Share
  • Link copied

تبون ليس رئيسا محظوظا

يحتفل الرئيس الجزائري بمرور مئة يوم على حكمه، في أسوأ ظرف يمكن تخيله بالنسبة لأي رئيس. فقد استقبله الجفاف الذي ضرب الجزائر، وانهارت أسعار البترول، وانتشر وباء كورونا. كل ذلك في الثلاثة أشهر الأولى لحكمه. هو الذي وصل الى سدة الرئاسة في ظرف سياسي سيئ جدا، تميز بحراك شعبي لم تعرفه الجزائر طول تاريخها السياسي، ولم يكن ممكنا أن يصل إلى الحكم من دونه. حراك شكك في مصداقية الانتخابات وظروف إجرائها. وضع سيئ جديد سيجعل الرئيس المنصب حديثا يعيد النظر مكرها في كل مشاريعه السياسية، كما حصل مع مشروع تعديل الدستور، الذي لا يمكن تصور انطلاقه في هذا الوقت المأزوم على المستوى الصحي.

الحال على المستوى الاقتصادي – مؤقتا على الأقل – الذي سيتطور بكل تأكيد، بعد التدهور المريع في أسعار النفط، الذي مازالت تعتمد عليه الجزائر بشكل كبير جدا في وضع خططها التنموية وميزانيتها، ما يعني أن البلد مقبل على أيام صعبة على المستويين الاجتماعي والسياسي، على المديين القصير والمتوسط. يضاف إلى الوضع السياسي غير المستقر، الذي لا يظهر أن الرئيس الجديد يتحكم فيه تماما، بعد أن فقد أول داعم سياسي له، المتمثل في قائد أركان الجيش، الذي وافته المنية مباشرة، بعد وصول تبون إلى قصر المرادية. وفاة لم تترك له فرصة دعم مركزه تحت حماية هذا الرجل القوي.

وفاة قائد الأركان، التي تم تداول عدة فرضيات للتعامل مع نتائجها السياسية. كانت إحداها تتبنى فكرة أن الرئيس الجديد يمكن أن يستغل غياب قائد الأركان القوي، لفرض نفسه على مراكز القرار الأخرى، كرجل قوي جديد، لما يتمتع به عادة أي رئيس جزائري من شرعية، مهما كانت ظروف وصوله إلى المنصب. خاصة في هذا الوقت الذي تعرف فيه كل مؤسسات النظام، اضطرابا في الأداء، نتيجة الحراك الشعبي. في حين كانت ترى الفرضية الثانية، التي دافع عنها الكثير من الأوساط، أن الرئيس لا يملك شروط فرض نفسه، لا على مستوى المؤهلات الشخصية ولا على مستوى المجموعات الداعمة له، التي لم تتوضح معالم مشروعها السياسي، الذي بقي مبهما وعاما جدا. لم يستطع في نهاية الأمر من خلق الانطلاقة المطلوبة لرئيس جديد وصل إلى الحكم في ظل أزمة قاتلة، كما بينت ذلك يوميات حملته الانتخابية، والصراعات التي ارتبطت بها، داخل النواة الضيقة للسلطة الفعلية. تطور الأحداث لاحقا منح مصداقية أكبر لأصحاب الفرضية الثانية، التي تدافع عن عدم قدرة الرئيس الجديد على فرض وجوده على مراكز القرار المختلفة، التي استمرت على حالها، بعد ذهاب بوتفليقة، رغم ما مس واجهتها الخارجية، نتيجة بعض ملفات الفساد السياسي والمالي، التي أطاحت ببعض محيط الرئيس المبعد، بافتراض أن الرئيس الجديد يملك حسا إصلاحيا، كما ادعى في بعض محطات حملته الانتخابية المضطربة.

ما يحصل في ميدان العدالة هذه الأيام، يمكن أن يؤكد مصداقية هذه الفرضية التي ترى أننا امام مؤشرات، يمكن ان تكون خطيرة، تعبر عن فوضى كامنة، في تسيير هذا القطاع، كما نبهت إلى ذلك نقابة القضاة، بعد إلقاء القبض على أحد منخرطيها، بتهم خطيرة شككت فيها النقابة بقوة. الشيء نفسه وأكثر، الذي قام به المحامون بعدما اعتبروه اعتداء على حرية التقاضي، واحترام حقوق المواطنين أمام العدالة، بمناسبة مرور كريم طابو أمام القضاء، الذي أمر بسجنه، بعد محاكمة غريبة لم تعرفها أروقة العدالة في الجزائر منذ سنوات. وهو الاتجاه نفسه الذي تأكد بعد الحكم بالسجن على الصحافي خالد درارني، الذي لم يقم إلا بأداء عمله الصحافي، في هذا الظرف الحساس الذي تعيشه الجزائر. وضع فرض على مهنيي القطاع من محامين وقضاة وصحافيين، مطالبة الرئيس بالتدخل للحد من الفوضى التي يعيشها قطاع العدالة. كما وصفوها في بياناتهم، التي وجدت صدى دوليا قويا.

ظرف يمكن أن تتحول فيه هذه المؤشرات الخطيرة على مستوى أداء العدالة إلى اتجاهات ثقيلة على المدى القصير، داخل كل مؤسسات الدولة، وليس العدالة فقط، تحيل إلى بروز قوى سياسية رافضة للإصلاح السياسي، الذي نادى به الحراك الشعبي، ستحاول استغلال هذه الأجواء التي تعيشها الجزائر للعودة بالنظام السياسي إلى أيام خلت، ما أوحى لبعض الناشطين والإعلاميين القيام بمقارنات تاريخية مع محاكمات كانت الجزائر قد عرفتها في بداية الاستقلال، على غرار محاكمة العقيد شعباني، الذي حكمت عليه «عدالة التلفون» ليلا بالإعدام قبل انطلاق المحاكمة، كما جاء في مذكرات العقيد – الرئيس بن جديد، الذي استلم طلب الإعدام عبر وزير دفاعه العقيد ـ الرئيس بومدين من مصدره الأول الرئيس بن بلة. حسب هذه الرواية للرئيس الأسبق بن جديد، باعتباره أحد الفاعلين الرئيسيين في هذه المحاكمة المشؤومة.

اجواء تعليق الحراك الشعبي والكثير من الديناميكية السياسية التي عاشتها الجزائر لمدة أكثر من سنة، يمكن أن تغري القوى السياسية الرافضة لإصلاح النظام للتكشير عن أنيابها، اعتقادا منها أن ميزان القوى السياسي، لم يعد يسير في اتجاه المطالبة بالإصلاح السياسي، كما يطالب به المواطن الجزائري. في وقت يمكن ان نفترض فيه أن السائد على المدى القصير سيكون الكولسة والضرب تحت الحزام، داخل مراكز القرار، من قبل مجموعات صغيرة ومحدودة العدد، بل أفراد، يمكن أن تنشط في هذا الوقت، الذي تعيش كل مؤسسات الدولة اضطرابات أكيدة، جراء ما سببه لها الحراك الشعبي من خلخلة بقوة دفعه الكبيرة، بدون أن ينجح في قطف ثمار ما خرج من أجله، فاكتفى بإخافة ـ والخوف أشد فتكا – هذه القوى المتمترسة داخل مراكز القرار، بدون أن يحيدها ويشل حركتها بشكل واضح.

حالة سياسية لن تمكن الرئيس الجديد من الاستعانة بقوى شعبية أو حزبية، كان يمكن أن يجندها، بفرض أنه صاحب مشروع إصلاحي، وجد الكثير من الصعوبات، في التعبير عنه وإقناع المواطن به خلال المئة يوم الأولى من حكمه. مشروع سيجد صعوبات كبيرة في الشروع في تطبيقه، في هذا الوضع الصحي والمالي والسياسي المأزوم، الذي لم يتخيله أي سيناريو، مهما كانت درجة تشاؤمه. في وقت تحتاج فيه الجزائر إلى الكثير من التفاؤل وهي تمر بهذه المحنة، التي لن تتجاوزها إلا بالعودة إلى مكامن القوة داخلها، التي تمر حتما عبر ايجاد مقاربات جديدة، تجند من خلالها كل أبنائها وبناتها.

*كاتب جزائري

Share
  • Link copied
المقال التالي