شارك المقال
  • تم النسخ

الزيتوني يكتب: صفقة القرن الأمريكية ضمن مخرجات نادي بيلدربيرغ

محمد الزيتوني*

اهتمت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية بما يسمى “صفقة القرن ” اهتماما كبيرا، بدون الإشارة إلى خلفيات المشروع وجذوره. والذي من المفترض لاستيعابه كمشروع أمريكي في الشرق الأوسط يزعم أنه يهدف إلى تسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي،

والإشارة  لأصحاب المشروع : صفقة  القرن  أو فرصة القرن. أو “حل ” النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. كل المصادر تؤكد  أن من يقف وراء الفكرة المشروع (صفقة القرن) هو  غاريد كوشنير مستشار الرئيس الامريكي وصهره في نفس الوقت، وهو شاب ينتمي إلى عائلة أمريكية يهودية أورثدوكسية، انتمى كوشنير مبكرا الى نادي بيلدربيرغ (نسبة الى اسم المكان الذي عقد فيه أول اجتماع بالفندق الهولندي  بيلدربيرغ) والذي اجتمعت فيه لأول مرة نخبة من كبار السياسة والاقتصاد والصناعة والإعلام وينتمون كلهم حصريا الى القارتين الأوربية والأمريكية.

وبيلدربيرغ: يعود اسم النادي الى الفندق الذي تأسس فيه سنة 1954 بمدينة أوستيربيك الهولندية وهي المدينة التي شهدت أشرس المعارك بين البريطانيين والهولنديين من جهة، والألمان النازيين من جهة أخرى،خلال الحرب العالمية الثانية ،ومن المؤسسين الأوائل لنادي بيلدربيرغ دافيد روكفلر وروتشيلد وجوزيف ريتانغير وبول فان زيلاند وبيرنارد بيستيرفلد.

ولا يستبعد المتتبعون أن يكون النادي فرعا من فروع الماسونية العالمية.


ومن المؤكد أن نادي بيلدربيرغ تأسس جوابا على التهديدات الاشتراكية والشيوعية التي أصبحت تلوح بخطورتها على العالم الرأسمالي والإمبريالية العالمية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية والإعلان عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية سنة 1949،من طرف الزعيم ماو تسي تونغ.


و هذا ما تحقق فعلا بعد ان حققت الصين اقتصادا عملاقا متطورا أصبح ينافس بشكل مباشر الاقتصاد الأمريكي نفسه بل أصبح بديلا للاقتصاد الأمريكي والأوروبي في العالم، في انتظار إعلان الصين رسميا أنها أول اقتصاد عالمي.


كما أن روسيا الاتحادية بقيادة فلادمير بوتين أصبح لها دور كبير في توازن الصراعات الإقليمية وانتمائها للمنظومة الاقتصادية (بريكس) (التي تجمع كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا ،لا يدع مجالا للشك أن الهيمنة الغربية المطلقة على الاقتصاد العالمي في ظل أحادية القطب أصبحت من الماضي.

ولأن الشرق الأوسط والخليج العربي  يتوفر على ثروات نفطية تشكل نسبة  تفوق 40% من الاحتياطات النفطية المؤكدة عالميا، فهي تعتبر الجوهر الاقتصادي للصراع العالم، كما أن التحكم في جيوستراتيجية المنطقة “بحل” الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو العربي الإسرائيلي” سيمكن أصحاب “الصفقة “من التحكم في خيوط سياسات الشرق الأوسط  مرة أخرى، ووضع حد للمد الروسي الإيراني في المنطقة.


فإذا كان قد تم الإعلان عن الجانب الاقتصادي للصفقة، المحدد في ميزانية مالية تقدر بخمسين مليار دولار (توفر دول الخليج 37 مليار دولار منها) مخصصة لربط الضفة الغربية بقطاع غزة  بجسر معلق والمساهمة في الإقلاع الاقتصادي الفلسطيني ومساعدة اقتصادات دول المنطقة كلبنان والأردن، فإن الجوهر السياسي لم يعلن عنه رسميا  بعد،مما يسعر من حدة الشكوك حول النوايا والأهداف الحقيقية للصفقة،وكذلك الإعلان الفلسطيني الرسمي الرافض المتمثل في السلطة الفلسطينية والمنظمات الفلسطينية الأخرى ،مما يعد إجماعا فلسطينيا حول الرفض  التام لمشروع الصفقة.


ومن منظور فلسطيني فإن الجوهر السياسي لمشروع التسوية الأمريكي  لا يحتاج الى اعلان حيث أن أمريكا لا تعترف بفلسطينية القدس واعتبرتها عمليا عاصمة لإسرائيل بنقل سفارتها من تل أبيب اليها، كما أكد ذلك الأمين العام للمبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي.


وحسب تسريبات إعلامية اسرائيلية، فإن الجانب السياسي للصفقة يتمحور حول تمكين الفلسطينيين من  تأسيس ما يسمى “فلسطين الجديدة” تضم الضفة الغربية وقطاع غزة وإيجار أراضي من سيناء المصرية لبناء مطار وبعض المنشئات ،وتبقى الاراضي الفلسطينية الأخرى بما فيها المستعمرات تحت سيطرة الكيان الصهيوني.


إذن دويلة تحمل إسم “فلسطين الجديدة” بدون القدس الشرقية عاصمة لها وبدون جيش يحميها، بل فقط شرطة فلسطينية بأسلحة خفيفة، وهذا ما رفضه الفلسطينيون بالإجماع، أي كل الفصائل الفلسطينية من منظمة فتح إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس. والذي ترجم عمليا بمقاطعة مؤتمر المنامة.


كل المؤشرات تؤكد أن الصفقة the deal باءت بالفشل، بعد رفضها من الطرف المعني مباشرة (الفلسطينيين)، وخاصة بعد الارتدادات التي تعرفها أمريكا في المنطقة (سوريا والعراق) والأزمة التي يعيشها الرئيس الامريكي دونالد ترومب والتي إن لم تنته بإزاحته من الرئاسة في خضم صراعه مع الحزب الديمقراطي، فإنها ستضعف حظوظه في الفوز في انتخابات العام المقبل.

وستبقى المبادرة العربية المتمثلة في  بناء دولة فلسطينية على أراضي حزيران 1967 وعاصمتها  القدس الشرقية،  وعودة اللاجئين ،وإطلاق سراح المعتقلين، (والتي رفضتها إسرائيل)، هي القاعدة الأكثر واقعية للتفاوض من أجل حل النزاع وإقرار السلام.

*كاتب سياسي مغربي مقيم في باريس

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي