Share
  • Link copied

ودّع العالم من شرفة البازيليك حالما بمستقبل يسودهُ السّلام.. ماريو بيرغوليو، البابا الذي اختار فلسطين وصدح مستنكرا لمجازر إسرائيل

برأسٍ أجبرهُ المرض على الانحناءِ، ووجهٍ ذابلٍ لم تخفِ طَيبوبتهُ تَجاعيدُ السّنين، وملامح عطوفة زادتها الملابس البيضاء حسناً ووقاراً، أطل البابا فرنسيس، أمس الأحد، من على شرفة البازيليك الفاتيكانية، موجها رسالته إلى المسيحيين بمناسبة عيد الفصح. رسالة أصر على أن تكون معاناة سكان غزة، حاضرة فيها، دون أن يدري أنها آخر كلماته قبل الرحيل.

بنبرة صوت مبحوح ألمّ به الداء، قال البابا، في كلمة تعبّر عن شخصه الذي لم تبتلعه الضغائن، ولم تُشوّه فطرته “الحسابات الدينية”، إن فكره يتوجه “إلى شعب غزة، ولا سيما إلى الجماعة المسيحية فيها، حيث ما يزال النزاع الرهيب يولِّد الموت والدمار، ويسبب وضعًا إنسانيًا مروّعًا ومشينًا”، موجهاً نداءً “إلى جميع أطراف النزاع: أوقفوا إطلاق النار! وليتمَّ الإفراج عن الرهائن! ولتُقدّم المساعدة للشعب الذي يتضوّر جوعًا ويتوق إلى مستقبل يسوده السلام!”.

متواضع زاهد.. ووقوف دائم في صف الضعفاء

اختار القدر أن يأخذ روح ماريو بيرغوليو، ابن فقراء بوينس آيرس، يوماً واحداً بعد كلمته بمناسبة عيد الفصح، التي أصر أن تكون صوتاً لشعب غزة، وكرّر انتقاداته للحرب الإسرائيلية على القطاع. لم تكن أول كلماته التي تقف إلى جانب المضطهدين والفقراء والمستضعفين، لقد كان البابا فرنسيس، دائماً في صف الضعفاء.

تضامنه مع المضطهدين والضعفاء، كان السمة البارزة في حياته التي سقتها البيئة الفقيرة التي نشأ فيها في الأرجنتين، وظلت لصيقة به طوال مساره، حيث يؤكد أنصاره أنه كان “متواضعا زاهداً”، وهو ما دفعه، بعد انتخابه في منصب بابا الفاتيكان، في مارس 2013، ليختار اسم فرنسيس، تيمناً بفرنسيس الأسيزي، الذي تخلى عن ثروته لمساعدة المحتاجين.

علاقة وطيدة بالأديان الأخرى.. وانفتاح غير مسبوق على الشرق الأوسط

على عكس سابقيه، كان البابا فرنسيس، المزداد سنة 1936، مختلفاً، لقد ربط علاقة وطيدة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالأديان الأخرى. لم تمنعه صفته باعتباره أكثر شخصية مسيحية كاثوليكية رمزية في العالم، من أن يلتقي بشخصيات ذات رمزية دينية، من ديانات وطوائف أخرى، من ضمنها الملك محمد السادس، أمير المؤمنين في المغرب، وشيخ الأزهر أحمد الطيبـ، وعدد من قيادات الطائفة الشيعية في العراق.

متسلحاً بخلفيته القادمة من أزقة بوينس آيرس، ظل البابا فرنسيس مؤمناً بالقضايا الإنسانية العادلة، ومن ضمنها القضية الفلسطينية، التي دافع عنها باستمرار. هذه المواقف دفعت حركة “حـ.ـماس” الإسلامية، إلى أن تكون من أوائل المُعزّين للمسيحيين في وفاة بيرغوليو، كما ثمّنت وقوفه مع حقوق الشعب الفلسطيني.

غزة.. الجرح الذي لم يغب عن صلاته

ربما على عكس الكثير من الرموز الدينية التي لا تهتم سوى بأبناء دينها أو طائفتها، لم يصمت البابا في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية في غزة. حيث خرج باستمرار ليستنكر المجازر، ويدين الجرائم، ويطالب بوقف الحرب، بل إن الأمر وصل به إلى أن يعتبر بأن ما يحدث في القطاع، يحمل “خصائص الإبادة الجماعية”.

في شتنبر من سنة 2024، انتقد الباب فرنسيس بشدة ما أسماه بـ”تصاعد العنف”، ووصف العمليات العسكرية الإسرائيلية التي أسفرت عن استشهاد الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، بأنها قد “تجاوزت حدود الأخلاق الإنسانية”، لأنها نفذت في مناطق مكتظة بالسكان.

وفي رده على سؤال أن إسرائيل قامت بقتل حسن نصر الله في هذه الغارات، أكد البابا على أن “الدفاع يجب أن يكون دائماً متناسبا مع الهجوم”، مشدداً على ضرورة أن تكون هناك “مبادئ أخلاقية” في الحروب، لأنه “من غير المقبول استعمال القوة العسكرية بشكل غير متناسب، حيث تتسبب في مقتل العديد من الأبرياء”.

ورغم محاولاته، لم يكن وضع اصبع البابا فرنسيس على جرح غزة، كافٍ ليندمل، ولكنه على الأقل، بصلاته الدائمة، والتي لم يغب القطاع عنها، حتى آخر يوم من حياته، أكد أن الكنيسة، التي كانت لفترات طويلة من التاريخ، تقف إلى جانب “القوي” على حساب الضعيف، كانت خلال حقبته، في صف المستضعفين.

فلسطين في القلوب التي لا تُجامل

بعيداً عن المجاملات الدبلوماسية، أصرّ البابا على الإشارة إلى الاحتلال، لا كقدر محتوم، بل كظلم ينبغي أن يُرفع. تحدّث عن الحق الفلسطيني في إقامة دولة ذات سيادة، وتجاوز الكلام المجرّد، إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، عبر اتفاق وُقع في 2015، ودخل حيز التنفيذ سنة 2016.

رغم تدهور وضعه الصحي، أطل الباب في مارس 2025 من نافذة المستشفى الذي كان يُعَالجُ فيه بالعاصمة الإيطالية روما، مطالباً بوقف الحرب الإسرائيلي على غزة، قائلاً: “ليُسكت صوت السلاح، فقد تعب الأبرياء من الموت”، قبل أن يعود يوماً قبل وفاته ليدعو إلى “وقف فوري لإطلاق النار في غزة”.

Share
  • Link copied
المقال التالي