استقبلت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، يوم الإثنين 8 أبريل الجاري، وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في أول زيارة رسمية له إلى واشنطن منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
وتمخّضت هذه الزيارة التي شملت لقاءات رفيعة مع كل من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز، عن موقف أمريكي أكثر وضوحًا ودعماً لمبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي ونهائي لنزاع الصحراء.
وأكد بيان رسمي صادر عن الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة “تجدد اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية وتدعم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الوحيد المقبول للتسوية”، داعية جميع الأطراف إلى الانخراط في حوار مباشر دون تأخير.
كما عبّر روبيو عن استعداد بلاده لتسهيل هذا المسار، في ما وُصف برسالة سياسية واضحة: واشنطن تريد طي صفحة “المينورسو”.
الأمم المتحدة في مأزق: “المينورسو” بلا مهام حقيقية منذ عقود
ويأتي هذا التطور في وقت تتزايد فيه الانتقادات حول جدوى استمرار بعثة الأمم المتحدة “المينورسو”، التي أنشئت سنة 1991 من أجل تنظيم استفتاء بالصحراء، لكنها فشلت على مدى أكثر من ثلاثين سنة في تحقيق هدفها الأساسي، وظلّت تقتصر على مراقبة وقف إطلاق النار.
وحسب تحليل حديث صادر عن مركز التفكير الأمريكي “أتلانتيك كاونسل”، فإن “المينورسو” أصبحت عبئًا سياسيًا وماليًا، حيث تصرف عليها الأمم المتحدة حوالي 61 مليون دولار سنويًا دون نتائج ملموسة، في حين عجزت عن التفاعل مع التحولات الأمنية الخطيرة بالمنطقة، كامتداد نشاط الجماعات المتطرفة وتنامي شبكات التهريب.
تأييد دولي متسارع للموقف المغربي
ومنذ الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية سنة 2020، تتوالى المواقف الدولية المؤيدة للمبادرة المغربية. إذ عبّرت إسبانيا في 2022 ثم فرنسا في 2024 عن دعمهما الصريح لمقترح الحكم الذاتي، إلى جانب افتتاح أزيد من 29 دولة قنصليات لها بكل من العيون والداخلة.
وهذا الزخم الدولي جعل مهمة المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا شبه مستحيلة، حيث أعلن عن نيته مغادرة منصبه في أكتوبر 2024، معترفًا بصعوبة التوسط بين موقف مغربي يلقى دعمًا دوليًا متزايدًا، وموقف جزائري ما يزال متشبثًا بخيار الانفصال.
استفتاء مستحيل ومجتمع متحوّل
ومن النقاط الأساسية التي تطرق لها تقرير المعهد الأمريكي، أن إجراء استفتاء بالصحراء بات أمرًا غير واقعي من الناحية الديمغرافية والتاريخية. فالهوية القبلية المتشابكة للسكان، وحركة القبائل الحسانية بين المغرب وموريتانيا والجزائر، تجعل من الصعب تحديد من يحق له التصويت.
إلى جانب ذلك، فإن آلاف المغاربة استقروا في الأقاليم الجنوبية منذ السبعينات، واستفادوا من برامج دعم الدولة، ليصيروا اليوم جزءًا لا يتجزأ من نسيج المنطقة، كما أن عددًا من سكان مخيمات تندوف لا ينحدرون أصلاً من الصحراء بل جاءوا نتيجة صراعات أخرى بمنطقة الساحل.
صوت من الميدان: صحراويون يطالبون بالاستقرار والتنمية
واعتمد التقرير الأمريكي على شهادات ميدانية لصحراويين من مدن الداخلة، العيون وبوجدور، حيث عبّر معظمهم عن “الملل من النزاع”، وأملهم في “حل دائم يسمح لهم بالعيش في ظل الاستقرار والكرامة”، مشيدين بمشاريع التنمية التي أطلقتها المملكة، خصوصًا مشروع ميناء الداخلة الأطلسي الضخم.
وأشار التقرير إلى أن المغرب تجاوز المقاربة الأمنية التي ميزت فترة التسعينات، نحو رؤية جديدة ترتكز على التنمية المجالية، والنهوض بالبنيات التحتية، وتعزيز دور الجهات في تدبير شؤونها، في إطار الجهوية المتقدمة التي تُعد العمود الفقري لمقترح الحكم الذاتي.
نحو طي صفحة “المينورسو”: هل آن أوان الحسم؟
ويرى معهد “أتلانتيك كاونسل” أن الوقت قد حان لإنهاء مهمة “المينورسو”، التي لم تعد تواكب التحولات الجيوسياسية الجديدة، داعيًا إلى اعتماد مبادرة الحكم الذاتي كأساس واقعي ووحيد لحل هذا النزاع طويل الأمد.
وفي استشهاد رمزي، ختم التقرير باقتباس للمفكر الأمريكي روبرت كابلان: “الحدود ليست مجرد خطوط على الخريطة، بل تجسيد لموازين القوى”، مشيرًا إلى أن ميزان القوى اليوم، من واشنطن إلى مدريد وباريس، بات يُرجح كفة الرباط.
تعليقات الزوار ( 0 )