أكد المفكر الكويتي شفيق الغبرا، في حوار مع جرية بناصا أن أزمة جائحة كورونا تثير اسئلة كبرى وتحولات عظمى تبلغ درجة التناقض في كل الاتجاهات والأبعاد.
واعتبر المفكر ذو الأصول الفلسطينية، والذي أصدر عدة كتب ودراسات ذات طابع استراتيجي، أن العالم العربي محتاج إلى إصلاحات عميقة، وإذا فشل الإصلاح سيدخل في مزاج أكثر فوضوية وأكثر ثورية.
إليكم الجزء الأول من الحوار مع المفكر شفيق الغبرا..
يبدو أن أزمة كورونا تسرع التاريخ وتثير التناقضات وتخلق قضايا جديدة، ماهي في نظركم أبرز هذه التناقضات وماهي تجلياتها هل سنشهد تغييرا في أنظمة الحكم وميزان جديد للقوى الدولي، الذي يلعب فيه الاقتصاد حجر عثرة؟
أزمة كورونا ستثير كل التناقضات بكل الأبعاد والاتجاهات، وهي ستؤثر على كل الناس، ستفتح القضايا، وستثير الجروح، وستكشف الفساد وستوضح مدى هزالة الإدارة، وستوضح طريقة عمل الحكومات، والدول اتجاه مسؤوليتها اتجاه الشعب، كما ستوضح هذه الأزمة حالة العلم والمجتمع، ستكشف حالة الاقتصاد وإشكاليات التنمية بين المدينة والريف، والأغنياء والفقراء، بين الأقوياء والضعفاء، ستضع كل المجتمعات على المحك.
لهذا فإنها أزمة ستسرع التاريخ، إذا كان هناك حدث سيقع في دولة من الدول بعد 15 سنة مثلا، فإن هذه الأزمة ستجعله يقع بعد خمسة سنوات، فهي تسرع عجلة التاريخ، هي اختصرت عقدا كاملا من القضايا والإشكالات، تتعلق بالإنسان والاقتصاد وبئة العمل، وإيجاد الفرد المناسب في المكان المناسب، والمهمة المناسبة، فهي تضع عبئا كبيرا على الدول باعتبارها هي المسؤولة. إن أزمة كورونا ستجعل الناس يدخلون في لحظة وعي حول ما العمل؟، كيف لهذه الدول أن تخرج من أزمتها؟.
كارثة وجائحة وباء كورونا هي الآن في بدايتها سيأتي وقت لنكتشف العلاج لكن بعد التلقيح كيف سيكون حال الدنيا بين الدولة والمجتمع؟، ما هي الدروس التي تم تعلمها؟، هنا ستبدأ الأسئلة الأصعب.
من القضايا السياسية التي انكشفت، هي العلاقة الأمريكية الصينية التي انكشفت بشكل أكبر، فالصين هنا لها حظوظ أن تحقق تقدما، على خلاف أمريكا التي. ليست لها هذه الحظوظ بسبب أن لديها رئيس لديه مشاكل كبيرة، كشفت أزمة كورونا مزيدا من مشاكل ضعفه، وغياب القدرة على التنظيم والتخطيط والإدارة، والقيادة.
فترامب في لقاءاته الصحفية اليومية، وفِي إدارته للأزمة، أعطى صورة واضحة لضعف قدراته في التسيير، وعلى مدى تركيزه على الانتخابات، وليس على مواجهة المرض، فكثيرا ما عرض نفسه لأن يقول كلاما ليس حقيقيا، وغير صحيحا، كأن يقول أمنا لقاحات وهو لم يقم بذلك، وكأن يقول سيطرنا على الوضع وهو لم يسيطر عليه، وهناك الكثير من غياب القدرة على إعطاء الحقيقة، وصدام دايم بينه وبين العالم، هذا سيؤثر على الرئيس الأمريكي الحالي ترامب، وعلى الانتخابات القادمة من حيث فرص الفوز والخسارة ، وهذا سيؤثر بالتحديد على الاتجاه السياسي و العام الذي تسير فيه الولايات المتحدة في حال خسارته لانتخابات الرئاسة في نونبر القادم، وارتباطا بهذا الأمر سنشهد توازنات سياسية دولية جديدة، وربما سنكون أمام إدارة أمريكية جديدة، كما سنرى تقدما للقادة الذين نجحوا في إدارة الأزمة في بلادهم وعرفوا كيف يديرونها، ككندا وفِي ألمانيا، وفِي نيوزلاندا، فعندما توفرت قيادات قادرة على الإدارة، الناس كانوا في راحة أكثر بغض النظر عن الأرقام، وكان لديها ثقة أكبر تنتهي إلى حالة أفضل ومقبولة، نسبة إلى حالة الخوف في المجتمعات التي فقدت الإدارة وبرز الارتباك والإرباك في التعامل مع هذه الأزمة غير المسبوقة.
الكثير من الأنظمة والحكومات ستتراجع حقوقيا لأنها لن تستطيع أن تقدم حلولا
ماذا عن قضايا الظلم والعدالة التي برزت مع هذه الأزمة، هل سنشهد تراجعا حقوقيا؟
ستبقى قضايا العدالة والظلم دائما ستبقى مطروحة، كعدالة القانون والمعاملات والعلاقات بين الناس وبين الدولة والمجتمع، وكل المعاملات التي تكون المجموعة البشرية وحياة الناس، ومنها تعزيز حقوق المرأة، والشباب والأطفال، والحق في التعليم، فالبحث عن العدالة، مسألة مهمة في تطور المجتمع والتوسط في نزاعاته. إذن هل نشهد تراجعا حقوقيا على المستوى التكتيكي والقريب؟، لن تستطيع الكثير من الأنظمة والحكومات، إلا أن تتراجع حقوقيا لأنها لن تستطيع أن تقدم حلولا كبيرة للمشكلات الأكبر والأعمق التي تنمو وتتكثف وتتعمق وتتكاثر في قاع المجتمع العربي.
لا يوجد حلول لمشكلات العالم العربي، لهذا بالنظر إلى هذه المشكلات، فالعالم العربي محتاج إلى إصلاحات عميقة، وإذا فشل الإصلاح سيدخل في مزاج أكثر فوضوية وأكثر ثورية، ولهذا فإن الفرق بين الإصلاح الجاد والحقيقي العادل والمسؤول والمقنع والمنظم، وبين الثورات والعنف، العالم لن يستطيع أن يستمر هكذا واهما في اتجاه دول فاشلة أومقتنعا بدول لا تقوم بواجباتها وتُمارس الظلم و الفساد وتكره شعوبها، ودول معجبة بإسرائيل أكثر ما هي معجبة بشعوبها، لأن فقدت الرغبة في الاهتمام بشعوبها، بخلاف ما كان عليه الأمر في الدول العربية في الخمسينات والستينات، كما كان عليه الأمر في المرحلة الناصرية، أو في مرحلة الفصيلية إن صح التعبير، إشارة إلى مرحلة الملك فيصل في السعودية، كان هناك زعماء يحرصون على الاهتمام بشعوبهم، اليوم ليس هناك هذا الاهتمام بالشعوب اليوم، بل بالعكس من ذلك هناك إعجاب مفرط بالغرب، وفيه عدم قناعة بالقدرة للحاق به، كما فيه إعجاب بإسرائيل، وفيه قدرة عدم القدرة على هزيمتها أو مواجهتها، أو بناء استراتيجي معها، فهناك مزيد من القناعة بأن نلحق بإسرائيل وبالغرب ونضطهد الشعوب بنفس الوقت، هذه المعادلة ستنفجر، وربما أنها ستنفجر، مع الكثير من العنف، والكثير من الغضب، والكثير من الفوضى، هي قابلة للانفجار، السؤال هل لدى القادة والأجنحة الحاكمة في الأنظمة العربية، وفِي قطاعات أخرى بالدولة، المقدرة على القيام بإصلاح حقيقي، يبعدنا عن شبح الانفجار الواسع، لكني أرى أن هذا الانفجار قادم في السنوات القادمة.
في العلاقة مع الغرب: بدأنا بأنظمة تسعى لردم الهوة وانتهينا بأنظمة مستسلمة
قلتم بأن النظام العربي في معظم دوله فقد القدرة على اللحاق بنموذج الغرب كما فعلت الصين وجنوب كوريا وتايوان ودول آسيوية عدة ردمت الهوة مع الغرب، كيف ذلك؟ وهل هذا الأمر سيعمق من أزمة الدول العربية في علاقتها مع هذا الغرب؟
بالفعل الدول العربية كانت متأثرة بالمناخ الثقافي الحضاري الغربي، انطلق منذ بدايات القرن العشرين، حتى بداية الحرب العالمية الأولى، وكانت هناك نهضة عربية مع أجواء الحرب العالمية الأولى، يكفي أن أذكر لك المفكر طه حسين والكواكبي، ومحمد عبده، وعلي عبد الرزاق، والأفغاني، كنّا أمام مدارس فكرية مختلفة، وكان هناك تطور تاريخي، طرح علينا سؤال النهضة، واللحاق بالغرب والعدالة في العلاقة مع الغرب، لكن نشأت اسرائيل في قلب المنطقة العربية، ودخلنا في حروب ووقع علينا أعباء كثيرة. بدأنا بأنظمة تسعى لردم الهوة وانتهينا بأنظمة مستسلمة، لعدم إمكانيتها، تبيعنا لنا شعار تقول لنا أننا في الطريق إلى عالم جديد، لكننا في الحقيقة نحن نسير نحو الدولة الفاشلة، إذن هناك فشل عميق في بناء الدولة الوطنية في العالم العربي، بخلاف ما هو واقع في تركيا وإيران، بغض النظر عن الأنظمة السياسية ومدى الاختلاف أو الاقتراب من هاتين الدولتين. هذه الدول لها مشروع دولة، فحتى اسرائيل لها مشروع دولة تقوم به وتسعى باتجاهه، نحن العرب فقدنا المشروع والقضية، والحافز للإبداع والنجاح والتقدم، وفقدنا المشروع الحضاري العربي، وبلا العودة إلى هذه المبادئ وبالنظر إلى كيف يمكن إنشاء واقع مختلف عن كل الذي مر علينا في السنوات العشرين أو الثلاثين الماضية، فسنكون لا محالة سائرين في اتجاه كارثة كبرى.
يتبع..
تعليقات الزوار ( 0 )