تُظهر مجموعة من الوثائق المسرّبة التي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن الملك عبد الله الثاني، الذي يحكم البلد منذ فترة طويلة، يمتلك سراً 14 منزلاً فاخراً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
نزل المتظاهرون الأردنيون إلى الشوارع -مجدَّداً- مطالبين بوضع حد للفساد والفقر في النظام الملكي الشرق-أوسطي الذي يعتمد على المساعدات. وفضَّ رجال شرطة ملثّمون التظاهرات واعتقلوا منتقدي قادة البلاد.
ومع ذلك هتف الناس من أجل التغيير.
أخيراً، وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة، أطلقت السلطات الأردنية في يونيو 2020 حملة على الثروة الخفية، تسعى إلى وقف تدفُّق ما يقدّر بنحو 800 مليون دولار سنوياً إلى خارج البلد.
وقال رئيس الوزراء آنذاك، عمر الرزّاز، إن الحملة كانت ضرورية بشكل خاص لمجابهة تداعيات جائحة فيروس كورونا على مالية الدولة. وقال رئيس الوزراء إن الأردن سيتتبّع كل دينار أخفاه المواطنون في الملاذات الضريبية. وليست هناك ثروة خارجية خارج نطاق التدقيق.
لا شيء خارج نطاق التدقيق، على ما يبدو، باستثناء ثروات الملك.
تُظهر مجموعة من الوثائق المسرّبة التي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن الملك عبد الله الثاني، الذي يحكم البلد منذ فترة طويلة، يمتلك سراً 14 منزلاً فاخراً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، اشتراها بين عامي 2003 و2017 من خلال شركات وهمية مسجلة في الملاذات الضريبية. وتتجاوز القيمة الإجمالية لهذه المنازل 106 مليون دولار.
وتشمل تلك المنازل منزلاً في أسكوت، وهي واحدة من أغلى بلدات إنجلترا؛ وشقق بملايين الدولارات في وسط لندن وثلاث شقق فاخرة في أحد مجمعات واشنطن، ذات إطلالات بانورامية على نهر بوتوماك.
وتشمل المنازل التي يمتلكها الملك أيضاً ثلاثة منازل متجاورة على شاطئ البحر، وهي قيد الإنشاء في “بوينت ديوم”، وهي منطقة فخمة تقع بالقرب من لوس أنجلوس. وأحد هذه المنازل هو قصر من سبع غرف نوم مبني على منحدر يطل على المحيط الهادئ، تم شراؤه في عام 2014 من خلال إحدى شركات الملك الوهمية، “نابيسكو هولدينغز” (لا علاقة لها بشركة البسكويت)، مقابل 33.5 مليون دولار.
وتظهر السجلات أن مستشاري الملك، البالغ من العمر 59 عاماً، والذي يمنح جائزة سنوية للشفافية باسمه، لم يدّخروا أي جهد لإخفاء ممتلكاته العقارية. فقد أسّس المحاسبون والمحامون في سويسرا وجزر العذراء البريطانية شركات وهمية نيابةً عن الملك ووضعوا خططاً ليُبعدوا اسمه عن السجلات الحكومية العامة وحتى السرية منها.
وقد قام مديرو شركة Alemán, Cordero, Galindo & Lee المعروفة اختصاراً باسم “ألكوغال” (Alcogal)، والكائنة في جزر العذراء البريطانية، بوضع علامات في وثيقتين للتصريح والموافقة على عدم مشاركة أي شخص مرتبط بإحدى شركات الملك في السياسة؛ مع أن الملك لديه سلطة تشكيل الحكومات وحل البرلمان والموافقة على التشريعات.
وعند مراسلة المحامين الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين نيابةً عن الملك، نفوا حدوث أي شيء غير لائق بشأن امتلاك منازل من خلال شركات خارجية. وقال المحامون إن الملك غير مُلزم بدفع الضرائب بموجب القانون الأردني.
ويقول الخبراء المطلعون على شؤون المنطقة إن من المحتمل أن يؤدي توقيت عمليات الشراء، إذا تم الإعلان عنه، إلى نفور العديد من الأردنيين وزعماء القبائل الذين يساعدون في إبقاء الملك عبد الله في السلطة. وتجدر الإشارة إلى أن معظم صفقات الملك العقارية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة -وستة منها بأكثر من 5 ملايين دولار- أُبرمت منذ عام 2011، أي بعد احتجاجات الربيع العربي، التي أطاحت بالحكومات في مصر وليبيا وتونس وشكّلت أول تهديد خطير للنظام الملكي الأردني منذ أجيال.
يعتبر الأردن من أفقر دول المنطقة. فيكاد لا يملك نفطاً في أراضيه، ولديه شحّ في الموارد المائية. إضافة إلى أن المملكة تعتمد على المساعدات الخارجية لدعم شعبها وإيواء ورعاية ملايين اللاجئين. وفي العام الماضي وحده، قدّمت الولايات المتحدة للأردن أكثر من 1.5 مليار دولار من المساعدات والتمويل العسكري، ووافق الاتحاد الأوروبي على إمداد المملكة بأكثر من 218 مليون دولار لتخفيف وطأة جائحة فيروس كورونا.
وقالت الدكتورة أنيل شيلين، الخبيرة في شؤون السلطات الدينية والسياسية الشرق-أوسطية، خلال مقابلة مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين: “ليس لدى الأردن نوع المال الذي يسمح -كما في ممالك الشرق الأوسط الأخرى، كالسعودية- للملك بالتباهي بثروته”. وأضافت شيلين، الزميلة الباحثة في معهد كوينسي بواشنطن: “إذا تباهَى الملك الأردني بثروته علناً، فلن يستعدي ذلك شعبه فحسب، بل سيُثير أيضاً غضبَ المانحين الغربيين الذين قدموا له المال”.
ويقول الخبراء إن الملك عبد الله الذي يسخَر رعاياه من الطريقة التي يتحدث بها العربية بلكنة إنجليزية، ليس لديه مجال للخطأ.
وهذا العام، اعتقلت الشرطة الأردنية 16 شخصاً، بينهم أحد أفراد العائلة المالكة، بسبب مؤامرة مزعومة للإطاحة بالملك عبد الله. ووُضع الأمير حمزة، الأخ الأصغر غير الشقيق للملك، مؤقتاً قيد الإقامة الجبرية لدوره المزعوم في محاولة الانقلاب، فيما نفى -في فيديو مُسرّب صدر بعد عملية مداهمة قامت بها أجهزة المخابرات في البلد- انخراطه في أي مؤامرة.
وقال الأمير حمزة: “أنا لست الشخص المسؤول عما وصلت إليه بنية الحوكمة لدينا من انهيار وفساد وعدم كفاءة على مدى الأعوام الـ15 أو الـ20 الماضية، وهي الأمور التي تفاقمت بحلول العام الحالي”. وأضاف: “لقد قرّر نظام حكم أن مصالحه الشخصية والمالية وفساده أهم من حياة وكرامة ومستقبل 10 ملايين شخص يعيشون هنا”.
واتهم مسؤولون أردنيون حمزة بالتآمر الذي هدّد الأمن القومي. ولم يتهم حمزة أخاه عبد الله بارتكاب فعل مُشين.
فيما قالت شركة “دي إل إيه بايبر” (DLA Piper) للمحاماة، التي تضم محامين بريطانيين عن الملك، إن عبد الله لديه أسباب أمنية مشروعة حاسمة، وأخرى تتعلق بالخصوصية، لحيازة ممتلكات في شركات خارجية، وإن الأمر لا علاقة له بالتهرب الضريبي أو أي غرض آخر غير لائق. وكتب المحامون أن الملك لم يُسِءْ استخدام الأموال العامة أو المساعدات الخارجية، مضيفين أن ثروة الملك عبد الله تأتي من مصادر شخصية. وقال المحامون إن عبد الله يهتم بشدة بالأردن وشعبه، وإنه يعمل بنزاهة وبما يخدم مصالح بلده ومواطنيه على الدوام.
وأضاف المحامون أن معظم الشركات الخارجية إما لم تعد موجودة أو لا علاقة لها بالملك، وأن بعض الممتلكات التي حددها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين على أنها تخص الملك ليست له. وأحجمت “دي إل إيه بايبر” عن توضيح ما يعتبره الملك غير دقيق بسبب مخاوف مزعومة تتعلق بالخصوصية وبأمنه وأمن أسرته.
كل رجال الملك (خارج الحدود)
لطالما كان الملك عبد الله حريصاً على ترسيخ صورته باعتباره شخصية معتدلة وحداثية. فقد تلقّى عبد الله -راكب الدراجات النارية، والحائز على جائزة مصباح السلام- تعليمه في الأكاديمية العسكرية الملكية وجامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، وغيرهما من المؤسسات التعليمية. تولى زمام الحكم في عام 1999 إثر موت والده الملك حسين. غالباً ما يُنظر للملك وزوجته الملكة رانيا -الفلسطينية المولودة في الكويت- على أنهما الثنائي الحاكم الأكثر “حداثة” في الشرق الأوسط؛ وقد تقابلا في حفل عشاء في عمّان -عاصمة الأردن- حين كانت الملكة المستقبلية والشخصية المؤثرة على موقع “إنستغرام” تعمل في شركة “أبل”.
ويُنظر إلى الأردن في عهد الملك عبد الله -على الأقل من الخارج- على أنها واحة من الاستقرار النسبي؛ إذ يحدها من الشمال والشرق سوريا والعراق البلدان اللذان مزقتهما الحرب، ومن الغرب هناك الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل. ومن ثمّ، يُعدّ الأردن -الذي يبلغ عدد سكانه 10 ملايين نسمة- حليفاً مهماً للولايات المتحدة، واستضاف أيضاً قواعد عسكرية للحلفاء خلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003. ويتلقى الأردن مليارات الدولارات كل عام في صورة مساعدات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، معظمها مخصص للملايين من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في المخيمات الأردنية.
تنزع المظاهرات المؤيدة للديمقراطية في الأردن إلى أن تكون أكثر سلمية وأصغر حجماً من تلك التي شهدتها تونس ومصر خلال الربيع العربي عام 2011؛ لكن الاقتصاد الراكد والأعداد الكبيرة من اللاجئين أشعلا فتيل غضب الجماهير.
في العام نفسه الذي اشترى فيه الملك ممتلكاته الفارهة في واشنطن -عام 2012- احتشد الآلاف من رعاياه في شوارع المدن والبلدات في جميع أنحاء الأردن احتجاجاً على إلغاء دعم الوقود؛ وهو القرار الذي خشي العديد من الأردنيين أن يغرقهم في فقر مدقع. رقص المحتشدون ورددوا الهتافات المقفّاة، وشبّهوا الملك عبد الله بـ”علي بابا”، ذلك الفقير في قصص “ألف ليلة وليلة” الذي أصبح ثرياً بين ليلة وضحاها فقط بقول “افتح يا سمسم”، ونهب كهف الأربعين لصاً المليء بالذهب والأحجار الكريمة.
إنها المرة الأولى التي يصب فيها المتظاهرون جَامَ غضبهم على شخص الملك مباشرة.
هتف الناس في الشوارع: “يا عبد الله يا ابن حسين، قروش الشعب راحت وين… اللي بيسرق الملايين… [وياللي واقف ع الرصيف]، بكرة بنشحد الرغيف”.
يكشف تحقيق “أوراق باندورا” أن الملك عبد الله لديه ما لا يقل عن 36 شركة واجهة في ملاذات ضريبية سرية؛ واستحوذ الملك أيضاً على معظم العقارات الواردة في التحقيق بين عامي 2008 و2017.
وتظهر عمليات تبادل رسائل البريد الإلكتروني التي عُثِر عليها بين الملفات المسرَّبة، أن مهمة إخفاء علاقة الملك بهذه الشركات والممتلكات التي تحصلت عليها، كانت هي المهمة الأولى والأهم للمستشارين الماليين للملك عبد الله.
كانت فيكتوريا لورين، وهي محامية بريطانية تعيش على ضفاف بحيرة جنيف، واحدة من مرشدي الملك في نشاطاته خارج الحدود، وكانت تملك شركة سويسرية لإدارة الثروات تُدعى Sansa Suisse SA. وقد ساعدت هذه الشركة الملك عبد الله في تشكيل واحدة من أولى شركاته الوهمية، وهي شركة Guinevere Enterprises المحدودة، التي أنشئت في عام 1995 في جزر العذراء البريطانية، بحسب السجلات التي لم تُبيّن السبب وراء إنشاء الشركة.
وكان المرشد الآخر هو الشريك التجاري للورين، وهو المحاسب البريطاني أندرو إيفانز. ووفقاً لملفه الشخصي على موقع LinkedIn، أمضى إيفانز أكثر من عقدين مع المكتب الفرعي لشركة المحاسبة العملاقة PwC في الإمارات العربية المتحدة، قبل إطلاق شركتين لإدارة الثروات في سويسرا؛ الأولى هي “خليج فيدوسيار” Khalij Fiduciaire SA، والثانية “فيديغير” FidiGere SA. وحسب ما تذكر سجلات الشركة السويسرية، فإن لورين شغلت منصب الرئيس بينما شغل إيفانز منصب السكرتير في شركة “خليج فيدوسيار”.
وعبر هذه الشركات، اضطلع إيفانز بدور أحد مديري الثروة الأساسيين للملك وأمين السجلات، وذلك كما يظهر من المراسلات بينه وبين شركة “ألكوغال”.
ويبدو أن عدداً قليلاً من أسماء الشركات الخارجية للملك له جذور جغرافية أو دينية؛ فمثلاً استمدت شركة “قباء المحدودة” اسمَها من أحد أقدم المساجد الإسلامية، كما أن شركة “زاير المحدودة” مشتقة من كلمة “زائر” التي تطلق على السياح الذين يزورون الأماكن المقدسة.
في حين أن المستندات المسرَّبة لا تسرد مفردات مقتنيات الملك، إلا أن بالإمكان العثور على موقعها وتفاصيلها وقيمتها من خلال مطابقة أسماء الشركات الوهمية مع سجلات الملكية العامة. وقد حدد المراسلون 12 شركة مالكة للعقارات من شركات الملك، وتشمل هذه العقارات عمارات سكنية بقيمة 6.5 مليون دولار في حي جورج تاون الفاخر بواشنطن، اشترتها شركة “زاير المحدودة” في عام 2012. وفي عام 2016، حصل ولي العهد الأمير الحسين -ابن الملك عبد الله- على درجة دبلوم في التاريخ الدولي من جامعة جورج تاون، التي تقع على بعد 10 دقائق سيراً على الأقدام من تلك الشقق الفاخرة.
لم تُبيّن الوثائق الغرض الدقيق لهذه الشركات أو أصول الشركات الوهمية الأخرى التي يملكها الملك؛ البعض منها فقط يوصف بأنه يمتلك استثمارات غير محددة في الولايات المتحدة وأوروبا.
وبحسب ما تذكر سجلات التخطيط في كاليفورنيا، يخضع اثنان من قصور الملك الثلاثة في ماليبو لتغييرات كبيرة؛ فأحدهما سيُهدم ويعاد بناؤه على مساحة مضاعفة. والثاني المبني على أرض مجاورة لشاطئ الولاية، سيضم قريباً حمام سباحة وعريشة معدنية ومكاناً فخماً لحفلات الشواء في الهواء الطلق.
عندما زار الصحفيون المنازل مؤخراً، بدت خاوية، وصاح أحد العمال الواقفين فوق السياج قائلاً “نبني مرآباً للمالك”؛ بينما كان ستة منهم يجلسون داخل الهيكل الخشبي لمرأب مستقبلي.
وعلى صوت قواطع الأعشاب ونباح أسود البحر، سار راكبو الأمواج بملابس الغوص أمام منزل الملك في أقصى الغرب، في طريقهم إلى شاطئ بيج دوم؛ فيما قال أحد الجيران الذين خرجوا في نزهة صباحية: “ياله من شارع رائع”.
“تعرفون من هو”
ووفقاً للسجلات، تولى مكتب “ألكوغال” هناك مسؤولية إدارة شؤون الملك في بنما وجزر العذراء البريطانية منذ عام 2007؛ وهذا اختيار طبيعي لشخصية سيادية تسعى للسرية.
تتكون جزر العذراء البريطانية من أكثر من 50 جزيرة وجزر رملية في البحر الكاريبي شرق بورتوريكو؛ ويرجع الفضل في ثراء هذه الجزر لقطاعها المالي. ويتطلب إنشاء وإدارة مئات الآلاف من الشركات الصورية للأجانب توظيف ترسانة من المحامين والمحاسبين وغيرهم؛ ولا تقتصر جاذبية قوانين الخصوصية الصارمة والالتزام التنازلي، من أعلى لأسفل، بقطاع الشركات الخارجية على المشاهير والسياسيين فحسب، بل تجذب المجرمين أيضاً.
ومنذ التسعينيات، ساعد مكتب شركة “ألكوغال” للمحاماة في جزر العذراء البريطانية العملاء على إنشاء وتشغيل شركات صورية، وذلك وفقاً للتحليل الذي أجراه الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين لسجلات الشركة. وقد تأسست “ألكوغال” على يد ابن سفير بنما في الولايات المتحدة ونخبة من المحامين الآخرين، وأصبحت مزوداً رائداً للخدمات الخارجية والقانونية للشركات متعددة الجنسيات والنخب العالمية من جميع الفئات.
أدرك إيفانز، مستشار الملك عبد الله، وموظّفو شركة “ألكوغال” أهمية الحذر والسرية؛ فكان موظّفو الشركة يشيرون للملك بصفته “المستفيد النهائي” المقيم في الأردن، فيما فضّل إيفانز تعبير “تعرفون من هو”.
تتطلّب قوانين جزر العذراء البريطانية وغيرها الكثير من الأحكام، بما في ذلك أحكام الولايات المتحدة، من شركات الخدمات المهنية مثل “ألكوغال” أن تحدد إمكانية حدوث غسيل أموال وغير ذلك من الانتهاكات التي قد يقوم بها عملاؤها. ويُعتبَر السياسيون والمسؤولون الحكوميون “مكشوفين سياسياً”، ومُعرضين بشكل خاص لاتهامات بتلقي الرشاوي والجرائم ذات الصلة. وتنصّ قوانين جزر العذراء البريطانية على غرامات تصل إلى 75 ألف دولار عن كلّ حالة إخفاق في تحديد هذه المخاطر أو الكشف عنها.
ومع ذلك، وضعت شركة “ألكوغال” في فبراير/شباط 2017 علامة “لا” أمام سؤال حول مستند داخلي في الشركة لتقييم المخاطر، وكان يتساءل عما إذا كان أي شخص يرتبط بأيٍّ من شركات الملك يُعتبَر شخصاً مكشوفاً سياسياً، أو بصيغة أخرى سياسياً أو مرتبطاً بأحد السياسيين. وكان المستند نفسه يحوي بيانات منها الاسم الكامل للملك وتاريخ ميلاده ومحل إقامته في قصر رغدان مترامي الأطراف رخاميّ الأرضيّة في عمّان.
وقد بذل إيفانز جهوداً كبيرة لضمان الحفاظ على سرية امتلاك الملك هذه الشركات الصورية.
وفي مسودة اتفاقية عمل عام 2016 بين “ألكوغال” و”فيديغير”، التي يمتلكها إيفانز، أثيرت تساؤلات حول متى وأين ولمن سيتم الكشف عن اسم صاحب السيادة ونشاطاته الخارجية، وذلك وفقاً لمراجعة التغييرات والتعليقات المتعقَّبة في المستند.
وكما كتبت “ألكوغال”، فإن الاتفاقية تطلب من الشركة الخارجية أن تشارك، مع سلطات جزر العذراء البريطانية، معلومات عن أملاك الملك، في حال طلبت دول أجنبية هذه المعلومات لكونها جزءاً من التحقيقات الجنائية. غير أن إيفانز اعترض على هذا، وأراد أن يعرف تحديداً مَن في جزر العذراء البريطانية يمكن إخباره بالحقيقة كاملة، متسائلاً “من فضلكم، هل يمكن تحديد مَن تشمله كلمة ’سلطات‘؟”
لذا أجرى إيفانز تعديلات على الاتفاقية لتشترط على “ألكوغال” مزيداً من الحماية لـ”عملائه ذوي الحساسية غير العادية”. ووفقاً لتعديلاته، فإن على “ألكوغال” الاحتفاظ بالمعلومات التي تتلقّاها حول هؤلاء العملاء في شكل نسخة ورقية فقط، بما يجعلها أقل عُرضةً لتسريب البيانات أو الخطأ البشري، وبما يتيح الوصول إليها “عند الحاجة فحسب”. غير أن الوثائق المسربة لا تخبرنا إن كانت “ألكوغال” قد وافقت على هذه التعديلات؛ لكن شركة المحاماة واصلت عملها مع إيفانز وشركته “فيديغير” بعد مناقشة الاتفاقية.
وفي مسودة اتفاقية 2016، كتب إيفانز “في الوقت الحالي لدينا عميل واحد فقط ضمن هذه الفئة” من العملاء ذوي الحساسية غير العادية. وفي حين أنه لم يُسمِّ الملك أو إحدى شركاته بشكل مباشر، تشير بعض الوثائق الأخرى المُرسَلة في الوقت نفسه تقريباً إلى الملك عبد الله.
وكان إيفانز قلقاً بشكل خاص بشأن ما قد يحدث لجواز سفر الملك. فقد وافق إيفانز على تزويد “ألكوغال” بنسخة إلكترونية منه، لكنه طلب من الشركة تقييد الوصول إليها وتأمينها بكلمة سر، وأعلنت “ألكوغال” امتثالها لهذا.
ومع حل المشكلات المتعلقة بالتعامل مع الوثائق، واجه إيفانز وشركة “ألكوغال” سؤالاً شائكاً حول ما إذا كان عليهم إعلام سلطات جزر العذراء البريطانية أن مالك هذه الشركات هو ملك الأردن.
وقد صعّدت جزر العذراء البريطانية من متطلبات الإفصاح في أعقاب الكشوفات الكبرى لسرية الشركات الخارجية، ومن ذلك تحقيق “أوراق بنما” الذي نفذه الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين في عام 2016. وفي ظل القوانين الجديدة، فإن على الشركات التي تساعد العملاء على تأسيس شركات في جزر العذراء البريطانية أن تقدِّم للسلطات أسماء المُلّاك الحقيقيين، المعروفين بمصطلح “المُلّاك المستفيدين النهائيين”. وتُسجّل المعلومات في سجلات سرية لدى حكومة جزر العذراء البريطانية. وبحكم قوانين هذه الجزر، يجب على “ألكوغال” تسجيل هذه المعلومات حتى المتعلقة بشركات انتقلت لاحقاً إلى ملاذات ضريبية أخرى، مثل بنما، كما كان الحال مع عدد من شركات الملك.
ووفقاً للوثائق المسرَّبة، فقد طلب إيفانز -في رسائل إلكترونية- من “ألكوغال” أن تُدرِج في السجلات السرية إحدى شركتَي إيفانز -“خليج فيدوسيار” أو “فيديغير”- بدلاً من الملك.
يتيح قانون جزر العذراء البريطانية الاستثناء من متطلبات الإفصاح إذا كان مالك الشركة “دولة ذات سيادة”، وقد وجد مسؤول الامتثال بشركة “ألكوغال” في الجزر أن تسجيل إحدى شركتَي إيفانز باعتبارها المالك المستفيد من شركات الملك الوهمية هو أمر ممكن بموجب قانون استثناء أصحاب السيادة، وفقاً لرسالة إلكترونية في يونيو/حزيران 2018. إلا أن مسؤول الامتثال أعلن أيضاً أن استغلال هذا الإعفاء ينتهك على الأقل روح القانون الجديد الذي سعى إلى تبييض صفحة الجزيرة بوصفها ملاذاً للأموال القذرة. ويطلب القانون أيضاً من شركة “ألكوغال” تقديم معلومات المِلكية “دون تأخير”، كما كتب مسؤول الامتثال، ويرى القانون أن إدراج شركة “خليج فيدوسيار” أو شركة “فيديغير” “لا يساعد في تنفيذ جملة ’دون تأخير‘” الواردة في القانون.
وفي تصريح للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، قال حكيم كريك -المحامي بشركة مارتن كيني وشركاه، وهي شركة محاماة بارزة في جزر العذراء البريطانية- إن صاحب السيادة حين يتصرف بصفته الشخصية “يجب أن يُعلَن عنه باعتباره المالك المستفيد”.
لم يُسجّل في ملفات “ألكوغال” القرار النهائي. وفي رد على الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، قالت الشركة إن القانون لا يُلزِمها بالإفصاح عن الأشخاص المكشوفين سياسياً على أساس علاقاتهم السياسية وحدها. وقالت الشركة أيضاً إنها تُجري فحوصات مطوَّرة في الخلفية حول جميع الأفراد ذوي الارتباطات السياسية. وأضافت أنه نظراً للاجتهادات المتواصلة فقد تغيّرت القوانين بمرور الزمن في البلدان التي تعمل فيها “ألكوغال”.
وصرّح إيفانز لأحد الشركاء الإعلاميين للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، وهو الناشر الإلكتروني والورقي السويسري تاميديا (Tamedia)، أنه متقاعد ولم يعد يعمل لدى الملك. ولم يُجِب إيفانز على الأسئلة التي وُجّهت إليه. فيما صرّح محامو الملك للاتحاد نفسه أن متخصصين يديرون شركات الملك لضمان الامتثال للالتزامات القانونية والمالية ذات الصلة.
وفي 2018، وبعد عمليات تبادل رسائل البريد الإلكتروني، كان الملك عبد الله لا يزال في صراع مع الاحتجاجات المناهضة للضرائب التي اجتاحت البلاد، حيث يصل متوسط الدخل السنوي 7620 دولاراً. وبعد تعيين [عمر] الرزّاز رئيساً جديداً للوزراء في البلاد، عقد الملك اجتماعاً عاماً مع المحرّرين والصحفيين المعتمَدين لدى القصر.
وأكّد الملك للشعب أنه يتفهّم معاناتهم الاقتصادية، قائلاً إن “على مؤسسات الدولة تبنّي أسلوب عمل يقوم على الشفافية والمُساءلة”.
عن موقع درج
تعليقات الزوار ( 0 )