يعتبر المفكر العربي شفيق الغبرا، في الجزء الثاني من الحوار مع مع جريدة بناصا، أن أزمة كورونا ستثير صراعا من نوع جديد بين اليمين واليسار على الصعيد الدولي.
وتطرق الحوار، في جزئه الثاني، إلى فشل السلاح أمام وباء كورنا، وأن العالم أصبح في حاجة إلى التركيز على الجامعة والبحث العلمي… كما تطرق الحوار إلى النموذج الصيني ودور القيادة وأهميتها ووظيفتها وموقع الديمقراطية في زمن ما بعد كورونا…
إليكم الجزء الثاني من الحوار.
تؤكدون أن أزمة كورونا ستثير صراعا جديدا بين اليمين الذي يسعى للانسحاب من العولمة وغلق الدول وبناء الأسوار والحد من الهجرة والاستثمار في الأمن والسلاح وتعظيم الصراع بين الحضارات والمجتمعات، وبين اليسار الباحث عن عولمة إنسانية وعدالة اجتماعية وتنمية مساءلة واستثمار أكبر في التعليم والبحث والصحة والحفاظ على البيئة والمناخ وفوق كل شيء الاستثمار في الإنسان، ماهي توقعاتكم لطبيعة هذا الصراع، وهل سيكون له أثر إيجابي أم سلبي سيزيد من محنة دول العالم؟
أعتقد سيبقى الصراع بين اليمين واليسار وسيبقى الخلاف بين المحافظ وغير المحافظ، وسيبقى الخلاف بين الديمقراطي والجمهوري في النظام الأمريكي، وسيبقى الخلاف بين الاتجاهات والمدارس المختلفة، في اليسار واليمين وخارج إطارهما، ومع الوسط، هذا الأمر مفتوح.
سيكون هناك حدة في هذا الخلاف والصراع، وسيكون هناك مزيد من الوعي بأهمية أن تتعامل مع القضايا التي آثارتها أزمة كورونا، وستكون وقائع ستفرض نفسها، وعلى سبيل المثال لا يمكن الانسحاب من العولمة، فالانسحاب منها دمار، ولكن يمكن إصلاح مسارها، ويمكن تخفيف بعض الجوانب، ويمكن البحث عن قيم العدالة في زمن العولمة. وفِي جانب آخر أزمة كورونا قالت أن كثرة الاستثمار في الأسلحة والأمن فشلت لأنه لم يستطع ولا صاروخ ولا مدفع ولا دبابة ولا طيارة أو قذيفة نووية، أن توقف فيروس كورونا، ماذا سنقول عندما تأتي فيروسات أسوأ وأقوى من كورونا، وأوبئة أصعب وأسوأ بعد عشرة أعوام من الآن.
وما البديل برأيكم دكتور شفيق؟
أرى أن بات اليوم أكثر مما مضى أن العالم عليه أن يركز على الجامعة وعلى التعليم، ويركز على البحث ثم البحث، هذه الشركات الكبرى، التي كانت تركز على توزيع الأرباح وتأخذ أموالا في الأبحاث وتضعها في الأرباح، يجب أن تعود إلى التوازن وتبحث عن طريقة، تركز فيها على البحث وعلى المختبرات وعلى الجامعات، وعلى العلم والبنى التحتية، وعلى العدالة والفقر والغنى، وسنذهب في اتجاه النقابات التي ستحمي مصالح الموظفين والعاملين أمام الشجع الذي سيطر على كبرى الشركات، والمؤسسات الدولية، بل وحتى الدول أيضا، فلا تأتي التغييرات لأن الدول تريد، ولكن لأن الوعي تغير، وتأتي التغييرات لأن الناس اكتشفت بالملموس واقعا جديدا، فقد ذهبوا للمستشفى فلم يجدوا علاجا ولا دواء، ولا من يستقبلهم، وعاملتهم دولهم في بعض الحالات وفي كثير منها بطريقة أدت إلى موت المريض، عندما يكتشفون هذا الامر سيكون هناك عدة تحديات مرتبطة بالحالة الصحية، فلم يعد الأمر بسيطا، بل يمس كل المواطنين كبيرهم وصغيرهم، والأغنياء والفقراء.. الكل يعاني.
وفِي حالة أن مستشفيات الدول أضعف، من أنها تستطيع أن تتعامل مع هذا الوباء، فالكل يعاني عندما لا تكون هناك كمامات، والكل يعاني عندما يكون هناك ارتباك في طريقة التعامل مع هذا الوباء المستجد، فالحاجة ملحة بالنسبة للدول ليف ستتعامل مع الأوبئة القادمة، وهذا هو الأساس، وبالتالي فإن التسلح مقابل البحث والأمن، والجيوش مقابل التعليم، هذه القضايا ستأخذ حيزا من الطرح والتفكير، فالصراع ليس فقط نظري وإنما هو يعيش معنا في الواقع يمس أخلاق الناس وحياتها، ويمس منازلها، فعندما تكون البيئة ملوثة والأمراض كثيرة، وتكون بيئة الطعام ملوثة، في مجتمع فما يفيد أن يشتري طائرة وأحدث الدبابات بكميات هائلة، بالنهاية لا يستخدمها، لكن ما هو حال المجتمع الذي يزداد فقرا بسبب المصاريف الكبيرة لأن الدول العربية لم تعد تعي أغلبها أي شيء إلا الحل الأمني، تقول لها إن لديها مشكلا بيئيا تقول لك إن لها حلا امنيا للبيئة، ولديها حل أمني لكورونا والمستشفى وللعلاج والبحث.
والحلول الأمنية هي أصبحت شكل من أشكال الهلوسة، والجنون، لتصبح شكلا مرضيا في الدول العربية، فالجهاز الأمني هو الأقوى أما باقي الأجهزة فهي الأضعف، ومن هنا فإن الحل الأمني لن يقينا من الدولة الفاشلة، ومن الغضب والثورة، ومن بحث الناس عن حلول خارج هذا الإطار الأمني، إذ عالمنا يتغير، وسيتأثر، حتى يكون الصراع القادم بعد الكورونا مع الحقيقة والواقع ومع الألم والمشكلة وأن يقدم حلولا أفضل فأعتقد أنه سيكون هناك فرز جديد في المراحل القادمة بعد أن نعبر هذه الجائحة.
تعتبر بأن مسألة القيادة مهمة لتجاوز أزمة كورنا، كيف السبيل للدول العربية أن تنجح في هذا الرهان، هل بالديموقراطية أم بالتنمية الاقتصادية، التي تجعل من الكفاءات المستقلة نجوما على حساب الكفاءات السياسية؟
مع هذه الجائحة برزت مسألة القيادة، وأساليب مختلفة لها، فالدول التي لها قيادة متماسكة وحريصة، وشفافة ومحبة للناس وليست كارهة للشعب والناس، ومحبة للطبقة الشعبية، وساعية لأن تحسن من أوضاعها وتمتلك حسا من العدالة والكفاءة، والاهتمام والرغبة، والشفافية، هذه القيادة سوف تلتف حولها الشعوب، من الأحزاب والتيارات، فهذا النمط من القيادات عندما لا تكون موجودة سوف يبحث عنها المجتمع، لتكون في المراحل القادمة، قادرة على لعب الدور الذي يسمح لها بأن تحسن الحياة. وبالنسبة لي كديمقراطي أرى بأن الديمقراطية تمثل حلا هاما للمجتمعات، لكنها ليست شكلا واحداً يجب أن ننتبه إليه، فلا توجد ولا دولة في العالم ديمقراطيتها تشبه ديمقراطية الدولة القريبة منها، فلا الديمقراطية البريطانية تشبه الديمقراطية الفرنسية ولا السويدية، ولا الألمانية.
فالديمقراطيات تختلف ولكن هناك مبادئ تقوم عليها كل ديمقراطية، وهذا يستتبع بالضرورة طرح سؤال ما هي حالة الحريات والتعبير وكيف يمكن أن يتقدم مجتمع إلى ما لا نهاية إن لم يكن هناك طريقة في التعبير ولضمان الحريات ومواجهة الفساد، والتغول والإساءة ومواجهة القانون إلى درجة الالتزام بالحقوق القانونية حول المواطنة والقدرة أن تقول رأيك دون الخوف من فقدان الحياة أو العمل، فعدالة القضاء واستقلاليته، قضية أساسية.
كيف يصل الناس إلى أعلى المواقع هل بالانقلاب أم بالانتخاب، وإذا كان الانتخاب هل هو مزور أم حقيقي، وما هي درجة حرية في هذه الانتخابات؟، هل هناك خيارات وبرامج انتخابية مختلفة؟.
الكثير من المراقبين العرب للنموذج الصيني باتوا ينظرون إليه بعين الانبهار، وأنه نموذج يمكن التأسي به، ما رأيكم دكتور شفيق في هذه النظرة، على الأقل إن لم نقل رؤية؟
إن الذين ينظرون للنموذج الصيني اليوم أنه نموذج كفء، لحقق كثيرا من التقدم، فهذا لا يعني أن النموذج الصيني بشكله الراهن سيكون هكذا بعد عقد أو عقدين من الآن، هذا لا يعني أنه لا يوجد مطالبات حقوقية وديمقراطية، ضمن النموذج الصيني، لكن في نفس الوقت أن النموذج الصيني لم يكتشف طريق ضمن الحزب الحاكم الشيوعي لإيصال قيادات متفوقة ولديها قدرات متقدمة إلى أعلى مناصب الحكم، هنا يوجد نجاح فيبدو أن الحزب الشيوعي، يبدو أن الحزب الشيوعي لديه قدرة عالية على فرز الأفراد اتجاه العمل القيادي، وقدرة عالية على الحوار الداخلي بين اليمين واليسار ضمن الحزب الشيوعي، وأنه حزب حقيقي وليس على شاكلة الأحزاب العربية، التي فرغت من محتواها ومن مضمونها خاصة الأحزاب العربية الحاكمة سابقا كحزب البعث سابقا في العراق وسوريا حاليا الذي فرغ من محتواه، لم يعد حزبا حقيقيا أصبح مشروع سلطة لأجل السلطة، يحكمه فرد أو مجموعة أمنية، لكن في التاريخ العربي توجد أحزاب كانت حقيقية، وجبارة وفيها حوار حقيقي وفيها انتخابات داخلية.
يبدو أن الصين يمر بهذا وفِي نفس الوقت فهذا لا يعني أن التاريخ انتهى هناك، نرى في هونكونغ مطالب ديمقراطية، ونرى في أماكن أخرى مطالب ديمقراطية في الصين، فهذا لا يعني أن هذه المطالب لن تتحقق في يوم من الأيام مقدرة على تحولات في النظام السياسي والاجتماعي، والاقتصادي الصيني.
هنا أستاذ يعن لنا أن نتساءل معكم، ما موقع الديمقراطية في زمن ما بعد كورونا؟
الواقع السياسي قابل للتحول، ستحاول الأنظمة، أن تتراجع عن الديمقراطية، وسنجد هذا حتى في أوربا، لكن الشعوب والمجتمعات والمثقفين والطبقة الوسطى والمستنيرة والشعبية وقطاع كبير من القطاع التجاري، لن تكون مستقرة في ظل أنظمة ديكتاتورية، لا تساءل وليست شفافة، لا يستطيع أحد أن يسألها عن أعمالها ولا سياساتها ولا توجهاتها، وأنظمة ديكتاتورية تضع المال العام في مغامرات تؤدي إلى إفلاس الدولة وإضعافها.
الديمقراطية مهمة وينبغي أن تكون قادرة على تحقيق نتائج كمنع الفساد وضمان الشفافية، وهذا سؤال كبير وتحدي على الشعوب أن تجيب عنه، وعلى المجتمعات أن تسعى باتجاهه، وعلينا أن نعي أن الديمقراطيات متنوعة، لكن تكميم الأفواه ومنع الناس عن الكلام غير مقبول في كل مجتمع ومهما كانت النتائج فعندما يكون هناك قمع ويكون هناك فساد، تعود الدولة لتنهار وتتراجع أو تتقلص وتصبح في مؤخرة الدول، إذن علينا أن نفكر في هذا الاتجاه، كيف يمكن أن تكون الأبعاد التي تتعلق بالحقوق الأساسية للإنسان، أن تكتسب المناعة في كل مجتمع وأن تحقق تقدم في كل مكان، وكيف تكون هذه المناعة أساسية للتنمية الاقتصادية في ظل رؤية للعدالة. هذه الأساسيات التي تكون نمط من الديمقراطية أيضا تضمن الحريات وتضمن الحقو ق والإنسان.
تعليقات الزوار ( 0 )