قَال الأكادّيمي المغربي والباحثُ في قضايا الفكر واللغة، إدريس جنداري، في تدوينة كتبها، يوم أول أمس (الأحد)، إنّ مُحاربة الشعبوية الدَّينية تتطلب تربية الشعب على القيم التقدمية للدين الإسلامي، ومحاربة شعبوية رجال الأعمال تتطلب تربية الشعب على القيم الوطنية وأنَّ هذا مسار طويل وشاق، لا يخوضه إلاّ من يؤمن بالنضال الثقافي، في إشارة إلى الصِّراع الدائر بين حزب “المصباح” و”الحمامة” (المشارك في الإئتلاف الحكومي).
ولتفكيك ميكانيزمات الخطاب الشعبوي الذي توظفه بعض الأحزاب المغربية، فصَّل إدريس جنداري الذي صدر له العديد من الكتب والدراسات، كان آخرها كتاب تحت وسم “من أجل مقاربة فكرية لإشكاليات الربيع العربي” في تصريح لـموقع “بناصا”، أنّ الشعبوية (Populisme)، ليست نظرية للمعرفة، وليس منهجا، وليست إيديولوجيا، هي بالأحرى أسلوب (Style)، يتغير بتغير المراحل والتيارات ومجالات الممارسة، ونتيجة ذلك ، فهي انتقلت من أي تأطير علمي، سوسيوـ تاريخيا وسياسيا، كما يؤكد الباحثان “برتران بادي” و “دومينيك فيدال”، في كتاب (عودة الشعبويات).
وأبرّز جنداري، أنّ البُعد الإيتومولوجي للكلمة، الشعبوية، فهي مشتقة من “الشعب”، وهي، بذلك تيار مضاد للنخبوية، مما يوحي بأنها اسلوب حجاجي، يقوم على الإقناع اللغوي، مع استبعاد المرجعية العلمية والبيانات الإحصائية، ولذلك فهي تتصور المُمارسة السياسية نوعا من البريكولاج التواصلي الذي يسعى إلى إثارة مشاعر العامة، لكسب قلوبهم من أجل توظيفها كسلاح في مواجهة النخبة.
وأوضح جنداري، أنّه ومن خلال محاولة استقرائية لتاريخ الشعبوية، من النازية إلى الفاشية والبُلشفية والصهيونية، والناصرية، وصولا إلى الإسلاموية واللوبينية والترامبية، يمكن التركيز على مجموعة من الخصائص، أبرزها أنّ الشعبوية تقوم على ترويج شعار الارتباط بالشعب وتمثيله والدفاع عن مصالحه العليا، في مواجهة من تعتبرها نخبة مُستغَلّة، والهدف من هذا الشعار هو الوصول إلى مرحلة احتكار لسان الشعب للحديث باسمه.
ومن وجهة نظر، الباحث، فإنّ الشعبوية تعمل على تفكيك الرصيد المُؤسساتي الذي راكمه المجتمع السياسي، وتفكيك الرصيد المعرفي الذي راكمه المجتمع العلمي، بادعاء أن الرصيدين معاً يُمثلان إطارا لحماية وتبرير استغلال الشعب.
ويُضيف الباحث في قضايا الفكر واللغة لـ “بناصا”، أنّه وكنتيجة لهذا الاحتكار الشعبي المدعوم بتخريب الرصيد المؤسساتي والمعرفي، يتحقق وضع شمولي على المستوى السياسي والاجتماعي، يقود إلى سيطرة الزعيم/ الحزب الواحد، مع اختلاف نسبة تحقق هذا المشوع من مجتمع/دولة إلى آخر/آخرى.
وأشار الباحث الأكاديمي، إلى أنّه كلما نجحت الشعبوية في تحطيم المناعة المؤسساتية والمعرفية كلما تَمكّنت من المجتمع والدولة، وكلما كانت المناعة المُؤسساتية والمعرفية قوية كلما فشل المشروع الشعبوي، لذلك يَعتبر الباحث الألماني جان ويرنر ميلر في كتابه (ما هي الشعبوية)، أنّ النظام الدّيمقراطي قد يكون مسؤولا عن ظهور التيارات الشعبوية، فالآلية الانتخابية التي توفرها الديمقراطية يُمكنها أنْ تقود إلى السلطة أعداء الديمقراطية بشكل ديمقراطي.
تعليقات الزوار ( 0 )