شارك المقال
  • تم النسخ

تدابير الوقاية تجاه كورونا: هل يعيش المغرب حالة الطوارئ؟ أو الاستثناء؟ أو حالة تدبير أزمة؟

تمهيد:

لم يقنن المشرع الدستوري المغربي حالة الإنذار والطوارئ، من حيث الأسباب التي تدعو وتسمح بها، والجهة او المؤسسة الدستورية المؤهلة لإقرارها وفرضها، والمسطرة الواجب اتباعها من أجل ذلك؟، ولا ندري السبب فيه وخلفياته، وهل هو مجرد نسيان محض وخالص، أو تناسي مقصود ومتعمد؟!

إقرار حالة الإنذار والطوارئ في دول الجوار، وضوح النص ووضوح الإجراءات ووضوح الاختصاص

 قننت دول الجوار بما فيه مملكة إسبانيا هذه الحالة في المادة 116 من دستورها، وتم تنظيمها في القانون العضوي4/1981، وتنص في الفقرة الثانية من نفس المادة 116 من دستورها:

“أن الحكومة تعلن حالة الطوارئ بواسطة مرسوم يصادق عليه مجلس الوزراء لمدة أقصاها 15 يوما بعد اشعار مجلس النواب، الذي يملك امكانية الترخيص بتمديدها، يحدد المرسوم الامتداد الترابي الخاصع للاجراء المتخذ”.

وقد اعتمدت إسبانيا وإيطاليا هذه المسطرة لاقرار وضع الطوارئ والإنذار، بحيث اتخذت إجراءات صارمة بتقييد التنقلات وحصرها والتزام المواطنين الاسبان لمنازلهم لمدة 15 يوما، وتسهر القوات الأمنية على احترام المواطنين لهذه الضوابط.

وللأمانة فإن الشعبين الإيطالي والإسباني أبانا عن وعي وانضباط مثاليين. ويتم الحديث في إسبانيا عن احتمال عدم كفاية المدة لاحتواء الجائحة، وهو ما يفتح الباب أمام تمديد الحالة وبقاء الإجراءات أو الزيادة في صرامتها.

المغرب: غياب نص دستوري واضح! مع وجود مواد تسمح بتأطير الحالة!

عمليا وواقعيا، وفعليا فإن المغرب اتخذ مجموعة من التدابير والإجراءات التي تدخل في إطار حالة الطوارئ والإنذار؛ منها إغلاق الحدود مع إسبانيا ثم مع فرنسا ومع ألمانيا وبلجيكا وهولندا والبرتغال دون أن تشير بلاغات اتخاذها إلى الإطار الدستوري المعتمد من أجل ذلك.

ويرجع السبب بكل بساطة  إلى عدم تقنين الدستور المغربي لهذه الحالة، وهو ما يسمح المحال لنفس النقاش الذي أثارته المادة 47 من الدستور في ظل حالة البلوكاج السابقة اثناء مشاورات الحكومة الحالية قبل التعديل.

وقد اكتفت بلاغات التدابير التي اتخذها المغرب؛ وخاصة الأول والثاني بالإشارة إلى إجراء جلالة الملك لمشاورات مع ملك ورئيس تلك الدول قبل اتخاذ القرار. وهذه الحيثية في البلاغ مهمة في تأصيل الجهة التي بادرت إلى التفكير والآمرة بالتنفيذ والتطبيق.

فالظاهر  منها أن جلالة الملك هو الذي أخذ المبادرة والقرار  بعد التشاور مع الشركاء في الخارج من الدول المعنية، و غذاة التوافق معها تم تفعيل الأمر بوقف الرحلات الجوية والبحرية والبرية واغلاق الحدود معها، أي أن الملك مدير  مركز لهذه الحالة في اتخاذ هذا القرار.

قياس حالة الإنذار في غياب النص مع حالة الاستثناء 59 وحالة تدبير الأزمات 54 من الدستور

رغم عدم وجود نص دستور واضح يقنن حالة الانذار، فإن المادة 59 منه تتحدث عن حالة الاستثناء وربطها في الدستور المغربي بتوفر احدى الشرطين؛ تهديد حوزة التراب الوطني أو وقوع احداث تعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية.

فهل يمكن تأطير الإجراءات التي قام بها المغرب ( توقيف الرحلات، توقيف الدراسة، توقيف الجلسات في المحاكم،  اغلاق المساجد اغلاق المقاهي والمطاعم ومحلات الملاهي على أنها من صميم حالة الاستثناء أم إجراءات عادية لتدبير أزمة؟.

يبدو من ظاهر قراءة شرطي الدعوة لفرض حالة الاستثناء، ودون الاستمرار في قراءة النص و الخوض في مسطرة واجراءات إقرار الحالة، والتمعن فقط في  الفقرة الثانية من  المادة 59 في الدستور أنه يمكن اللجوء إلى حالة الاستثناء كاجراء لمحاربة وباء كرونا، مادام الوباء يعتبر حدثا يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية.

غير أن سكوت المؤسسة الدستورية المختصة وعدم اتباع مسطرة اعلان حالة الاستثناء رغم امكانية اعتبار الشرط الثاني سببا لها لا يسمح بالحديث عنها؛ لعدم  إلقاء جلالة الملك لخطاب في الموضوع باعلانها. فماهي طبيعة واطار الإجراءات التي تمت حتى الآن ؟ والتي تعتبر من صميم حالة الطوارئ والإنذار وأقرت في بلدان الجوار؟

التدابير المتخذة تنوع في الفاعلين ووحدة الغاية لتدبير أزمة وباء كرونا، المادة 54 من الدستور

رغم سكوت الدستور المغربي عن تنظيم حالة الطوارئ والحديث عنها، فان المادة 54 من الدستور والمتعلقة بالمجلس الأعلى للأمن تصلح اطارا لتبرير  الإجراءات والتدابير المتخذة من طرف المغرب حتى الآن.

رغم تنوع في المبادرين لتفعيلها، بين تلك التي تمت بمبادرات ملكية كتعليق الرحلات مع كل من اسبانيا وفرنسا وإنشاء صندوق التضامن لمواجهة وباء كرونا، وطلب فتوى باغلاق المساجد، وتعليق الجلسات في المحاكم، الموقع من طرف الرئيس المنتدب للسلطة القضائية الذي ينوب على الملك.

وتلك التي هي بمبادرات الحكومة والمتخذة من طرف قطاعات وزارية  مثل تلك المقررة من طرف وزارة التعليم كوقف الدراسة بكافة مؤسسات التعليم، وتلك المقررة من  طرف وزارة الداخلية بإغلاق المقاهي والمطاعم وتحديد عدد الركاب في سيارات الأجرة وتعقيمها وغيرها، وقد تستجد تدابير أخرى لتطال حرية التنقل ولما لا فرض التزام البيوت.

على سبيل الختم:

المهم من كل هذا وذاك، أن المغرب يعيش حالة الطوارئ الفعلية لتطويق وحصار فيروس كرونا رغم غياب نص دستوري يؤطره. وأن ما اتخذه المغرب من تدابير  لتدبير الأزمة كان شجاعا، واعتمد فيها مبدأ التدرج وقد تتطور لتصبح أكثر صرامة وشدة حالة ثبوت عدم كفايتها.

عسى أن تلقى  وعي وتفهم جميع المواطنين لاحترامها لعدم اللجوء الى فرضها بالقوة وتحت طائلة العقاب، ولو في إطار حالة الاستثناء المنصوص عليه دستوريا. فالمجموعة الدولية تواجه عدو غير مرئي.

*محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي