يطرح التداخل بين كوفيد-19 والإنفلونزا إشكالات عديد تقلق علماء الأوبئة وبعض صانعي السياسات، ويثير مخاوفهم أن يواجهوا وباءين في الوقت نفسه، مما قد يؤدي إلى أزمة أكثر حدة من التي يعيشها العالم الآن، والتي تقلق المغرب وتهدد منظومته الصحية الهشة.
تحذيرات من ذروة جديدة
وفي هذا الصدد، حذر مدير مديرية علم الأوبئة ومحاربة الأمراض بوزارة الصحة محمد اليوبي أنه من المنتظر أن يشهد الوضع الوبائي بالبلاد تدهورا أكبر خلال الفصول الباردة عندما ينضاف انتشار الانفلونزا الموسمية لفيروس التاجي.
وسبق أيضا للمدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، أحمد سالم المنظري، من أن قال إن موسم الإنفلونزا الموسمية الذي يوشك على البدء في كثير من بلدان الإقليم من بينها المغرب، قد يؤدي إلى ذروة جديدة وتزايد في حالات الإصابة بفريوس كورونا المستجد.
من الصعب التكهن
ويقول مارك ليبسيتش، عالِم الأوبئة في جامعة هارفارد: “في أسوأ السيناريوهات، سوف ينتشر كلٌّ من فيروس كورونا والإنفلونزا بسرعة ويسببان مرضًا شديدًا، مما يعقِّد التشخيص ويُشكِّل عِبئًا مزدوجًا على نظام الرعاية الصحية”.
ومن جهتها تقول سارة كوبي، عالِمة الأوبئة في جامعة شيكاجو: “من الصعب التكهن”. ليس من غير المعروف فقط هل سينحسر فيروس كورونا حينًا ويشتد حينًا مع تغيُّر الفصول، ولكن “ما هو صعب حقًّا هو أنه ليس لديَّ توقعات دقيقة بشأن السلوك البشري والقرارات المتعلقة بالسياسات التي سيتم اتخاذها خلال الأشهر القليلة المقبلة”، وفق تعبيرها.
ضربة مزدوجة
أما جيفري شيمن عالِم الأوبئة في جامعة كولومبيا فيرى أنه إذا اتبع سارس-كوف-2 أنماطًا موسمية كالتي يتخذها بعض الفيروسات الأخرى في عائلتي كورونا والإنفلونزا، فقد ينحسر في الصيف، ويضيف مستدركًا: “لكنه قد يعود مرةً أخرى ليطاردنا. ربما نتهاون، مما قد يجعلنا غير مستعدين”.
ووفق دراسة أُجريت على حوالي 1200 مريض في شمال كاليفورنيا، ونُشرت في دورية جاما “JAMA“في أبريل، تَبيَّن أن واحدًا من كل خمسة أشخاص جرى تشخيص إصابتهم بـكوفيد-19 كان مصابًا بفيروس تنفسي آخر في الوقت ذاته. حيث يقول بن كاولينج، عالِم الأوبئة بجامعة هونج كونج: إن خطورة مثل هذه العدوى المشتركة منخفضة عادةً، ولكنها تشتد عندما ينتشر فيروسان بشكل كبير في المنطقة نفسها، يقول كاولينج: “من الممكن أن تصاب بالفيروسين في الوقت نفسه بالضبط إذا كنت سيئ الحظ حقًّا”.
فبالرغم مما سبق، يعتقد كاولينج وبعض علماء الأوبئة الآخرين أن الطريقة التي تتفاعل بها الفيروسات ويتداخل بعضها مع بعض قد تقلل من تأثير أي ضربة مزدوجة لفيروس كورونا وفيروس الإنفلونزا، لقد تعقَّب العلماء الأوبئة على مدار عقود، ووجدوا أن فاشيات فيروسات الجهاز التنفسي عادةً لا تصل إلى ذروتها خلال المدة الزمنية ذاتها.
ويرى بعض العلماء أن تأثير هذه الضربة المزدوجة قد لا يكون خطيرًا، نظرا لأنه يُعد أشد ارتباطًا بالسلوك البشري منه بعلم الفيروسات حيث ينتقل كلٌّ من كوفيد-19والإنفلونزا في غالب الأحيان عن طريق القطرات الصادرة عن الجهاز التنفسي، لذا فإن إستراتيجيات الوقاية ذاتها المستخدمة للحد من انتشار الأول ستعمل أيضًا على الحد من انتشار الثاني.
ماذا أعدت وزارة الصحة؟
وفي السياق ذاته قررت وزارة الصحة تزويد المستشفيات بلقاحات الأنفلونزا الموسمية ولقاح المكورات الرئوية “البنوموكوك” خلال موسم الخريف..
وأوضح خالد آيت الطالب، في كلمة خلال ندوة افتراضية حول موضوع “كوفيد-19، الأنفلونزا، الهيموفيلس أنفلوانزا نوع “ب”، والبنوموكوك: أهمية اللقاح، أي توصيات؟”، في يوليوز المنصرم، أن الوزارة قررت، بالنظر إلى استمرار جائحة “كوفيد 19″، وإلى حين الوصول إلى لقاح فعّال وآمن، تمكين المرضى المصابين بأمراض مزمنة من اللقاح الخاص بالأنفلونزا الموسمية.
إلى جانب توفير لقاح “البنوموكوك” البالغ الأهمية والفعالية، خلال موسم الخريف، للمساهمة في الرفع من مناعة هذه الفئة من المواطنات والمواطنين، صغارا وكبارا، والتخفيف من وطأة الأنفلونزا وتبعاتها.
تبعات غير هيّنة
ولفت الوزير، في هذا السياق، إلى أن تبعات الأنفلونزا لا تكون هيّنة، وتشكل تهديدا بالنسبة للمصابين بأمراض مزمنة والحوامل والمسنين والرضع، مسجلا في الوقت نفسه أن هذا اللقاح ليس فعالا ضد “كوفيد 19″، غير أنه يعد أحد السيناريوهات الوقائية التي سيتم اعتمادها واللجوء إليها، إلى جانب الحرص على تطبيق التدابير الوقائية.
وذكر المسؤول الحكومي بأن ما بين 250 و650 ألف شخص عبر العالم يفارقون الحياة بسبب الأنفلونزا الموسمية كل سنة، في حين تطال عدواها ما بين 3 و 5 ملايين شخص
مطالب توفير اللقاح بالصيدليات
ومن جهة أخرى دفعت التطورات الوبائية الأخيرة التي تشهدها المملكة مهنيي الصيدلة إلى المطالبة بتوفير التلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية على مستوى الصيدليات، من أجل الحد من تنقلات المواطنين، استحضاراً لأعداد الإصابات بفيروس “كورونا” المستجد في الأسابيع المنصرمة.
وذلك وجهت كونفدرالية نقابات صيادلة المغرب مراسلة رسمية إلى وزير الصحة، تنادي عبرها بالاستعانة بالصيدليات، بوصفها مرافق صحية مؤهلة، لتلقيح المواطنين ضد الأنفلونزا الموسمية؛ وذلك تحسبا لأي تطور وبائي قد يفاقم الوضعية الصحية الحالية، تبعاً للمصدر عينه.
وأعربت الكونفدرالية عن استعدادها لتلقيح المواطنين ضد الأنفلونزا الموسمية في الفترة الخريفية، التي تصادف هذه السنة حالة الطوارئ الصحية المرتبطة بجائحة “كورونا”، لافتة إلى ضرورة “إيلاء أهمية أكبر لهذه الحملة، قصد تحصين صحة المواطنين من العدوى”.
تعليقات الزوار ( 0 )