغربية مستعدة للمرافعة من أجل الحكم الذاتي؟ وهل تملك خطة لمواجهة رفض الجزائر حضور مناقشات المائدة المستديرة؟

علاقة بمضمون الإحاطة والمغرب، فقد نقل المبعوث الشخصي إلى مجلس الأمن استعداد المغرب لاستئناف مناقشات المائدة المستديرة وتنفيذ قرار مجلس الأمن. وتأكيد المغرب رفضه لأي محاولة لتجاوزه في الحوار خارج دائرة الوفد الرسمي الذي يعينه لأنه حريص أشد الحرص على استجابة التركيبة العضوية فيه للصفة والمصلحة والأهلية والشرعية، بضمه لممثلي ساكنة جهتي العيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب، المطابق نطاقا جغرافيا للإقليم محل النزاع، والسلطة المركزية تبعا للشرعية التاريخية و الرجحان القانوني والتأكيد القضائي للروابط القانونية بين الإقليم بالسلطة المركزية (أي المغرب) والعضوية تضم عنصري الشباب والنساء الذي تنص تقارير الأمين العام للأمم المتحدة، في باب الملاحظات والتوصيات وتؤكد على مشاركتها كل قرارات مجلس الأمن، وهو بذلك وفد مثالي مؤطر بالشرعية الشعبية الانتخابية في تمثيل الساكنة، وبالشرعية التاريخية القانونية، والقضائية، وتنفيذا لتوصيات الأمين العام للأمم المتحدة ولقرارات مجلس الأمن.

وإن أي تواصل خارج ذلك، أو مجرد تعبير عن رغبة في ذلك يقوم به المبعوث الشخصي أو الخاص أو بعثة المينورسو يعتبر مساسا بحقوق المغرب، سيما وأن مهام المينورسو استقرت في إزالة الألغام ومراقبة وقف إطلاق النار، ولا يتجاوزه إلى المشاركة في العمل السياسي بعد طي صفحة خطة التسوية واعتماد مقاربة جديدة سياسية منذ 1675. ولا يشفع لبعثة المينورسو ما تقوم به خفية وسرا تحت ذريعة أنه يصلح لدعم العملية السياسية التي تضطلع بها الأمم المتحدة وحيدة واستئثارا وحصريا، ولا يشاركها في ذلك أي تنظيم قاري إفريقي ولا إقليمي أوروبي ولا غيرها.

التسريبات تشير إلى أن دي ميستورا طلب من مجلس الأمن فتح ممرات برية بين مخيمات اللجوء وإقليم الصحراء المغربية، هل يمكنكم إفادتنا بالخلفيات؟ والأبعاد الجديدة في علاقة بالحسم في الحل؟

نعم لقد صح ما تفضلتم به، فالمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، السيد ستيفان ديميستورا، دافع ورافع من مجلس الأمن أجل إجراء ما يلزم لفتح ممرات برية لتبادل الزيارات العائلية بين لاجئي مخيمات تندوف وساكنة الأقاليم في الصحراء المغربية. و تجدر الإشارة إلى أن موضوع تبادل الزيارات يدخل ضمن باب تدابير بناء الثقة، التي كانت تتم عبر الرحلات الجوية، وتوقفت سنة 2012، بسبب الأزمة التي اختلقها المبعوث الشخصي كريستوفر روس مع المغرب، عندما كشفت صحيفة إلبايس عن رسالة وجهها إلى أعضاء مجلس والدول أصدقاء الصحراء يتهم فيها المغرب بالتسبب في الجمود، وطالب منها تحميله المسؤولية.

وبالعودة السريعة إلى السؤال فإنه يعول على فتح الممرات في بداية الأمر لدعم الوشائج والعلاقات الانسانية الاجتماعية والتطبيع المدني والشعبي لفك الانحصار السياسي وبناء الثقة لتسهيل التقدم قدما في العملية السياسية. فموضوع فتح الممرات البرية ليس جديدا، بل هو فكرة قديمة كانت على وشك التنفيد بغية الزيادة في أعداد الزيارات وفسح المجال في وجه أكبر نسبة من الساكنة. ودعا إليها كثرة أعداد الراغبين وقلة الرحلات الجوية. وكان الأمل عليها كبيرا لتحقيق عائد سياسي سريع ينعكس إيجابا على عمل السياسي المفاوض.

وتستمر الحاجة إلى تدابير بناء الثقة وتبادل الزيارات وتسهيلها عبر فتح هذه الممرات البرية، فهي ذات بعد إنساني نبيل وحاجة اجتماعية وضرورة مدنية، مثلما استمرت حاجة الأمم المتحدة إلى ذلك لتعزيز عملها السياسي.

ولا أجد حرجا في الكشف عن الجديد الذي يكتنف إحياء هذه الفكرة وإثارة هذا الموضوع من جديد، وفي هذا الوقت بالذات، والغاية التي تسيطر على الأمم المتحدة من خلاله. فقد سبق لي القول في مقالات سابقة إن مجلس الأمن ليس جهازا قضائيا يتمتع باختصاص أمر وإلزام طرف أو أطراف على القيام بعمل أو على الامتناع عن القيام به، على غرار اختصاص المحاكم والقضاء الوطني، فذلك محرم عليه، وليس اختصاصا لمحكمة العدل الدولية التي يمنع عليها مقاضاة سيادة الدول. ولأن جوهر الموضوع يتعلق بقضية تتعلق باللجوء وفقا لاتفاقية جنيف 1951، فإن حلها في النهاية سيتم طبقا لقواعد القانون الدولي، وإعمال وتطبيق الحلول الدائمة التي تنهي وضع اللجوء بمنح الجنسية الجزائرية لمن أراد لقضاء كل اللاجئين المدة التي يشترطها الأمر الجزائري، وتسهيل العودة لمن أراد إلى المغرب، وضمان حق إعادة التوطين في موريتانيا، أو غيرها، لمن لا يفضل الحالة الأولى والثانية. فضمان حق وحرية التنقل سيسهل أمر تفكيك المخيمات وإنهاء وضع اللجوء، وله علاقة بالحل السياسي التوافقي والواقعي والعملي.

كيف تنظر شخصيا إلى آلية المائدة المستديرة في علاقتها بمبادرة المغرب بالحكم الذاتي، وهل ستحقق التنمية والأمن والاستقرار لكل المنطقة؟

قبل ذلك أغتنم الفرصة للاشارة إلى عرض المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، الذي هو في نفس الوقت رئيس بعثة المينورسو، الذي تمحور حول الصعوبات التي تواجهها البعثة لإتيان اختصاص المراقبة لوقف إطلاق النار، والمخاطر الأمنية التي يتعرض لها أفرادها في الجهة الشرقية خلف الجدار الدفاعي الأمني المغربي، وأكد أن الذي فاقم من هذه المشاكل إضافة إلى كبر المساحة وقلة الموارد البشرية واللوجستيكية والتكنولوجية، هو الأعمال العدائية التي تصدر ضد عناصر المينورسو، وما يتعرضون له من مضايقات وتهديدات.

ويكيف ذلك الاعتداء على المنطقة وتهديد حياة عناصر المينورسو، للخطر، جريمة قائمة الأركان وخرقا وانتهاكا لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي أبلغت البوليساريو الأمم المتحدة بعدم الالتزام به، دون أن يتخذ مجلس الأمن أي ردة فعل تخص ذلك، وهي نقطة مهمة تحسب لصالح المغرب.

وأجزم أن مجلس الأمن والمغرب كانا حكيمان، في تركيزهما على أولوية البناء وتفضيلهما الأهم عن المهم، وعدم انسياقهما وإعطاء الفرصة لمبادرات الهدم وتقويض كل الجهود التي تمت حتى الآن، بعد أن حصحص الحق وظهر نور الشمس من البصيص وسط العتمة. وللإشارة فقط، فاتفاق وقف إطلاق النار وقعته البوليساريو مع الأمم المتحدة، ولا يربطها مع المغرب أي اتفاق تعاقدي في الموضوع. وأكد المبعوث الشخصي للأمين العام في كلمة إحاطته على أن الوضعية الدولية الحالية تزيد من خطر انتشار الإرهاب واتساع مجال لنشاط عصابات الجريمة المنظمة.

وقد حاز المبعوث الشخصي على تأييد ودعم وثقة كل أعضاء مجلس الأمن، واستجابوا لطلبه في حث ودعوة الأطراف والضغط عليها لاستئناف مناقشات آلية المائدة المستديرة، والقبول بوضع مبادرة المغرب بالحكم الذاتي قيد المناقشة، واستدعاء المغرب لتقديم توضيحات دقيقة وشروحات مفصلة حول مبادرته لإطلاع الأطراف على تفاصيلها وجزئياتها من أجل تطبيعهم معها والنظر في ردودهم لتطويرها. وهو نفس الطلب الذي عرض على المغرب صيف السنة الماضية قبيل النظر والدراسة الدورية لمجلس الأمن للحالة في الصحراء المغربية، وادعى المغرب عدم استعداد الحكومة الحالية للاستجابة لذلك الطلب لأنها كانت بصدد تعيينها وتحتاج وقتا لذلك. ولا يجد المغرب حرجا في ذلك لأنه ضمن مبادرة انفتاحه على ذلك شرط بقاء الربط والارتباط السيادي للصحراء فرعه المغرب بأصلها المغرب، ولا يعتبر ذلك تناقضا منه ولا وضعا لشروط لأن مركزه له شرعية تاريخية ورجحانا قانونيا وتأييدا قضائيا وإجماعا وطنيا.

Share
  • Link copied
المقال التالي