شارك المقال
  • تم النسخ

وباء كورونا بين التشابكات الدولية والتشبيك الإنساني

    وباء كورونا بين التشابكات الدولية والتشبيك الإنسانيطرح تفشي وباء كورونا معضلات أساسية على جميع بقاع المعمور و ذلك بالموازاة مع ارتفاع حدة التوقعات الدولية بتأثيراته متعددة الأشكال والأطياف. وتمثل ذلك في الوقوف على خيبات النظام العالمي و دخول الدول في الصدام والمواجهة  مع نوع جديد من  أنماط صراع الغير التقليدي والإقرار والتسليم بواقع أخر.

وحاول الكثيرون في المنتظم الدولي خلال فترة تفشي الوباء وسيادة التقسيم الجيوبوليتيكي  للعالم، الجمع بين المبادئ والواقعية الجديدة، والتي اتسمت بها جل العناصر الجيواستراتيجية و السوسيوتدبيرية في زمن وباء كورونا. وقد انبرت لها الأحداث وعكست  حقيقة أنماط الصراعات والتحالفات بين تبني موقف منحاز للواقع الداخلي والتشبث باستراتيجية وطنية، تستحضر ما هو كائن عبر قواعد وتوجهات خاصة أو استحضار مبادئ وثوابت الكونية باسم الإنسانية والعيش المشترك والتسامح الإنساني.

وطغت هذه الجدلية على منظومة التشابكات ومواقف الأطراف منذ بداية أزمة تفشي وباء كورونا، بربطه بمكان ومجال معين وخاصة “البر الصيني”من طرف الجانب الأمريكي، وكذلك رفض تقديم المساعدات من طرف الإتحاد الأوربي لبعض دول أعضاء في الإتحاد، والذهاب بعيدا بقرصنة المواد الطبية و شبه الطبية في مناطق عدة من العالم مثل شحنة متجهة لألمانيا و أخذتها الولايات المتحدة الأمريكية.

فالتحولات والتغييرات الكبيرة التي حدثت في العالم بعد تفشي وباء كورونا، تنعكس مباشرة على خطوط التماس الدولية وتداعياتها الإنسانية، والتي أعادت النظر الى مسألة “التشبيك الإنساني” وتسييس المساعدات في زمن الصراع مع عدو غير تقليدي، وتوظيف الجانب الأول من أجل تحقيق الجانب الثاني.

فالأمن الإنساني اليوم من خلال الأحداث والوقائع، كشف عن ربط المساعدات والتضامن على أسس واقعية جديدة ونهج دبلوماسي موازي “دبلوماسية الصحة”، عبر ابتعاث المجموعات والمواد الطبية و تقديم الخبرات الضرورية في مرحلة أولى و بيع المنتوجات وجني الأرباح في مرحلة ثانية .  ويقدم هيكل التمويل الإنساني  مع هذا الواقع الجديد،  لمحة أخرى ذات دلالات رمزية في صورتها  وأبعاد جيواستراتيجية  مستقبلية، بالنظر الى من يمول ومن يقدم الخبرات و من يتلقى المساعدات، في تغيير أخر لمشهد موازين تشابكات القوة والضعف الدولية .

وفي هذا الإطار يمكن البناء على وظائف التشابك والتشبيك بالاستهداف المباشر، عن طريق كسر الحواجز والقيود التقليدية  ونقلها الى مستويات أخرى، تسمح بخدمة أطراف مصالح معينة جديدة، ومما يعكس تفكيرا مختلفا في العالم وتحولاته . ولعل اللافت للنظر أيضا، تزايد الخطوات المؤسسية لتعزيز توظيف مسألة احتكار الدواء والغذاء، من أجل ابتزاز والتحوط التي تتعارض مع الآلية التعاونية وسبل دعمها، سواء من قبل الحكومات والمنظمات الدولية أو الهيآت المدنية الإنسانية ،والتي تسعى الى تعزيز الالتزام بالقيم الحاكمة للمساعدات الدولية، عبر تقليص الإرتباطات السياسية في بناء وتطبيق الأجندات الإغاثية.

فاتجاهات التشابك أملتها عدة محفزات، كإفراز لسياقات الجديدة إثر تفشي وباء كورونا والتي على رأسها  إيقاف عجلة الكوكب و بروز عنصر”اقتصاد التداعيات”، وفقدان التوازن بين الأولويات والاستراتجيات وما يمثله  ذلك في تأثير في بنية التشابكات الدولية، و التوجه نحو التماسك الفكري والارتباط العضوي داخل هياكل ومؤسسات محددة ذاتية وعدم تدخل الأمم المتحدة رغم وجود عدو غير تقليدي يهدد السلم والأمن الدوليين، في ظل ازدياد حالة العديد من الدول سوءا بسبب تطور نسبة حالات تفشي الوباء و الموتى، ومما يعطي صورة واقعية للاتضامن دولي في ظل النظام الدولي القائم . فالوضع لا يختلف بين مختلف الأطراف المعنية بالتشابكات، رغم محاولة  بعض الدول توسيع أدواتها التدخلية وتعزيز محركات بناء اتجاهات جديدة.

فالتشابكات الدولية والتشبيك الإنساني في ظل وباء كورونا، تحكمه حركة العوامل التالية:

  • عامل سياسي استراتجي:عبر لعب دول أدوار جديدة في مواقع بديلة لمجالها الحيوي، والذي كان مقتصرا على أطراف معينة، كما هو الحال بالنسبة لصين و كوبا من “دولة محاصرة” الى “دولة منقذة” في إطار  تطبيق منظومة “قوات الدفاع الذاتي”  لفك العزلة عبر الأطر الطبية والصحية.
  • عامل اقتصادي مالي وذلك بإذكاء الصراع داخل أروقة الأسواق المالية و الطاقية الدولية، كما هو الحال بالنسبة لتعويم المالي الخارجي والداخلي، و كذلك الصراع بين  منظمة أوبك وباقي الأطراف الخارجة عنها وخاصة الصراع الروسي السعودي، وتزايد طلب على الاقتراض  من البنك الدولي والذي بلغ عدد  الدول التي  طلبته الى 90 دولة، ودخ حزمات مالية ضخمة لتحقيق الاستقرار المالي وتحفيز الأسواق، وارتفاع غير مسبوق لنسب البطالة و تراجع قوي لمعدلات النمو والذي وصل الى معدلات قياسية في عدة بلدان حسب مؤسسة “فيتش”.
  • عامل إنساني وقائي و الذي يتمثل في تجاوز أنماط التشبيك الإنساني المعتمد على المنظمات الدولية وبعض الإعانات الإغاثية الإقليمية الى تأثير شبكات أخرى، خاصة في المجال الصحي والوقائي على مستوى الإشراف والتتبع والخبرة الطبية، وكذلك تقاسم المعلومات والأبحاث الهادفة الى وقف تفشي الوباء وإيجاد لقاحات تحد منه، في ظل ضبابية مواقف منظمة الصحة العالمية وطريقة تعاطيها مع الوباء المستجد.

لكن عموما هذه التشابكات الدولية و التشبيك الإنساني، أفضت الى بروز خطط لاعبين جدد على مستوى المنظومة الدولية، وارتفاع حدة التنافس والصراع بين المعسكر الغربي والشرقي، ومع وضوح ضعف المنظومة الإستباقية والوقائية في كافة المجالات، والتي كانت تتبجح بها العديد من الدول الغربية وقد انهارت منظومتها التضامنية داخليا وخارجيا، لفائدة تعزيز الأنماط والروابط الذاتية ومتجاوزة بذلك نمط ” لقوة الإجتماعية” التي كان يفترض أنها تتمتع به واحد أهم شعارات هيمنتها.

*باحث في العلوم السياسية والإعلام

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي